ممدوح الولي:

 

بعيدا عن المبالغات الإعلامية التى تجعل من كل زيارة خارجية للجنرال زيارة تاريخية، حتى ولو كانت لتشاد، فعندما ننظر إلى الزيارات الأربع التى زار الجنرال فيها الصين، نجد أن الزيارة الأولى التى تمت فى ديسمبر 2014 كانت الوحيدة الرسمية، وباقى الزيارات كانت بمثابة استضافة له كضيف شرف فى احتفالات مثل غيره من الضيوف الأجانب .
فزيارة سبتمبر 2015 كانت لحضور العرض العسكرى بمناسبة الذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، مثل كثير من المدعوين من بلدان العالم، وزيارة سبتمبر 2016 كانت كضيف مع ضيوف آخرين بمناسبة انعقاد قمة العشرين بالصين .
وزيارة شهر سبتمبر الحالى كضيف على هامش انعقاد قمة مجموعة البريكس، ضمن 5 بلدان تمت استضافتها من قبل الصين هى: طاجكستان البالغ عدد سكانها 8 ملايين نسمة، وغينيا البالغ سكانها 12 مليون نسمة، بالإضافة إلى تايلاند والمكسيك.
وعندما تشير وسائل الإعلام إلى النصيب النسبى الجيد لمجموعة البريكس من الاقتصاد الدولى، والمكونة من خمس دول هى: الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا، خاصة نصيبها البالغ 42% من سكان العالم، لوجود الصين والهند صاحبتى المركزين الأول والثانى بعدد السكان دوليا، والبرازيل صاحبة المركز الخامس، وروسيا صاحبة المركز التاسع، فالعبرة ليست بعدد السكان فقط.
فائض تجارى لبريكس مع مصر
ولهذا نجد نصيبها من الناتج المحلى العالمى بسعر الصرف بالعام الماضى 22% فقط، وعندما نتجه لنصيبها من التجارة السلعية الدولية تنخفض النسبة إلى 16%، وعندما نتجه لنصيبها من التجارة الخدمية الدولية تنخفض النسبة لأقل من 13% من التجارة الخدمية الدولية .
والقضية الأهم: هل لدينا الإمكانية للاستفادة من تلك القدرات الاقتصادية لهذه البلدان؟ لأن الواقع يشير إلى أن تلك الدول هى المستفيدة أكثر من علاقتها بمصر، البالغ عدد أفرادها أكثر من 93 مليون فرد .
حيث تحقق دول مجموعة البريكس فائضا تجاريا فى تجارتها مع مصر، بلغ 7ر14 مليار دولار بالعام الماضى فقط، وكان الفائض أكثر من ذلك بالعام الأسبق، حين بلغ 3ر16 مليار دولار.
والخطير فى ذلك هو تدنى نسبة تغطية الصادرات المصرية لتلك الدول بالمقارنة بوارداتنا منها، لتصل النسبة إلى 10% كمتوسط عام، حيث تنخفض النسبة إلى 4% مع البرازيل، حيث صدرنا لها بنحو 91 مليون دولار، واستوردنا بنحو 2 مليار و150 مليون دولار .
كما بلغت نسبة التغطية مع الصين 5% بتصدير ما قيمته 471 مليون دولار، واستيراد 2ر9 مليارات دولار، كما بلغت النسبة 10% مع روسيا و29% مع الهند، أما جنوب إفريقيا فقد حققنا معها فائضا بلغ 91 مليون دولار .
تراجع الصادرات المصرية لبريكس
وهذه كلها بيانات حكومية مصرية صادرة عن الجهاز المركزى للإحصاء، والتى تشير إلى أنه خلال السنوات الخمس الأخيرة، حقق الميزان التجارى المصرى الصينى عجزا مستمرا، بلغ أكثر من 38 مليار دولار خلال السنوات الخمس الأخيرة.
ونفس الحال مع روسيا والبرازيل والهند، هناك عجز تجارى مصرى، أما مع جنوب إفريقيا فقد حققنا فائضا مستمرا بالسنوات الخمس بلغ مجموعه 847 مليون دولار، أى أقل من المليار .
والغريب هو تراجع قيمة الصادرات المصرية لأغلب دول البريكس، فمع الهند تراجعت الصادرات المصرية من 4ر2 مليار دولار عام 2010 وأكثر من مليارى دولار خلال عامى 2013 و2014، إلى 636 مليون دولار بالعام الماضى .
ونفس التراجع لقيمة الصادرات مع البرازيل من 287 مليون دولار عام 2010، وأكثر من مائتى مليون دولار خلال السنوات الثلاث التالية، إلى أقل من مائة مليون بالعامين الأخيرين، كما تراجعت قيمة الصادرات إلى روسيا من 353 مليون دولار عام 2014، إلى 5ر280 مليون دولار بالعام الماضى .
وتراجعت قيمة الصادرات المصرية للصين بالعام الماضى، عما كانت عليه قبل ست سنوات، حتى الصادرات لجنوب إفريقيا بالعام الماضى، تراجعت عما كانت عليه قبل ست سنوات.
غالب الصادرات "مواد خام"
والمهم أيضا نوعية تلك الصادرات التى تشكل المواد الخام النسبة الغالبة بها، حيث يشير التوزيع النسبى للصادرات المصرية للصين فى عام 2015، إلى استحواذ صادرات البترول الخام على نسبة 63% من القيمة الإجمالية، والرخام 13%، والفواكه 3%، والجلود 3%، والزجاج ومصنوعاته 3%، والنحاس ومصنوعاته 3%، والقطن 2%.
