في ظلال القرآن " أيه ومعني .. الجزء السابع عشر " - اعداد فريق " نافذة مصر " - سورة الحج


المصدر : كتاب " ظلال القرآن " لـ المفكر الشهيد " سيد قطب " .


إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)


 استمرار المعركة بين الهدى والضلال

تلك الشعائر والعبادات لا بد لها من حماية تدفع عنها الذين يصدون عن سبيل الله وتمنعهم من الاعتداء على حرية العقيدة وحرية العبادة , وعلى قداسة المعابد وحرمة الشعائر , وتمكن المؤمنين العابدين العاملين من تحقيق منهاج الحياة القائم على العقيدة , المتصل بالله , الكفيل بتحقيق الخير للبشرية في الدنيا والآخرة .

ومن ثم أذن الله للمسلمين بعد الهجرة في قتال المشركين ليدفعوا عن أنفسهم وعن عقيدتهم اعتداء المعتدين , بعد أن بلغ أقصاه , وليحققوا لأنفسهم ولغيرهم حرية العقيدة وحرية العبادة في ظل دين الله , ووعدهم النصر والتمكين , على شرط أن ينهضوا بتكاليف عقيدتهم التي بينها لهم فيما يلي من الآيات:

(إن الله يدافع عن الذين آمنوا , إن الله لا يحب كل خوان كفور , أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا . وإن الله على نصرهم لقدير , الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا:ربنا الله . ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا . ولينصرن الله من ينصره , إن الله لقوي عزيز , الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر . ولله عاقبة الأمور). .

إن قوى الشر والضلال تعمل في هذه الأرض , والمعركة مستمرة بين الخير والشر والهدى والضلال ; والصراع قائم بين قوى الإيمان وقوى الطغيان منذ أن خلق الله الإنسان .

والشر جامح والباطل مسلح . وهو يبطش غير متحرج , ويضرب غير متورع ; ويملك أن يفتن الناس عن الخير إن اهتدوا إليه , وعن الحق إن تفتحت قلوبهم له . فلا بد للإيمان والخير والحق من قوة تحميها من البطش , وتقيها من الفتنة وتحرسها من الأشواك والسموم .

ولم يشأ الله أن يترك الإيمان والخير والحق عزلا تكافح قوى الطغيان والشر والباطل , اعتمادا على قوة الإيمان في النفوس وتغلغل الحق في الفطر , وعمق الخير في القلوب . فالقوة المادية التي يملكها الباطل قد تزلزل القلوب وتفتن النفوس وتزيغ الفطر . وللصبر حد وللاحتمال أمد , وللطاقة البشرية مدى تنتهي إليه . والله أعلم بقلوب الناس ونفوسهم . ومن ثم لم يشأ أن يترك المؤمنين للفتنة , إلا ريثما يستعدون للمقاومة , ويتهيأون للدفاع , ويتمكنون من وسائل الجهاد . . وعندئذ أذن لهم في القتال لرد العدوان .

وقبل أن يأذن لهم بالانطلاق إلى المعركة آذنهم أنه هو سيتولى الدفاع عنهم فهم في حمايته: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا). .

وأنه يكره أعداءهم لكفرهم وخيانتهم فهم مخذولون حتما: (إن الله لا يحب كل خوان كفور). .

وأنه حكم لهم بأحقية دفاعهم وسلامة موقفهم من الناحية الأدبية فهم مظلومون غير معتدين ولا متبطرين:

(أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا). .

وأن لهم أن يطمئنوا إلى حماية الله لهم ونصره إياهم: (وإن الله على نصرهم لقدير). .

وأن لهم ما يبرر خوضهم للمعركة فهم منتدبون لمهمة إنسانية كبيرة , لا يعود خيرها عليهم وحدهم , إنما يعود على الجبهة المؤمنة كلها ; وفيها ضمان لحرية العقيدة وحرية العبادة . وذلك فوق أنهم مظلومون أخرجوا من ديارهم بغير حق: (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا:ربنا الله). . وهي أصدق كلمة