مقدمة

إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها ، وتوفر الإخلاص في سبيلها ، وازدادت الحماسة لها ، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها، وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة : الإيمان، والإخلاص ، والحماسة ، والعمل من خصائص الشباب .


لان أساس الإيمان القلب الذكي ، وأساس الإخلاص الفؤاد النقي ، وأساس الحماسة الشعور القوي ، وأساس العمل العزم الفتي ، وهذه كلها لا تكون إلا للشباب.


على هذه المعاني ربى حسن البنا أتباعه، وعاشوا بها وسط الناس وعملوا من أجلها.


النشأة

فى محافظة هادئة تقع على المجرى المائي لقناة السويس وتنتهي به، بل محافظة تعد المحرك الرئيسي في حركة السفن والمتحكم فيها، نشأ أحمد المصري وترعرع فى كنفها، وشرب من مائها واستظل تحت سمائها ورضع معاني الرجولة والجهاد من لبنها.


فى هذه المحافظة التي كانت محل أطماع الإنجليز لموقعها الحيوي على قناة السويس، ولوجود ادارة قناة السويس فيها، نشأة دعوة الإخوان المسلمين والتي خرجت رجالا عرفوا معنى العزة والرجولة الحقة من نوعية الأستاذ أحمد المصري، قدموا الغالي والرخيص من أجل حرية أوطانهم محتسبين كل ذلك لله رب العالمين.


في هذا الجو ولد احمد المصري عام 1910ببورسعيد ولم ينل من التعليم كغيره من آلاف الصبيان، ومن ثم امتهن مهنة الحلاقة ليقتاتوا منها.


كان احمد المصري صاحب قلب تقي يحب إسلامه بالفطرة، ويكره الإنجليز لسيطرتهم على وطنه الغالي ولذا ظل يبحث عن مخرج لهذا المر حتى كانت دعوة الإخوان المسلمين التي تلقفته فكان واحد من أول ستة يبايعون الأستاذ البنا ويعملون لهذه الدعوة.


مع البنا

سافر حسن البنا إلى الإسماعيلية عام 1927م وكله شوق للعمل على أن يكون معلما مرشدا، وعمد لدراسة المجتمع حتى استطاع أن يحدد ما يحتاجه المجتمع، فبدأ الدعوة حتى استجاب له ستة من العمال عمدوا إلى مبايعته فكان أحمد المصري واحد منهم وكان ابن الثامنة عشر أو التاسعة عشر حينما نشأت دعوة الإخوان عام 1928م، وكان قد أقام بالإسماعيلية مؤقتا لبعض أعماله وظل بها فترة طويلة حتى التقى بالأستاذ البنا.


يقول الأستاذ البنا في مذكراته:
زارني بالمنزل أولئك الإخوة الستة: حافظ عبد الحميد "نجار بالحي الإفرنجي"، أحمد المصري "حلاق بشارع الجامع بالإسماعيلية"، فؤاد إبراهيم "مكوجي بالحي الإفرنجي"، عبد الرحمن حسب الله "سائق بشركة القنال"، إسماعيل عز "جنايني بشركة القنال"، زكي المغربي "عجلاتي بشارع السوق بالإسماعيلية"، وهم من الذين تأثروا بالدروس والمحاضرات التي كنت ألقيها.


وجلسوا يتحدثون إليَّ وفي صوتهم قوة، وفي عيونهم بريق، وعلى وجوههم سنا الإيمان والعزم، قالوا: لقد سمعنا ووعينا، وتأثرنا ولا ندري ما الطريقة العملية إلى عزة الإسلام وخير المسلمين، ولقد سئمنا هذه الحياة: حياة الذلة والقيود، وها أنت ترى أن العرب والمسلمين في هذا البلد لا حظ لهم من منزلة أو كرامة، وأنهم لا يعدون مرتبة الأجراء التابعين لهؤلاء الأجانب، ونحن لا نملك إلا هذه الدماء تجري حارة بالعزة في عروقنا، وهذه الأرواح تسري مشرقة بالإيمان والكرامة مع أنفسنا، وهذه الدراهم القليلة، من قوت أبنائنا، ولا نستطيع أن ندرك الطريق إلى العمل كما تدرك، أو نتعرف السبيل إلى خدمة الوطن والدين والأمة كما تعرف، وكل الذي نريده الآن أن نقدم لك ما نملك لنبرأ من التبعة بين يدي الله، وتكون أنت المسؤول بين يديه عنا وعما يجب أن نعمل، وإن جماعة تعاهد الله مخلصة على أن تحيا لدينه، وتموت في سبيله، لا تبتغي بذلك إلا وجهه، لجديرة أن تنتصر، وإن قل عددها وضعفت عدتها".


