في ظلال القرآن " أيه ومعني .. الجزء السابع والعشرون " - اعداد فريق " نافذة مصر " - سورة الحديد

المصدر : كتاب " ظلال القرآن " لـ المفكر الشهيد " سيد قطب " .

قال تعالى "يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)" الحديد

(يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا:انظرونا نقتبس من نوركم). . فحيثما تتوجه أنظار المؤمنين والمؤمنات يشع ذلك النور اللطيف الشفيف . ولكن أنى للمنافقين أن يقتبسوا من هذا النور وقد عاشوا حياتهم كلها في الظلام ? إن صوتا مجهلا يناديهم: (قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا). . ويبدو أنه صوت للتهكم , والتذكير بما كان منهم في الدنيا من نفاق ودس في الظلام:ارجعوا وراءكم إلى الدنيا . إلى ما كنتم تعملون . ارجعوا فالنور يلتمس من هناك . من العمل في الدنيا . ارجعوا فليس اليوم يلتمس النور !

"وعلى الفور يفصل بين المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات . فهذا يوم الفصل إن كانوا في الدنيا مختلطين في الجماعة: (فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب). . ويبدو أنه سور يمنع الرؤية ولكنه لا يمنع الصوت . فهاهم أولاء المنافقون ينادون المؤمنين: (ألم نكن معكم ?). . فما بالنا نفترق عنكم ? ألم نكن معكم في الدنيا نعيش في صعيد واحد ? وقد بعثنا معكم هنا في صعيد واحد ? (قالوا:بلى !)كان الأمر كذلك . (ولكنكم فتنتم أنفسكم). . فصرفتموها عن الهدى .(وتربصتم). . فلم تعزموا ولم تختاروا الخيرة الحاسمة .(وارتبتم). . فلم يكن لكم من اليقين ما تعزمون به العزمة الأخيرة . (وغرتكم الأماني). . الباطلة في أن تنجوا وتربحوا بالذبذبة وإمساك العصا من طرفيها ! (حتى جاء أمر الله). . وانتهى الأمر . (وغركم بالله الغرور). . وهو الشيطان الذي كان يطمعكم ويمنيكم" .

"ثم يستطرد المؤمنين في التذكير والتقرير , كأنما هم أصحاب الموقف المحكمون فيه:"

(فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا , مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير). . أم لعلها كلمة الملأ الأعلى , أو نطق الله الكريم . .

"وننظر من ناحية التناسق الفني في عرض المشهد , فنجد لاختيار مشهد النور في هذا الموضع بالذات حكمة خاصة . . إن الحديث هنا عن المنافقين والمنافقات . . والمنافقون والمنافقات يخفون باطنهم ويتظاهرون بغير ما في الضمير المكنون , ويعيشون في ظلام من النفاق والدس والوقيعة . والنور يكشف المخبوء ويفضح المستور . كما أن الصفحة المقابلة الوضيئة لصفحة النفاق المظلمة المطموسة . فهو أليق شيء بأن تطلق أشعته على المشهد الكبير . وبأن ينير بين أيدي المؤمنين والمؤمنات وبأيمانهم , بينما المنافقون في الظلام الذي يناسب ظلمات الضمير وظلمات الخفاء المستور ! "

وبعد فأي قلب لا يهفو لذلك النور في ذلك اليوم ? وأي قلب لا يستجيب لهتاف الإنفاق والبذل تحت إيقاع تلك الموحيات العميقة التأثير?

إنه القرآن يعالج القلوب في ثبات واطراد , ويدعوها دعاء العليم الخبير بطبيعتها ومداخلها ومساربها ; وما تستجيب له وما يؤثر فيها.