محمد أبوغدير :

الإقْناع هو :

حث الآخرين على فهم وتأييد وجهة نظرك ، وكسبهم الى جانبك ، فيما تحاول نقله اليهم من معلومات .

والإقناع المؤثر هو خطاب العقل والقلب ، المبني على ثلاث عناصر هي : الــثــقــة ، والمــنــطــق ، والــعـاطـفـة .

ومؤدى ذلك أن الإقناع يستوجب الآتي :

١. أن تزرع الثقة في نفسية الطرف الاخر ، و أن تكون واثقاً من صحة ما تريد الإقناع به ،
٢. أن تعرض وجهة نظرك بطريقة منطقية بأن يكون حديثك متناسـقا ومنظّما ونقاطك متسـلسـلة ،
٣. وان تحرك مشاعر الطرف الاخر لتقنعه بأن هدفك الوحيد هو مساعدته .

وهذا كان منهج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حال إقناع الناس برسالته وإصلاحه للأفراد والمجتمعات ، وهنا نذكر مثالا واحدا من بين الأمثلة العديدة التي برع فيها رسول الله في إقناع الناس وهو كالآتي :

 

روى الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي ـ رضي الله عنه ـ قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ائذن لي بالزنا ،

فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا : مه مه ،

فقال صلى الله عليه وسلم : ( أدنه ) ، فدنا منه قريبا ، قال : فجلس ،

قال صلى الله عليه وسلم ( أتحبه لأمك ؟ ) قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال :صلى الله عليه وسلم : ( ولا الناس يحبونه لأمهاتهم ) قال صلى الله عليه وسلم : ( أفتحبه لابنتك ) ، قال : لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك ، قال صلى الله عليه وسلم : ( ولا الناس يحبونه لبناتهم ) قال صلى الله عليه وسلم : ( أفتحبه لأختك ) قال : لا والله جعلني الله فداءك وقال صلى الله عليه وسلم : ( ولا الناس يحبونه لأخواتهم ) قال ( أفتحبه لعمتك ) قال : لا والله جعلني الله فداءك قال ( ولا الناس يحبونه لعماتهم ) ، قال : ( أفتحبه لخالتك) قال : لا والله جعلني الله فداءك قال : ( ولا الناس يحبونه لخالاتهم ) ،

قال : فوضع يده عليه صلى الله عليه وسلم ، وقال : ( اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه ) فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء ) صححه الألباني .

 

وتتضح عبقرية الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع هذا المواقف الصعب وإقناع الفتى بعكس ما يطلب ، من خلال المشاهد الآتية :

 

أولا : الرسول يزرع الثقة في نفس الفتى ويجيش مشاعره وذلك من خلال المشاهد الآتية :

 

١ . الرسول يقدر حاجة الفتى المراهق :

لما طلب الشباب من النبي صلى الله عليه وسلم عليه الإذن في الزنا ، نظر إليه فرآه في عنفوان فتوته ، وقدر صلى الله عليه وسلم أن لديه شهوة متوقدة في نفسه وجسده ، قد عجز عن إشباعها في الحلال لعدم قدرته على الزواج ، وهكذا وقع صلى الله عليه وسلم على حال الشاب .

 

٢ . الرسول يرفق بالفتى رغم غرابة طلبه :

كان أمر الشباب غريب وعجيب ، إذ لم يستحيي من الرسول صلى الله عليه وسلم - حامى الشريعة ومنفذ حدودها - حال طلبه أن يأذن له في ارتكاب كبيرة حرمها الله في الكتاب الكريم والسنة المهرة وقرر سبحانه جزاء مخالفتها حد الجلد أو الرجم ، ومع ذلك رفق به صلى الله عليه وسلم ، ورفض رد فعل أصحابه وطلب منهم الكف عن زجره وتعنيفه.

 

٣ . الرسول يهيئ جو الحوار مع الفتى وصولا لإقناعه :

طلب صلى الله عليه وسلم من الشاب أن يدنو منه ليكون بين يديه ، قرَّبه ليضمد جراح الزجر ويبعده عن ضجيجه الذي لاقاه من القوم ، وليصنع صلى الله عليه وسلم الجو الهادئ الذي يتم فيه خطاب القلب والعقل ، وليزرع الثقة في نفسية ، حتى يبلغه الرسالة والنصح بالتي هي أحسن ، وليهيئ المخطئ تهيئة نفسية لكي يقبل الصواب .

 

ثانيا : الرسول يحاور الشاب بالمنطق فقط ، وبيان ذلك في المشاهد الآتية :

 

١ . لم يذكره صلى الله عليه وسلم بالنصوص الشرعية :

بعد أن زرع الرسول صلى الله عليه وسلم الثقة والطمأنينة في قلب الفتى ، لم يتكلف صلى الله عليه وسلم ذكر الأدلة الموجودة في القرآن ، ولم يذكر العقوبة المترتبة على ذلك ، ولم يحصل التوبيخ أو التحذير ، فقط استخدام معه أسلوب الإقناع بوسائل منطقية .

 

٢ . خطاب صلى الله عليه وسلم فيه العقل والضمير :

لا شك أن الزنا رذيلة يأباها ويتأفف منها كل عاقل ، وقد يغيب العقل إذا اشتدت الشهوة وزاد سعارها فيسقط المرء ويفعلها ، لكنه يأبى بشدة أن تُفعل الفاحشة في أرحامه ، لذلك خاطب الرسول الفتى بهذا المنطق ، وقد تدرج معه في خمسة أسئلة تشمل كل أرحامه فقال  :

 "أتحبه لأمك ؟ " ، أتحبه لابنتك ؟ ، لأختك ؟ ، لعمتك ؟ أتحبه لخالتك ؟

وفي كل مرة يجيب الشاب نافيا ذلك ورافضا بشدة قائلا :

لا والله جعلني الله فداءك .

فيرد عليه صلى الله عليه وسلم بخطاب المنطق والعقل - أيضا - أن كل الناس كذلك يبغضون ذلك ويرفضونه ، قائلا :

أن الناس لا يحبون الزنا لأمهاتهم ، ولا لبناتهم ، ولا لأخواتهم ، ولا لعماتهم ، ولا لخالاتهم .

 

٣ . ومن المنطق أن تفعل الأسباب وترجو الوهاب  :

لذلك كان حرص الرسول على أن التمس كافة الأسباب المادية أن يرفع أكف الضراعة إلى الله داعيا بصوت يسمعه الفتى وكل الحضور ، فقال : ( اللهم اغفر ذنبه ، وطهِّر قلبه ، وحصِّن فرجه ) .


وهكذا عالج صلى الله عليه وسلم الموقف بكلمات يسيرات وبأساليب راقية جعلت هذا الشاب يخرج من عند الرسول والزنا أبغض شيء لديه .

وتلك هي تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته على مهارة وفن إقناع الآخرين بوجهة نظرك وكسبهم إلى جانبك برسالة الإسلام في إصلاحه الأفراد وبناء المجتمعات ، فليكن الرسول زعيمنا وقدوتنا في التنمية البشرية .