كان لهذا القول المخلص أثره في نفسي، ولم أستطع أن أتنصل من حمل ما حملت، وهو ما أدعو إليه وما أعمل له، وما أحاول جمع الناس عليه، فقلت لهم في تأثر عميق: "شكر الله لكم وبارك هذه النية الصالحة، ووفقنا إلى عمل صالح، يرضي الله وينفع الناس، وعلينا العمل وعلى الله النجاح، فلنبايع الله على أن نكون لدعوة الإسلام جندًا، وفيها حياة الوطن وعزة الأمة". وكانت بيعة.


وكان قسمًا أن نحيا إخوانًا نعمل للإسلام ونجاهد في سبيله.


وقال قائلهم: بم نسمي أنفسنا؟ وهل نكون جمعية، أو ناديًا، أو طريقة، أو نقابة، حتى نأخذ الشكل الرسمي؟ فقلت: لا هذا، ولا ذاك، دعونا من الشكليات، ومن الرسميات، وليكن أول اجتماعنا وأساسه: الفكرة والمعنويات والعمليات، نحن إخوة في خدمة الإسلام، فنحن إذن "الإخوان المسلمون".


وجاءت بغتة.. وذهبت مثلاً.. وولدت أول تشكيلة للإخوان المسلمين من هؤلاء الستة: حول هذه الفكرة، على هذه الصورة وبهذه التسمية".


ويضيف الأستاذ عبد الرحمن حسب الله بعض التفصيلات عن هذا اللقاء في مجلة لواء الإسلام – السنة 42 – العدد 12 – غرة شعبان 1408هـ / 19مارس 1988م فيقول: "في هذا الوقت كنت أحد ستة من الشباب كانوا يحضرون دروس الأستاذ البنا، وأخذت من نفوسنا كل مأخذ، مما جعلنا نقبل عليه بعد انتهاء أحد الدروس مصافحين ومعجبين ومستفسرين منه: من هو؟ وأين يعمل؟ وأين يقطن؟ وهل يمكن أن يسمح لنا بزيارة خاصة نتحدث فيها في شأن هذا البلد المحروم من معرفة الإسلام؟ فتهلل وجهه سرورًا وبشرًا واصطحبنا معه إلى حيث يقطن وهناك كانت جلسة ربانية، وأسئلة وأجوبة شرح فيها مهمة المسلم في الحياة وما هو المطلوب منه أمام الله، وما الواجب عليه أن يعمله فاقتنعنا كل الاقتناع، وتهيأت نفوسنا واستعدت لمواصلة اللقاء والاستزادة من المعرفة بواقع الإسلام والمسلمين، وكان رحمه الله يتحدث بتأثر عجيب وكانت دموعه تسيل على لحيته..


وهنا كان الوقت يقترب من منتصف الليل، فقال قبل أن ننصرف: يجب أن نتعارف وبدأ بنفسه "أخوكم في الله الفقير إلى الله تعالى حسن أحمد عبد الرحمن البنا – من مواليد المحمودية بحيرة عام 1906 – وتخرجت في كلية دار العلوم – وأعمل مدرسًا بمدرسة الإسماعيلية الابتدائية – وأرجو الله تعالى أن يعينني على أن أعمل شيئًا لهذا الدين الحنيف، وبدأ كل منا يعرّف نفسه..
وبعد أن انتهينا من التعارف قال: الآن وقد علمتم ما وصل إليه حال المسلمين من ضعف وذل واستعباد واستعمار وما ذلك إلا لبعدهم عن الدين وعدم تمسكهم بمبادئه..


وقد علمتم أن مهمة المسلم الحق في هذه الحياة أن يكون داعيًا إلى الله (وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104] وما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الدعوة الإسلامية إلا في مثل سنكم أو أقل أو أكثر بقليل، فهل تعاهدونني على أن نكون أخوة في الله، وأن نعمل لهذا الدين الحنيف، فسررنا لذلك كثيرًا، ومددنا أيدينا للمبايعة.


فوضع أيدينا فوق يده ثم قال: رددوا معي: نستغفر الله العظيم "ثلاثًا" تبنا إلى الله، وعزمنا على أن لا نعصي الله أبدًا، نعاهد الله تعالى على أن نكون إخوة في الله، وأن نعمل معًا لهذا الدين الحنيف، والله على ما نقول وكيل، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح: 10].


ثم تصافحنا مصافحة حارة واختار الإمام البنا لنا اسم "الإخوان المسلمون" وكنا بفضل الله نواة تلك الجماعة المباركة، واختتمنا الاجتماع على أن نلتقي بمشيئة الله في مغرب اليوم التالي.


ظل أحمد المصري وإخوانه يترددون على دار الإمام البنا يستمع إلى ما يلقي فيها من دروس وتوجيهات , وما لبث أن أصبح أخا من أخلص الإخوان وأفقههم فى الدعوة وانتهت مأموريته فى الإسماعيلية وعاد إلى بلده الأصلية ( بور سعيد) فحمل معه دعوته.


يقول الأستاذ البنا:
ومثل الدعوة كمثل البذرة الطيبة الحي الكريمة الحياة , أينما غرست أثمرت وصدق الله العظيم ( ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ).


واجتمع على الأخ ( أحمد المصري) نفر من أصدقائه الطيبين من شباب ( بور سعيد) الأطهار , وتأثروا بالدعوة تأثرا قويا , وكانت شخصية الأخ ( أحمد) القوية وإيمانه العميق وكريم بذله وتضحياته فى سبيل الدعوة العامل الأول فى التفاف أصدقائه من الذين آمنوا بالدعوة من حوله فتألفت شعبة من الإخوان و أخذت تتجمع فى إحدي الزوايا أو الخلاوي المنتشرة فى ( بور سعيد) حينذاك عقب صلاة المغرب أو العشاء فتقوي بينهم ويتذاكرون شئون دعوتهم الجديدة وطلب الأخ ( حسن افندي) أن أزورهم فسررت بهذه الدعوة وزرتهم فعلا , وفى هذه الزاوية المتواضعة أخذت البيعة على الرعيل الأول من شباب ( بور سعيد) على الجهاد فى سبيل هذه الدعوة حتى يظهرها الله أو نهلك دونها.


وبدأ للإخوان بعد ذلك أن يتخذوا مكانا خاصا وفعلا نفذوا فكرتهم وأجروا شعبة متواضعة فى شارع ( المينا) كانت هي دار الإخوان فى ( بور سعيد) .
ولما كانت الاشتراكات التي تجمع من هذا النفر لا تفي بنفقات دار خاصة , وكانت القاعدة المعتمدة المقررة عند الإخوان أن لا يطلبوا من الناس مالا حتى يؤمنوا بالدعوة أولا ويدركون فضل البذل فى سبيلها من تلقاء أنفسهم فهم طلاب قلوب , لا جباة جيوب فإن الإسماعيلية أم الدعوة بالمساهمة فى النفقات وسداد ما لا تفي به اشتراكات إخوان ( بور سعيد) الفضلاء.


وبعد ما استقر بالإخوان المقام , أرادوا أن يظهروا الناس على دعوتهم ويتقدموا بها للجمهور البور سعيدي فانتهزوا فرصة غرة المحرم سنة 1349 فيما أظن , وأعلنوا عن حفل جامع فى سرادق أقاموه أما دارهم الجديدة , خطب فيه رجال الإخوان من الإسماعيلية وبور سعيد , احتفالا بالهجرة المباركة وفى بور سعيد حب للعلم والعلماء ومبادرة إلى كل دعوة تتصل بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته وذكرياته الكريمة .


ولهذا بادر الناس برغم جهلهم التام بالدعوة والداعين إلى الحضور فكان الحفل رائعا , والحشد عظيما رغم أنها أول حفلات الإخوان .


وحدت يوم الحفل أن اشتدت بي فجأة حالة احتقان فى اللوزتين لم أستطع معها السفر من الإسماعيلية إلى بور سعيد إلا مضجعا من الإعياء وقال لى الدكتور ( محمود بك صادق) رحمه الله وقد كان طبيب المدرسة ورأي هذه الحالة : إذا سافرت اليوم وخطبت الليلة فإنك تكون الجاني على نفسك , ونزلت من القطار إلى دار الإخوان وصليت المغرب فيها من قعود للإعياء وانتابتني بعد الصلاة حالة نفسية عجيبة فقد تصورت سرور الإخوان البورسعيديين بحفلهم وآمالهم المعلقة عليه ونقودهم التي أنفقوها من قوتهم من أجله, ودعوتهم التي بذلوا كل الجهد فى توجيهها ثم تكون النتيجة اعتذار الخطيب.


تصورت هذه فبكيت بحرارة , وأخذت أناجي الله تبارك وتعالي فى تأثر عميق واستغراق عجيب إلى وقت صلاة العشاء فشعرت بالنشاط ,وصليت العشاء من قيام , وجاء وقت الحفل , وافتتح بالقرآن الكريم , ووقفت للخطابة وبدأت وأنا لا أكاد أسمع نفسي وسرعان ما شعرت بقوة عجيبة وشفاء تام, وصفاء فى الصوت غريب وارتفاع فيه كان يسمعه ممن فى داخله وخارجه , ولم يكن استخدام الميكرفون قد ذاع حينذاك , حتى كدت أحسد نفسي بل حسدتها فعلا, وانتهي الحفل على خير ما يرام , وأظن أن هذه الخطبة قد استغرقت أكثر من ساعتين ومن فضل الله وجميل كرمه أن هذا الاحتقان كان يعود لى كل عام تقريبا ومنذ تلك الليلة وأنا لا أجده والحمد لله رب العالمين إلا أن يكون نتيجة برد شديد أو مجهود عنيف , وكانت تلك فيما أعتقد بركة صدق إخوان ( بور سعيد) فى دعوتهم وكفاءتهم وتفانيهم فى إبلاغها للناس.
ومازالت ( بور سعيد) تتخطي بالدعوة من تقدم إلى تقدم ومن نصر إلى نصر حتي صار للإخوان بها أربع شعب قوية وملعب رياضي وضمت الدعوة من خيرة شباب هذا الثغر العدد العظيم من المؤمنين الصادقين والمجاهدين العاملين .


القائد المحبب

كان احمد المصري قائد محببا للجميع حيث استطاع أن يؤلف القلوب بحسن سريرته وخلقه، حتى أن المواقف العظام تشهد له، فيقول الأستاذ محمود الصباغ:
(ولم تكن مدينة بورسعيد غريبة عليَّ، فقد عملت بها رئيسًا لمحطة أرصاد بورسعيد طوال سنة 1944م، وأسست فيها مجموعات النظام الخاص في بورسعيد بتكليف من فضيلة المرشد العام، حيث سلمني فضيلته خطابا بهذا التكليف إلى الأخ أحمد المصري رئيس إخوان بورسعيد، لييسر لي عملي، ثم أمره بتمزيق الخطاب بعد قراءته، وفي هذا العام تشكلت بقيادتي مجموعات النظام الخاص في بورسعيد).


وحينما تعرض الوفديين للأستاذ البنا والإخوان في احتفالهم ببورسعيد عام 1947م كان الرد عملي أن خرجت كتيبة المجاهدين من بورسعيد:
(كان من المقرر أن تتحرك الكتيبة الثانية من ميناء الإسكندرية ولكن الأستاذ المرشد رأى ترحيلها عن طريق بورسعيد فأرسل إلى الأخ الحاج أحمد المصري كي يستعد لاستقبال الكتيبة لتوديعها إلى سوريا بكل ما تحمله من سلاح وعتاد ومؤن بالسفن من ميناء بورسعيد.


وانتقل فضيلة المرشد إلى بورسعيد قبل أن تصل الكتيبة، وحين وصلت كان في استقبالها جوالة الإخوان هناك بالموسيقى والأناشيد الحماسية، واستيقظت بورسعيد على هذا المشهد الرائع المثير الذي ألهب العواطف وأشعل جذوة الحماس في النفوس والقلوب).


وحينما توجه الأستاذ البنا إلى فلسطين في زيارة لأهلها كانت في صحبته الأستاذ أحمد المصري، فيقول سعد الوليلي:
ولقد كان وفد المستقبلين مكونًا من السادة أحمد مصطفى الأغا وعيد حسين الأغا وحلمي الأغا والشيخ فهمي الأغا إمام المسجد وسكرتير الإخوان والحاج علي عليان المصري سكرتير اللجنة القومية والحاج محمد المصري وعثمان العبادلة وراغب شراب وكامل شراب والأخ صالح مصلح زعرب مساعد قائد جوالة الإخوان والحاج محمد الشاعر ونصر الله البيوك وعثمان شعت وكلهم من الإخوان وأعضاء في اللجنة القومية كما حضر الحاج حسين أبو سنة عن قضاء بئر السبع.


