في الساعة الثامنة من مساء السبت الموافق 12 فبراير من عام 1949 م كان الأستاذ حسن البنا يخرج من باب جمعية الشبان المسلمين يرافقه رئيس الجمعية لوداعه ودقّ جرس الهاتف داخل الجمعية، فعاد رئيسها ليجيب الهاتف، فسمع إطلاق الرصاص، فخرج ليرى صديقه الأستاذ البنا وقد أصيب بطلقات تحت إبطه وهو يعدو خلف السيارة التي ركبها القاتل، ويأخذ رقمها.

 مقدمات الاغتيال

أعلن النقراشي (رئيس وزراء مصر) في مساء الأربعاء: الثامن من فبراير عام 1948م، قراره بحل جماعة الإخوان المسلمين، ومصادرة أموالها واعتقال معظم أعضائها، وفى اليوم التالي بدأت حملة الاعتقالات والمصادرات، ولما همّ الأستاذ حسن البنا أن يركب سيارة وُضع فيها بعض المعتقلين اعترضه رجال الشرطة قائلين : لدينا أمر بعدم القبض على الشيخ البنا. ولكن البنا أصرّ على الركوب في سيارة المعتقلين، فعادت السلطات وأطلقت سراحه، فصرح عندئذ بقوله : أنتم تقتلونني بعدم القبض علىّ. وقال أمام مجلس الدولة : إن قرار حلّ الإخوان صدر عن اجتماع عُقد في ثكنات الاستعمار. وأخذ يتردد على جمعيّة الشبان المسلمين، وحدثَّهم مرّة قائلاً لهم : لقد جاءني سيدنا عمر في الرؤيا يُنبَّئني بأعلى صوته : سَتُقْتلُ يا حسن. ثم قُمتُ وتهجدت إلى الفجر.

ثم صادَرت الحكومةُ سيارة الإمام الخاصّة، واعتقلت سائقه، وسحبت سلاحه المُرخص به، وقبضت على شقيقيه اللذين كانا يرافقانه في تحركاته. وقد كتب إلى المسئولين يطلب إعادة سلاحه إليه، ويُطالب بحارس مسلح يدفع هو راتبه، وإذا لم يستجيبوا فإنه يُحَمّلهم مسؤولية أيّ عدوان عليه.

لكن الأمور كانت مرتّبة فتتابعت الحوادث سريعًا، حيث كان الأميرالاي محمود عبد المجيد المدير العام للمباحث الجنائية بوزارة الداخلية يُدبر أمر اغتيال حسن البنا، واستخدم في ذلك عصابة من الأمن المصريّ "ووضع تحت تصرفهم سيارته الرسمية رقم 9979. وتفصيل ذلك في مفكرة النيابة العمومية المصرية سنة 1952م.


الجريمة

لم تكن الإصابة التي أشرنا إليها في مطلع التقرير خطرة، بل بقي الإمام البنا بعدها متماسك القوى ؛ كامل الوعي، وقد أبلغ كل من شهدوا الحادث رقم السيارة، ثم نقل إلى مستشفى قصر العيني فخلع ملابسه بنفسه. وقد شهد بذلك محمد الليثي الذي كان في غرفة العمليات حين وصول حسن البنا، كما شهد أن الطبيب أجاب البكباشي محمد وصفي، أحد زبانية فاروق، حين سأله عن المصاب : إن إصابته ليست خطرة.

فهذا كله يرجح بأن الإمام البنا لم يُقتَل برصاص المغتالين، بل بأحد أمرين:

    الأول: أنه تُرك ينزف حتى أُجهز عليه، ومُنع الطبيب من إسعافه.

    الثاني: أن محمد وصفي ارتكب جريمة القتل داخل غرفة العمليات. فقد أثبتت أقوال الشهود في التحقيقات أن محمد وصفي فرض نفسه في غرفة العمليات بوصفه ممثلاً لوكيل الحاكمدار أحمد طلعت، وأخرج كل من كان في الغرفة، ولم يبق بجانبه إلا الطبيب المغلوب على أمره. وقد ورد على لسان الأمين الخاص للقصر الملكي: إن الملك أرسل محمد وصفي للإجهاز على حسن البنا إن كان لا يزالُ حيَّا!

لفظ البنا - رحمه الله - أنفاسه الأخيرة في الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، أي بعد أربع ساعات ونصف من بدء محاولة الاغتيال، ولم يعلم والده وأهله بالحادث إلا بعد ساعتين أخريين. وأرادت الحكومة أن تظل الجثة في المستشفى حتى تخرج إلى الدفن مباشرة، ولكن ثورة والد الشهيد جعلتها تتنازل فتسمح بحمل الجثة إلى البيت، مشترطة أن يتم الدفن في الساعة التاسعة صباحاً، وألا يقام عزاء!.

واعتقلت السلطة كل رجل حاول الاقتراب من بيت البنا قبل الدفن فخرجت الجنازة تحملها النساء، إذ لم يكن هناك رجل غير والده الذي رفض أن يحملها، وقال لرجال الجيش والشرطة : أنتم قتلتموه فاحملوا حثته على أعين الناس! .


إن قصة اغتيال الشهيد هي قصة المبادئ التي أقلقت الصهيونية المتغطرسة في فلسطين والاستعمار الغربي في الشرق الإسلامي بعامة، والذي كان يربض على صفاف القنال ويتربع على قلوب قادة الفكر و السياسة بوجه خاص.. بل إنها المبادئ التي كانت ترتعش منها رهبا وفرقا أقدام أولئك الجبابرة المستبدين في أرض الكنانة، ممن أرادوا مصر فرعونية يكونون هم فراعينها والشعب لهم عبيد يسبح بحمدهم فقيل لهم بملء الفم: لا .. بل : الله أكبر ولله الحمد.

وإنها كذلك قصة البناء الجديد للشبيبة .. وقصة السد المنيع الذي وقف في وجه الطوفان.. طوفان الإلحاد والتشكيك في الإسلام وصد كل جحافل الغزو الفكري بل قصة الفلسفة الجديدة لاتجاه النهضة والتحرر في الشرق، وصيحة النذير للغرب كذلك أن قف وعدل مسارك إنها قصة بداية التغير لملامح الفكر الإنساني السياسي والاجتماعي على مستوى العالم كله.. لأن دم الشهيد كان أعظم تأثيرا في الكيانات الإنسانية الرائدة للمسيرة البشرية من كل ما استحدثه العالم في غزو الفضاء ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾.

وهل هذا هو القتيل الأخير أو آخر شهيد؟ إن حسن البنا قتل كما قتل الحسين رضي الله عنه: وكما قتل سيد قطب رحمة الله عليه وكما قتل الكثيرون بعدهم ، وكما ستجد أعواد المقاصل شهداء آخرين على طريق محمد صلى الله عليه وسلم.

 


 

المصادر :

- إخوان ويكي

- كتاب "لماذا اغتيل الإمام الشهيد حسن البنا"  - بقلم: عبدالمتعال الجبري