ويتشابه الأمر مع التوزيع النسبى للصادرات للهند بنفس السنة، حيث شكل البترول الخام نسبة 60% بخلاف 8% للنفط المكرر جزئيا، و12% للأحجار والإسمنت، و3% للقطن، و2% للخضراوات، و2% للفواكه .
وعندما يدعو الرئيس الصينى معبرا عن قادة البريكس، إلى حرية التجارة، فإنه لا يقصد الإجراءات الحمائية التى يتخذها الرئيس الأمريكى ترامب فقط، ولكن دعوته تشمل دولا أخرى منها مصر، التى قامت بفرض قيود على الواردات منذ عام 2015 وحتى الآن، تسببت فى تراجع صادرات دول البريكس لمصر، حيث انخفضت قيمة صادرات الصين لمصر بالعام الماضى بنحو 544 مليون دولار عما كانت عليه بالعام الأسبق .
وتكرر نقص الصادرات الهندية والبرازيلية والروسية ومن جنوب إفريقيا لمصر بالعام الماضى، عما كانت عليه عام 2015؛ بسبب الإجراءات المصرية المتشددة، وجاءت بيانات التجارة الخارجية المصرية خلال الشهور الخمسة الأولى من العام الحالى، لتبين استمرار انخفاض صادرات دول البريكس الخمسة لمصر، عما كات عليه بنفس الشهور من العام الماضى.
والغريب أن الميزان التجارى المصرى مع جنوب إفريقيا، والذى يظل يحقق فائضا لصالح مصر بالسنوات الخمس الأخيرة، تحول لتحقيق عجز خلال شهور العام الحالى، لتنضم لباقى دول مجموعة البريكس، لتصبح جميعها محققة فائضا تجاريا فى تجارتها مع مصر.
استثمارات صينية وهندية ضئيلة بمصر
ومن المهم ونحن نترقب نتائج استضافة الصين للجنرال بقمة البريكس ضمن استضافتها لرؤساء خمس دول، أن نتعرف على البيئة المحيطة بالحوار المصرى مع تلك الدول خاصة الصين، فهناك غضب مكتوم من قبل الصين، التى كانت تأمل فى الحصول على نصيب من مشروعات إنتاج الكهرباء، والتى وجهها الجنرال لشركة سيمنس الألمانية دون استيفاء متطلبات قانون المناقصات والمزايدات .
كما تسعى الصين منذ سنوات لبيع عربات قطارت لمصر لكنها لم تنجح كذلك، وكانت شركة أفيك إنترناشيونال الصينية قد وقعت عقدا بمؤتمر شرم الشيخ، مارس 2015، لإنشاء مصنع بمصر لتجميع عربات وجرارت القطارات، باستثمارات 500 مليون دولار، لكنه لم ير النور .
كما شهد مؤتمر شرم الشيخ اتفاقا مع شركة دونج فانج الصينية لإنشاء وتشغيل قطار مكهرب، لخط إسكندرية أبو قير، بطول 22 كيلو و16 محطة، بتكلفة 500 مليون دولار، وهو ما لم يتم أيضا، كما شهد المؤتمر اتفاقا مع شركة شينا هاربر الصينية لإنشاء محطة متعددة الأغراض بميناء الإسكندرية، وإنشاء أرصفة بطول 1800 متر، بتكلفة 250 مليون دولار.
وشهد مؤتمر شرم الشيخ اتفاقا مع شركة دونج فانج الصينية لإنشاء محطات إنتاج كهرباء تعمل بالفحم، بقدرة أربعة آلاف ميجا وات، ثم تم تأجيل إنشاء محطات تعمل بالفحم بعد توافر طاقات احتياطية ضخمة، كما شهد مؤتمر شرم الشيخ اتفاقا مع شبكة الكهرباء الوطنية الصينية لتطوير شبكة نقل الكهرباء بنحو 8ر1 مليار دولار .
وعندما تربط الصين بين تلك الاتفاقات التى لم تتحقق، وبين التوقيع على 26 مذكرة تفاهم بين الحكومة المصرية والشركات الصينية خلال أول زيارة للجنرال لبكين فى ديسمبر 2014، فى مجالات تطوير الكهرباء والطاقة المتجددة، وتوليد الطاقة الكهرومائية على نهر النيل، وإنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية، وإعادة تأهيل وصيانة وتجديد السكك الحديدة، وإنشاء قطار فائق السرعة بين محافظتى الإسكندرية وأسوان وغيرها .
فقد كانت النتيجة المؤلمة هى تدنى حجم الاستثمارات الصينية بمصر، لتصل إلى 281 مليون دولار فقط، خلال ثلاث سنوات وتسعة أشهر، بداية من 30 يونيو 2013 وحتى مارس من العام الحالى.
أيضا لا بد من النظر إلى الواقع الاقتصادى الحالى لدول البريكس، ونحن نترقب نتائج استضافة الجنرال، فالصين تعانى من عدة مشاكل اقتصادية تسببت فى تخفيض وكالة موديز تصنيفها خلال شهر مايو الماضى، بسبب توقعها تآكل قوتها المالية وتباطؤ النمو، واستمرار زيادة الدين، ما أدى إلى تغيير نظرتها المستقبلية للصين من مستقرة إلى سلبية .
ومع انخفاض معدل نمو الاقتصاد الصينى بالعام الماضى عما كان عليه بالعام الأسبق، ليصل إلى 7ر6%، فقد توقع صندوق النقد الدولى استمرار نفس معدل نمو العام الماضى خلال العام الحالى، ثم تراجعه بالعام القادم إلى 4ر6%، بعد أن كان يزيد عن 10% عام 2010 .
 

 

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر