بقلم : مجدي مغيرة

طمع أحد ملوك السلاجقة وهو السلطان "عز الدين كيكاوس" في أن يضم إلى مملكته مدينة حلب بعد وفاة ملكها الأيوبي الملك "الظاهر" وتولى بعده ابنه الملقب باسم "العزيز" ؛ متعللا بأن الابن مازال صغيرا لا يستطيع أن يدير أمور المملكة .

 ورغم أن حاشيته حذرته من ذلك بسبب ما كان من ود بينه وبين والد الملك الصغير ؛ إلا أنه صمم على الغزو .

ولما علمت أم الملك الصغير بنية "عز الدين كيكاوس" على غزو ولدها ونزع مملكته من يديه ،؛ سعت لمواجهة تلك المحنة بخطتين :

الخطة الأولى الاستغاثة بأخيها الملك "الأشرف" خال الملك العزيز كي يقف بجانب ابن أخته .

والخطة الثانية أن فكّرت في حيلة من شأنها أن تجعل ثقة السلطان تنعدم تماما في بعض قادته ؛ وذلك بأن زَوَّرت باسم هؤلاء القادة رسائل موجهة إلى الملك "العزيز" تتضمن وقوفهم معه ضد سلطانهم "عز الدين كيكاوس" ، ووضعت هذه الرسائل في مكان معين كي يستطيع السلطان "عز الدين" أن يصل إليه ( وفق مادبرت )  ، ثم ذهب جاسوسها إلى أصفياء السلطان ، وتكلم أمامهم بأسلوب كأنه تلفظ بما لا يجوز التلفظ به ؛ فابتلع بعض أصفياء السلطان الطعم ، وتوهموا أنهم قد عرفوا سرا خطيرا ؛ فأسرعوا وأخبروا السلطان بأمر الرسائل وبمكانها ( ولم ينتبهوا أنهم وقعوا ضحية المرأة )  ؛ فأسرع السلطان إلى المكان ؛ فوجد الرسائل ، وقد رأي مكتوبا فيها بتوقيع بعض قادته بما يفيد خيانتهم له وانضمامهم إلى الملك "العزيز" .

وبعد مناورات عسكرية بين الفريقين نجحت حيل الأيوبيين العسكرية في انسحاب السلطان "عز الدين" وعودته إلى مملكته دون طائل .

ولما وصل إلى قصره أعدَّ عدته ، واستدعى القادة المكتوب باسمهم الرسائل ، وواجههم بها ؛ فأنكروا ذلك وحلفوا بكل يمين ، لكن السلطان لم يصدقهم ، وأمر بالقبض عليهم وتقييدهم ، ثم بوضعهم في بيت وسط حطب كثير ، وأمر بإشعال النار عليهم ، وبين صراخهم وعويلهم ورجائهم لم يرحمهم ، وكان أحدهم إن استطاع أن يجد ثغرة يقفز منها نحو الباب تلقفه الحراس بالضرب الشديد ، فيعيدوه إلى النّار ثانية مرغما ، وظل الأمر هكذا حتى أتت النار على جميع أرواحهم .

وفي الليل عندما أراد أن ينام أتته في منامه الكوابيس المرعبة ، ورأى في نومه التهديد والوعيد على ارتكاب ذلك الفعل القبيح والعمل الشنيع،  فكان ينهض مذعورا من نومه كمن يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ ، واستولى عليه الاضطراب وتملّكه النّدم لما فعل ، وبسبب ذلك الوهم، تمكّن المرض من السلطان ، وعجز الأطباء عن معالجته ، وبدأ السلطان يشعر بدنو أجله وهو مازال في ريعان شبابه ، ولم يكن مر على زواجه من بنات إحدى الملوك كثير وقت ، وقبل موته أخذ الدواة والقلم وكتب شعرا معروفا في الأدب باسم " الدوبيت" باللغة التركية ، وأمر بنقش هذا "الدوبيت"  على قبره ، فلما مات نقشوه كما أمر وهو :

تركنا الدنيا، ومضينا، غرسنا تعب القلب، ومضينا

فالنوبة بعد ذلك نوبتكم، لأننا، أخذنا نوبتنا، ومضينا
 

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولايعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر