مجدي مغيرة:

 

مثلما هلل الكثيرون للنظام فرحا بانقلابه ، وفرحا بمجازره التي أقامها للإخوان المسلمين ولمؤيديهم  ولرافضي الانقلاب العسكري من جميع طبقات الشعب المصري ، كثيرون أيضا صفقوا له ليس اقتناعا به ، ولا اعتقادا بصحة ما يفعل ، ولكن اعتقادا بأن في ذلك نجاة من بطشه ، وأملا في نيل شيء من عطاياه !

لكن بعد أربع سنوات على مرور الانقلاب ، وعلى مذبحة القرن في رابعة والنهضة ، رأينا بأم أعيننا أن الجميع قد خسر ، وأن الجميع يدفع ثمنا غاليا إن من شرفه وكرامته ، أو من دخله ومعيشته ، أو من دينه وإنسانيته .

ففي بلادنا الآن كل الاختيارات قد تؤدي بك إلى الموت !

إن قلت كلمة الحق ؛ فأنت معرض للموت بالإعدام على يد القضاة ، أو بالرصاص على يد الجيش والشرطة ، أو بالإهمال الطبي داخل السجون على يد الأطباء ، أو بسبب سوء أوضاع الزنازين .

وإن رضيت بالأمر الواقع ، فأنت أيضا معرض للموت في حوادث الطرق ، أو بالإهمال الطبي ، أو بانهيار العمارات ، أو بسرقة أعضاء جسمك ، أو بالانتحار هروبا من المشاكل ، أو لأي سبب من الأسباب التي تخطر على بالك ، و قد لا تخطر على بالك .

وإن ارتضيت أن تكون تابعا ومؤيدا للنظام ، فقد تكون ضحية لأحد مخططاته التي يدبرها ، كأن يغتالك ، ليتهم خصومه باغتيالك .

وفي بلادنا أيضا الغالبية تتعرض للإهانة على يد الشرطة في الطرق والأقسام ، أو المصالح الحكومية إذا رفض أن يدفع الرشوة أو الإتاوة لقضاء معاملته .

أما ضيق معيشة الناس وغلاء الأسعار ؛ فحدث ولا حرج ، فالموظف فقد قدرته على العيش الكريم براتبه ، ولا مفر له من عملٍ إضافي ، وقد لا يجده ، أو مدِّ يده للاختلاس أو للرشوة .

وكثير من خريجي الجامعات لا يجدون أعمالا تناسب تخصصاتهم ، والكثيرون منهم عاطلون عن العمل مهما كان بسيطا كأن يعمل سائق تكتك أو بائع خضار.

أما كرامة البلد وسيادتها ، فها نحن نرى كيف تباع الأرض لمن يدفع ، وكيف تهدر الثروات من أجل تثبيت الكراسي المهتزة ، كل ذلك دون حسيب أو رقيب  .

اليأس الآن يسيطر على غالبية المصريين ، والتشاؤم يلف بثوبه الأسود على نفوسهم ، والإحباط هو النتيجة الحتمية لكثير من الجهود المبذولة للعيش الكريم دون طائل .

فمن الذي كسب من الانقلاب العسكري ، ومن الذي خسر ؟

وأين هي الأحلام الكبيرة التي وعد الانقلاب بتحقيقها ؟

هل صارت مصر "أم الدنيا"  " أد الدنيا" كما قالوا ؟

هل تم القضاء على البطالة ؟

هل تم القضاء على الخوف وعدم الشعور بالأمان ؟

هل حققت البلاد إنجازات تستحق أن تقام المجازر من أجلها ؟ وأن يشيع الرعب في النفوس من أجلها ؟

لم تجنِ البلاد من كل ذلك غير هشيم تذروه الرياح ، وتفاقمت أزمات البلاد من كل شكل ولون .

وعلى الجانب الآخر ، جانب المعارضين للانقلاب ، نجد كثيرا من الناس بدلا من تركيز جهدهم في نشر الوعي بين الجمهور ، وبذل كل الجهود من أجل إسقاط الانقلاب ، تجده لا عمل له سوى سبِّ هذا ولعن ذاك ، وتخوين هذا وتنقيص ذاك ، ثم – للعجب العجاب – يطالب من سبَّهم وشتمهم ونقَّص من قدرهم وقيمتهم ، يطالبهم بسرعة العمل لإسقاط الانقلاب !

إن إسقاط الانقلاب يتطلب توحيد الجهود ، ولا يمكن توحيد الجهود بالسب والشتم والطعن واللعن والتشكيك .

لا يمكن أن تتوحد الجهود وأنت تطلب من غيرك أن يتنازل عن كثير من ثوابته ، وإذا رفض – ورفضه أمر طبيعي – تتهمه بالجمود وبالعناد .

لا يمكن أن تتوحد الجهود ، والبعض ما زال يصر على أنه العقل الذي يفكر ويدبر ويخطط ، وغيره عضلات يجب عليها تنفيذ ما يراه .

إن توحيد الجهود لا يعني أن يتنازل كل فريق عن ثوابته ، وإنما يعني أن يتفق الجميع على القواسم المشتركة – وما أكثرها – وأن تحسم صناديق الانتخاب بين الآراء المختلفة .

فهل هذا مستحيل ؟

هل هذا خارج المعقول .

والله ليس بمستحيل ولا خارج المعقول ، والعبث كل العبث أن نظل يطعن بعضنا في بعض ، ويشكك بعضنا في بعض ، والانقلاب آمن مطمئن ، فمتى نعي ، ومتى نعقل ، ومتى نعزم عزمة الرجال لنحيا حياة الرجال ؟