حنان السيد :

أدركنا منذ الوهلة الأولى طبيعة المرحلة والظروف التى تمر بها الأمة الاسلامية
ومنذ أن سرنا فى ركب دعوة جماعة الإخوان المسلمين عرفنا ان ديننا يطالبنا بالعمل على نشره ونصرته وأن نقدم الغالى والنفيس من أجله وأن نتحمل الصعاب
من عايش الإخوان المسلمين وجد أن شعارهم الإخلاص وأن كل عمل لله يبتغون به وجهه ورضوانه
فهم لا يسعون إلى المناصب أوالجاه أو لقب فبذلك يكون جندى للفكرة والعقيدة
فحياتهم كلها عمل لله وجهاد فى سبيله سواء بالكلمة أو العمل
ويوم نادى المنادى للجهاد جاهدوا فى الله أصدق الجهاد وتحملوا الأذى والمصاعب
من أجل دعوته فكانت حياتهم تضحية فى سبيل الله فبذلوا الغالى والنفيس وكل ما يملكون من النفس والمال والأولاد والوقت فلا تصح دعوة ولا جهاد إلا بالتضحية
والعصر الذي نعيش به شاهد على ما وصلت إليه الأمم من فوضى وحروب وهذا بسبب عدم اتباعها أحكام الله، فالأمة الكافرة لو كانت عادلة نصرها الله، والأمة المسلمة لو كانت ظالمة لن ينصرها الله، ومن سنن الله في الحياة والكون سنة الابتلاء
فقد مرت على الأمة الإسلامية على مدار تاريخها العديد من المحن العنيفة والقاسية
وكانت سبب شدة المحن هى غفلة الناس والبعد عن دين الله والوهن الذى أصاب الأمة وكانت هذة المحن دائما تتحول إلي منحة للأمة وسبب في ونهوضها فكلما اشتدت المحن قرب الفرج وأصبحت منحة من الله سبحانة وتعالى
ومن يتابع تاريخ الامة الاسلامية فهى دائما تحتاج الى تجديد وتغير فى مفهوم الناس ورفع الروح المعنوية لدى الأمم تحتاج إلي عملية وعى شاملة للمجتمع
إن الحروب الصليبية هى التى أدت الى وحدة الأمة تحت قيادة صلاح الدين الايوبى
وبث روح الجهاد فىها رغم المحنة التى كانوا فيها وجرائم الصليبيين
فكنا نعلم أن الامر يحتاج لرجال وعلماء يضحون بكل ما يملكون لنصرة دينه
درسنا وتدارسنا فى مدرسة الإخوان تاريخ الأمة الاسلامية
وعشنا كل هذه المراحل ونعلم أن دين الله غالى ويرخص أمامه كل شئ
علمنا بمخططات الغرب لوئد الأمة وقتل كل سنبلة فيها تحمل ينابيع الخير للعالم
يقتلون كل زهرة عطرها يفوح سكينة ومودة وإصلاحا للعالم
(وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ )
كانت لنا قصة أصحاب الأخدود عبرة وطريقا نقتدي به ونعلم جيدا أنهم ما نقموا منا إلا أننا نؤمن بالله العزيز الحميد
تعلمنا كيف ضحى الغلام بنفسه ليحى أمة وهو واثق فى الله وكيف كان داعيا الى الله ودينه حتى فى قتله عندما طلب من الملك
إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهمًا من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قُلْ: باسم الله رب الغلام. ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه، ثم أخذ سهمًا من كنانته, ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: باسم الله رب الغلام. ثم رماه، فوقع السهم في صُدْغه، فوضع يده في صدغه، فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام.
نعلم جيدا خواطر تلك الدعوة ومدى التضحية فيها وأن التضحية ليس لها حدود ولا حسابات
درسنا سيرة إخواننا السابقون فى الجماعة أصحاب الفضل على الصف فى ضرب أروع الأمثلة من الثبات والتضحية والإخلاص والعمل
فكانوا لنا التطبيق الفعلي لاركان البيعة
قال الشهيد سيد قطب
" في يوم 29 أو 30 يوليو سنة 1965 اعتقل أخي محمد قطب وحضرت من رأس البر إلى القاهرة يوم 2 أو 3 أغسطس سنة 1965
كان اعتقال الأستاذ محمد قطب بداية محنة الإخوان المسلمين سنة 1965 . . ولم تكن الدولة بأجهزة أمنها قد اكتشفت أن هناك تنظيما سريا مسلحا أو غير مسلح للإخوان واعتقال الأستاذ محمد قطب ليس عضوا في تنظيم الإخوان المسلمين الذي اكتشف بعد ذلك والذي كان على رأسه الشهيد سيد قطب ولم يقدم الأستاذ محمد قطب إلى المحاكمة وان كان قد بقى في المعتقل أكثر من ست سنوات . وقد حدثني الأستاذ محمد قطب أثناء طوابير التعذيب الجماعي الذي كان بمثابة عملية غسيل المخ التي أجريت على الإخوان المسلمين لمدة 23 شهرا وحتى نكسة يونيو سنة 1967 التي أنهت مأساة السجن الحربي
وكان معتقل " القلعة " الرهيب ومعتقل " أبو زعبل " ومعتقل " الفيوم " هي أماكن تجميع الإخوان المعتقلين .
وبدأت عمليات التعذيب في معتقل القلعة بطريقة همجية ووحشية ولقد ارتبطت مذبحة الإخوان المسلمين التي حدثت سنة 1965 بالسجن الحربي ولكن الحقيقة أن السجن الحربي لم يكن التعذيب فيه رغم فظاعته وضراوته ولا إنسانيته أكثر من التعذيب في سجن القلعة وسجن أبي زعبل . بل إن التعذيب الذي لاقاه الإخوان المسلمون في سجن القلعة في الفترة الأولى المحصورة بين تاريخ القبض على الأستاذ محمد قطب في أواخر شهر يوليو سنة 1965 وحتى يوم اكتشاف التنظيم في 17 أغسطس سنة 1965 أشد هولا وأكثر بربرية .
لقد روى لي الأخ سعيد احمد الراجي وكان من نزلاء سجن القلعة عندما التقيت به في السجن الحربي أن شمس بدران كان يحضر إلى سجن القلعة في الفترة قبل اكتشاف " التنظيم " ويطلب من ضباط المباحث العامة الذين يشرفون على عمليات التعذيب هناك انه يريد " تنظيما " للإخوان . . أي تنظيم وبأي ثمن ! ! . . ولذلك كانت التحقيقات عشوائية مع أفراد المعتقلين لم يكن للمباحث العامة أي علم بأن هناك تنظيم للإخوان بل كانوا مطمئنين أنه لا تنظيم للإخوان المسلمين ولكنهم كانوا ينفذون الأوامر . . كانوا يبدؤون التحقيقات ليلا فكانت تفتح زنزانة أو أكثر من زنزانات سجن القلعة الرهيب ويسحب منها مجموعة من الأفراد حسب ما تقع أيديهم عليهم ويؤخذون ويعذبون بطريقة همجية بربرية لانتزاع أي اعترافات . . وكانت أداة التعذيب في هذا المكان هي " الشومة " الغليظة لأن طائرة الكرابيج السودانية التي أرسلت لإحضارها خصيصا من لندن كما قيل لم تكن قد وصلت بعد . . وكان الضرب على الجسم جميعه دون مراعاة للخطر الذي يمكن أن يسببه الضرب . . صحيح أن الضرب بالكرباج قد يكون عذابه الوقتي أقسى من الضرب بالشوم لأن
ولكن الضرب بالشوم ألمه لا يتوقف على وقت الضرب ولكن كان الألم الشديد فيما بعد لأن ارتطام " الشوم " بعظام الجسم كثيرا ما كان سببا في كسر العظام وإحداث كدمات مفزعة في الجسم وكان مألوفا جدا أن تجد أذرعا معلقة في الرقبة أو ترى رجالا يزحفون على مقاعدهم .