تعرض أحمد المصري للاعتقال مع بقية إخوانه وزج به في سجون الطور والتي قضى فيها ما يقرب من العام، حتى خرج فكانت ارهاصات حرب العصابات ضد الإنجليز تستعر فانضم لها.


وحينما ألغى النحاس باشا معاهدة 1936م وفتح باب التطوع كان أحمد المصري على رأس هؤلاء، يقول محمود الصباغ:
كلف الأخ محمود عبده مجموعة بقيادة الأخ علي صديق للعمل بقطاع بورسعيد لأهميته وكان معه الأخوة يوسف علي يوسف، وفتحي العجمي، وإسماعيل عارف، والمرحوم أحمد نصر، وفؤاد هريدي وغيرهم.
وأخذت المجموعة طريقها إلى بورسعيد عبر مدينة المنصورة حيث التقت بالدكتور خميس حميده رئيس الإخوان بها، فقدم لهم التسهيلات الممكنة، ثم أخذت طريقها إلى المنزلة ومن هناك اتخذوا طريقا خلفيًا بتوجيه من إخوان المنزلة يوصلهم إلى بورسعيد، وهو طريق بحري استخدم فيه الإخوان مركبًا شراعيًا ومعهم سلاحهم وذخيرتهم ونزلوا بها سرًا في جنح الظلام فوصولا إلى بورسعيد مع أذان فجر اليوم التالي وكان في استقبالهم إخوان بورسعيد الذين حملوا السلاح والذخيرة إلى منزل كانوا قد استأجروه لهم، وفي اليوم التالي قابلهم الأخ أحمد المصري رئيس الإخوان ببورسعيد والأخوة فتحي عبد الله، وأحمد خضر، وحامد المصري، من أمراء مجموعات النظام الخاص ببورسعيد.


وقد قسمت المجموعة نفسها إلى ثلاث مجموعات قامت بدوريات استكشافية حول مناطق تجمع الإنجليز ومعسكراتهم وطرق مواصلاتهم.


وقد لاحظت إحدى المجموعات أن هناك دورية إنجليزية تقوم صباحًا من كوبري الرسوة إلى المعسكر الإنجليزي لتغيير الحراسة على الكوبري، فقررت نسف هذا التجمع الإنجليزي أثناء تحركهم.


استأجرت المجموعة قاربًا صغيرًا حملت فيه الألغام ومتطلبات العملية، وعبرت بهذه المعدات القنال الداخل في اتجاه بلدة الأبوطي، وما إن وصلت الطريق الإسفلتي الذي يسير فوقه الإنجليز حتى قامت بحفر سريع تحت الحراسة ووضع الألغام لتفجيرها عند مرور الدورية فوقها، وقد تم ذلك تحت حراسة مشددة، وكان الفدائيون يضعرن أياديهم في يقظة دائمة على الزناد لوجود الموقع داخل خطوط الإنجليز، وذلك حتى تم الحفر ووضعت الألغام ومدت الأسلاك عبر القنال إلى جهة الانسحاب بالبر الثاني استعدادًا للتفجير في الصباح.


ولكن الأستاذ أحمد المصري رئيس الإخوان عندما علم بالعملية طلب من الأخ علي صديق عدم إتمامها لأن ذلك سيعرض البلدة بأسرها للضرب من العدو وكما حدث قبل ذلك في التل الكبير، فامتثل الأخ علي صديقلطلبه ورفع الأسلاك وأبطل مفعول الألغام على أن تقتصر العمليات على خارج حدود المدينة.


مع الثورة ومحنتها

ما أن وصلت التعليمات لكل الإخوان بالمشاركة في ثورة يوليو وتأمينها حتى حمل أحمد المصري على عاتقه هذا الهم والذي كان سببا كبيرا في اعتقاله بعد حادثة المنشية عام 1954م حيث زج به في أتون السجن الحربي وقدم للمحاكمة والتي حكمت عليه بـ 10 سنوات قضاها كاملة ثم أفرج عنه لكن سرعان ما قبض عليه عام 1965م وظل خلف السجون حتى عام 1971م حيث قضى هذه المدة في سجون عدة منها السجن الحربي وسجن طره وسجن قنا وغيرها.


وفاته

خرج أحمد المصري وانطلق خارج مصر ولم ينس دعوته وظل على بيعته حتى توفاه الله في 18 / 10 / 2005م.