مجدي مغيرة :

نعيش الآن سنواتٍ عجافٍ ، ارتفعت فيها أسعارُ كل شيءٍ ،ولم تنخفض إلا قيمة الإنسان فقط .

نرى مصر الآن والناس يدورون كأنهم سكارى وما هم بسكارى ، يضربون أخماسا في أسداس لعلَّهم يصلون لمعادلة يستطيعون بها تدبير أمور معيشتهم من خلال راتبهم الهزيل أو دخلهم الضعيف ، لكن دائما لا يجدون سوى مرارة الحسرة في حلوقهم ، ومرارة الحرمان في نفوسهم ، وفي نفس الوقت يرون من يرضى عنهم النظام يزدادون سِمناً ، قد انتفخت أوداجهم ، وامتلأت كروشهم ، وفاضت خزائنهم .

وياليت ذلك حدث مقابل شيء من كرامة ، أو قليل من الأمن ، أو أن يرى الناس في نهاية النفق شعاعا من أمل يهون عليهم ما هم فيه من جهد وبلاء وشقاء .

قلنا كثيرا أن الظلم لا يأتي بخير ، قلنا كثيرا أن سفك الدماء البريئة لا تأتي إلا باللعنة على الجميع ، على من سفكها ، وعلى من رضي بسفكها وشمت بأصحابها ، وعلى من سكت وصمت عنها خوفا أو طمعا ، قلنا كثيرا أن العدل أساس الملك ، قلنا كثيرا أن حبل الكذب قصير ، وأن الفهلوة وإن كانت تُجْدي في بعض تافهات الأمور ، إلا أنها لا تأتي إلا بالخراب إذا كانت هي الاستراتيجية المعتمدة في إدارة شئون البلد وإدارة شئون تسعين مليون من البشر.

هانحن الآن قد حاصرتنا المصائب من جميع جهاتنا

بطالة للشباب وقلة فرص العمل ، وثبات في الدخل ، مع انخفاض في قيمة العملة ، مع ارتفاع في الأسعار .

 توجيه مختلف الاتهامات لمن ينطق بكلمة الحق ، واكتظاظ السجون والمعتقلات بالطلاب وأساتذة الجامعة ورجال الأعمال والمهندسين والأطباء والمعلمين والتجار والمحامين ،  ولكل صاحب ضمير حي ، وتشويه سمعة كل من يمثل خطرا على هذا النظام الظالم .

فما الذي تبقى ؟

لم يتبق إلا اللصوص

لم يتبق إلا شعب مسكين يبدو عاجزا عن فعل أي شيء رغم أنه صنع من قبل معجزة 25 يناير .

لم يتبق إلا بقايا أحرار صمتوا صمت القبور رغم ما يرونه من انحدار وانكسار في كل نواحي حياتنا .

لم يتبق سوى بقايا أحرار يدفعون ثمن كلمتهم القوية سجنا واعتقالا ومطاردة ومحاربة في لقمة عيشهم .

فإلى متى نظل على هذا الحال ؟

إن صمتنا يعني الانتحار .

 إن صمتنا يعني موت النهار ، و يعني إطباق الظلام الدائم على أنحاء بلادنا ، فهل سنرضى بذلك ؟

لا أظن حرا يرضى بذلك .

 لا أظن أن النخوة قد ماتت في نفوسنا ، فمازال جمرها يحمل من اللهب ما يكفي لإحراق الظلم  والقضاء على الاستبداد .

 لكنْ متى تنفجر النفوس ؟ متى يلتهب الجمر ؟ متى يثور البركان ؟

ومن العواصفِ ما يكون هبوبُها      بعد الهدوءِ وراحةِ الرُّبانِ

إن احتدام النار في جوف الثرى      أمرٌ يثير حفيظة البركانِ

وتتابع القطَرات ينزل بعده      سيلٌ يليـــــه تدفقُ الطوفـــــانِ

فيَمُوجُ يقتلعُ الطغاة مزمجرا      أقوى من الجبروت والسلطانِ

 

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولايعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر


نرجوا من كتاب موقعنا الكرام وزوارنا التواصل معنا عبر البريد الإليكتروني الجديد: ([email protected]).