مقومات قوة الجماعة الطاعة فكانوا مثال فى تنفيذ الأوامر فى العسر واليسر .

حتى إن لم يكن على هواهم أو حسب ما يرون فأمر الجماعة شورى بينهم .

فإذا تمثل الجميع لرأي الشورى واستقروا عليه كان إجماعا عليهم
وما كان من أفراد الصف إلا الثبات والوقوف بكل قوة أمام الحرب الطاغية المهلكه التى تكالبت عليهم من جميع قوى العالم .

وقف الإخوان موقف الرجال ثابتون مضحون بكل ما يملكون
ومرت المحن عليهم فلم تزدهم إلا صلابة وقوة و تماسك .
كانوا ومازالوا رجالا لا يقبلون الضيم ولا ينزلون على رأي الفسدة .
نعم كنا نعلم أننا يوما ما ربما نحرق أحياء وقد كان وسوف نعتقل وتصادر كل أموالنا وأملاكنا
كنا نعلم أننا سوف نعذب بكل أنواع العذاب لكى نتراجع ولم يزدنا الأمر إلا ثباتا
كنا نعلم أننا سوف نعتقل فكانت زنازين الظالمين لنا قصورا
وأننا سوف نستشهد فقدمنا أرواحنا فداء لدين الله .
وأننا سوف نعذب فكان التعذيب لنا شفاء وتطهيرا لذنوبنا .
وأننا سنكون مطاردون فكانت أرض الله كلها لنا وطن .

وأن أموالنا هدف للمصادرة فكانت رخيصة فى أعيننا من أجل دين الله .
نعلم كل ذلك ونعيه ونعقله ونعلم ماهو أكثر من ذلك .
ولم يزدنا إلا ثباتا ويقينا فى نصرة الله لنا .تظهر حقيقة اليقين بالله لصاحب الهمة الواثق من نصرة فإذا حلك الظلام واشتد الضيق وتكالبت الامم وضاقت علينا الارض فإن نصر الله آت وإن دينه لمنصور ليس بكثرة عددنا أو بفضل منا بل فضل الله وحده وما نحن الا نسير سيرا على درب الجهاد حاملين رايات الجهاد نكمل طريقنا ونسلم الراية لغيرنا ليكمل طريقه

ولا تهلك الأمة إلا ببخل أبنائها فى العطاء والتضحية لنصرتها

ولأن الله وحده العالم بالغيب فلا نعلم متى النصر وما الحكمة مما نلاقية إلا أننا نوقن ان أمورنا كلها خير وتسير بمقادير الله سبحانه وتعالى ونعلم جيدا أن النصرة للإسلام وأن شأنه سوف يعلوا

لقد جاءت بشائر كثيرة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تجدد الأمل وتثبت اليقين، منها وعد الله بأن يبلغ ملك الأمة المشارق والمغارب ومازالت هناك بقاع لم تقع تحت المسلمين، ولابد أن يفتحها الإسلام، كما في الحديث:

"إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها"(رواه مسلم).

نعلم أنه ليس لنا إلا طريقين
النصر أو النصر ولاثالث لهما

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولايعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر