مجدي مغيرة

الإدمان عبارة عن اضطراب سلوكي يظهر في انهماك الفرد في نشاط معين بغض النظر عن العواقب الضارة بصحة الفرد الجسمانية أو النفسية أو حالته العقلية أو حياته الاجتماعية أو الاقتصادية الناتجة عن هذا النشاط .

وقد قال البعض أن أسباب الإدمان تعود إلى الهروب من بعض المشاكل التي لا يستطيع حلها ، أو الهروب من الحياة بأكملها،أو بغرض وهم تحقيق السعادة الزائفة  .

وتتعدد مظاهر هذه السعادة الزائفة ، إذ قد تكون في نجاح لا يراه أحدٌ إلا في عالم الخيال والأوهام ، وقد يكون شعورا كاذبا بالقوة والتفوق ، وقد يكون إحساسا وهميا بأهمية الفرد وضرورة سيطرته على الجميع .... إلخ .

وقد تعددت مظاهرُ الإدمان  وأنواعُه عندنا في مصر:

1-   فعندنا إدمان الكذب والافتراء ، حتى أن البعض صار يتنفس كذبا ، ويتعمده وهو يعلم أن المستمعين إليه يعرفون أنه كذاب ، لكن ذلك لا يمنعه أبدا من الاستمرار في الكذب.

ومثلما أن هناك من أدمن الكذب ، فهناك أيضا من أدمن تصديق الكذب ، فرغم أن المستمع  يعلم يقينا أن المتحدثَ كذابٌ ، و يوقن بكذب ما يسمعه ، إلا أنه لا يريد أن يستمع إلى غيره ، وتراه يردد الأكاذيب التي لا يصدقها عقل طفل ، ويتهم من لا يصدقه بالجهل وعَطَب العقل وبالخيانة وسوء النية ، والتآمر مع الأعداء في الداخل والخارج .

ومن كثرة الأكاذيب واتساع نطاق انتشارها في كل مجالات حياتنا ، صار الناس يستغربون مِنَ الصادق ، ويتعجبون منه ، بل ويشُكُّون في كلامه  رغم علمهم بصدقه  .

 وصار لا ينقصنا في حياتنا الآن سوى أن يُصدرَ مجلسُ النواب تشريعا بعقاب كل من ينكر كلام الكذاب ، وتشريعا بعقاب كل من يُصَدِّقُ بأقوال الصادق الأمين .

2-   وعندنا أيضا إدمان الذل ، فقد وجدنا كثيرا من الناس قد تآلفوا مع الذل ، واستنكفوا أن يكونوا أحرارا يعيشون في عزة وكرامة ، وبعد أن كانوا يرددون قديما قول القائل : " تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها" ، صاروا يرددون المثل القائل : " حمار حمار بس أعيش " و" عيش جبان تبات مستور" و " إذا كنت في بلد بتعبد العجل حش وارمي له" وغيرها من الأمثلة الكثيرة الشائعة على الألسنة ،تختلف ألفاظها وتراكيبها إلا أنها تحمل نفس المعاني تقريبا .

وفي مثل هذا الوضع ، فمن الطبيعي أن كل من يدعو الناس إلى الحرية ، وكل من يسعى لتحرير إرادتهم ، وإنارة عقولهم ، وتطهير قلوبهم ، وتزكية نفوسهم ؛ تراهم يحاربونه بكل ما يملكون ، ويقفون له بالمرصاد ، رغم يقينهم الداخلي بطهارة قلبه وصفاء نفسه .

ومثلما أدمن الناس الذل ، فقد أدمنوا حب من يذلهم ويخيفهم ويسومهم سوء العذاب ، وتراهم يدافعون عنه أكثر مما يدافعون عن أنفسهم ، ويبررون له أفعاله وأقواله ، ويغفرون له جرائمه في حقهم في الوقت الذي يضخمون فيه من أخطاء من يكرهون ، ويحاسبونهم على النقير والقطمير .

إننا إزاء تلك الحالة العجيبة التي تنتاب الشعوب في بعض مراحل حياتها ، لا نحتاج إلى إصلاح التشريعات والدساتير على أهميتها ، ولا إلى النهوض بالاقتصاد على ضرورته ، إنما نحتاج إلى إعادة صياغة المجتمع صياغة جديدة .

ولعلاج الجرح العميق في الجسد ؛ فلابد أولا من تطهيره من الميكروبات والفيروسات التي سببت له الأمراض ، ونحتاج إلى نزع وإخراج كل ما يزيد الآلام ويعمق الجراح ، ثم بعد ذلك يسهل علاجه بالأدوية المختلفة مع الصبر على آلام الجراح حتى نصل بالمريض إلى مرحلة الشفاء التام .

ليست مشكلتنا في الخطط والمشاريع التي تضعها الدولة ، مشكلتنا مع التشوهات الخلقية والنفسية والروحية التي كادت تقضي على المجتمع .

ألا تتأمل معي حال بني إسرائيل مع موسى عليه السلام بعد خروجهم من مصر ؟

لقد رأوا آيات الله تبارك وتعالى واضحة بينة ، وأنزل الله تبارك وتعالى عليهم المنَّ والسلوى طعاما ، وفجر لهم ينابيع الماء العذب الزلال من الصخر الأصم شرابا ، وأرسل عليهم الغمام ليكون لهم في حر الشمس الحارقة ظلا وسلاما ،  لكن دناءة النفس ، وانحطاط الخُلُق ، وهزيمة الروح جعلتهم في كل موقف يختارون الذي هو أدنى وأقل ، ويهجرون الذي هو خير ؛ فاحتاجوا أن يعيشوا في صحراء قاحلة بعيدة عن سيطرة الاستبداد والظلم والقهر حتى تنشأ نفوس جديدة على فطرتها التي فطر الله الناس عليها

فمتى تتطهر قلوبنا ؟  ومتى تصفو نفوسنا ؟ ومتى تسمو أرواحنا ؟ متى نفضل الموتة الشريفة على الموتة الذليلة ؟

عسى فَرَجٌ يأتي به اللهُ إنَّه      له كلُّ يومٍ في خليقتِه أمرُ

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولايعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر