محمد عبد الرحمن صادق :


- صمَدَ ، يَصمُد ، صَمْدًا وصُمُودًا ، فهو صامِد ، والمفعول مصمود عليه . صمَد الشَّخصُ على الأمر :  ثبت واستمرّ عليه . صمَد في مواجهة النَّوازل : صبَر وتحمَّل ، صمَد في وجه الظُّلم : وقف .               
- ثبَت ، يثبُت ثباتاً وثبوتاً . فهو ثابت وثبْت ، والمفعول مثبوت عليه . ثبُت في الحرب : قاوم ولم يتراجعْ أو يتخاذلْ ، صمد وكان شجاعًا .                                                                                        
أولاً : الثبات في القرآن الكريم : لقد ذكر الله تعالى الثبات في القرآن الكريم عدة مرات حيث أمر المؤمنين بأن يثبتوا في وجه عدوهم ولا ينكصوا ولا يفروا ولا يتقهقروا فإن في ثباتهم وصمودهم الفوز والتمكين والفلاح .  قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ {45} " ( الأنفال 45 ) .
  - وكذلك وضع الله تعالى شرطاً لتثبيت الله تعالى للمؤمنين بأن ينصروا الله تعالى في أنفسهم ومن أنفسهم فلا يعصوا له سبحانه أمراً ولا يحيدوا عن طريقه الذي ارتضاه لعباده . قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ {7} " ( محمد 7 ) .                                                     
- ولقد دل الله تعالى عباده المؤمنين على أن التمسك بكتاب الله تعالى هو أفضل وسيلة لتحصيل الثبات وتقويته في النفوس .  قال تعالى : " قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ {102} " ( النحل 102 )  .                                                                                  
- ثم حذر الله تعالى من التولي وعدم الاستجابة لأمره حيث قال تعالى : " ........ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ {38}‏ " ( محمد 38 ) . وقال تعالى : " .......... وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ {144} " ( آل عمران ) .
- ثم حذرنا الله تعالى كذلك من مغبة النكث والتخاذل حيث قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً {10} " ( محمد 10 ) .
 ثانياً : بعض مواقف الثبات والصمود : لقد ضرب الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين أمثال    ( ياسر بن عامر بن مالك ، وزوجته سٌمية بنت خياط  ، وولده عمار بن ياسر ، وأمثال ، عبد الله بن مسعود ، وبلال بن رباح ..... وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين ) أروع الأمثلة في الصمود والثبات على الحق فلم تلين لهم قناة ، ولم يخور لهم عزم . حتى مكَّن الله تعالى لهم فانتشروا في ربوع الأرض ، للإسلام مُبلغين وللبلدان فاتحين ، حتى دان لهم العرب والعجم .  ولِمَا لا وقد رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يتحدى بثباته وصموده صناديد قريش وكبرائهم فلم يُساوم ولم يُهادن ولم يقبل الدنية أبداً .          1- فهذا بلال بن رباح رضي الله عنه يُعذب في بطحاء مكة بالحجارة المُحماة فما يثنيه ذلك عن دينه ولا عن ذكر الله .                                                                                                                
2- وهذا ياسر وزوجته سمية وابنه عمار رضي الله عنهم أجمعين  يُنكَّل بهم ويذوقون من العذاب ألواناً فما يثنيهم ذلك عن دينهم ولا عن ذكر الله .                                                                            
3- وهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يصدح بالقرآن بجوار الكعبة مُتحدياً صناديد قريش حتى أوجعوه ضرباً وهو ماض في قراءته يقرع آذانهم بآيات القرآن الكريم . وعندما أشفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم قال لهم : " ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن ، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غداً  " . قالوا : " حسبك ، فقد أسمعتهم ما يكرهون " .                                                                
4- وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقف في المشركين خطيباً عند الكعبة فيقوم المشركون  بضربه بالنعال ، حتى ما يُعرف وجهه من أنفه ، وحُمِل إلى بيته في ثوبه ، وهو ما بين الحياة والموت فما يثنيه ذلك عن دينه ولا عن ذكر الله .                                                                                          
5- وهذه السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تقدم مثالاً في الصمود والثبات على الحق في وجه أبو جهل  فرعون هذه الأمة . قالت أسماء رضي الله عنها : لما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر أتانا نفر من قريش ، فيهم أبو جهل بن هشام ، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم ، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ فقلت : لا أدري- والله- أين أبي ؟ فرفع أبو جهل يده- وكان فاحشاً خبيثاً- فلطم خدي لطمة طرح منها قِرطي .  فما أثناها ذلك عن دينها ولا عن ذكر الله .                      
- ويذكر أنه قال لمن حوله : " اكتموها عني حتى لا يقول الناس أن رجال قريش يصفعون النساء " .      - والنماذج في هذا المجال لم تنقطع بعد هؤلاء الصحب الكرام بل إن التابعين وتابعيهم ضربوا أروع الأمثلة كذلك في الصمود والثبات في وجه طواغيت الأرض غير مُبدلين ولا مُقصرين .  ومن هذه الأمثلة ( سعيد بن جبير – الحسن البصري -  الإمام أحمد بن حنبل – الإمام بن تيمية – الإمام العز بن عبد السلام – الشهيد عمر المختار – الشيخ عبد الحميد باديس -  الإمام حسن البنا – السيدة زينب الغزالي -  الشهيد سيد قطب – الشهيد أحمد ياسين – الشيخ محمد الغزالي  ....... وغيرهم ) إلى يومنا هذا وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها . ولولا قول ابن مسعود رضي الله عنه : " من كان مُستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة " ( رواه ابن عبدالبر ) ، لذكرنا ليُوثاً مازالت تزأر في ساحات الوغى وتحت قبضة الطواغيت إلى يومنا هذا .                                                             
ثالثاً : بعض موانع الثبات : عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "  يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فقال قائل : ومِن قلَّةٍ نحن يومئذٍ ؟! قال :     " بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غُثاء كغثاء السَّيل ، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المَهابة منكم ،  وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن " . فقال قائل : يا رسول الله ، وما الوَهْن ؟ قال : حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت " ( رواه أبو داوود وأحمد ) .                                                                                   
- إن الركون إلى الدنيا وملذاتها ، وتدني الغايات وصِغرها ، وطول الأمل ، والغفلة عن الثواب ، والخوف من مغبة الثبات في وجه الظالمين ... كلها كالسوس الذي ينخر في جسد الأفراد وبالتالي في جسد الأمة فلا يُؤبه بقدرها ، ولا يُهاب ركنها . فتعيش تابعة ذليلة ، خاملة الذكر ، مُترهلة الجسد ، متبلدة الإحساس ، حقيرة الشأن ، إمعة الرأي ، مجهولة المصير . قال سيد قطب رحمه الله : " إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحًا، ولكنه يعيش صغيرًا ويموت صغيرًا " .                                                          
- وختاماً : لابد وأن ندرك بل نوقن أننا رُعاة وحُرَّاس وأمناء على تضحية من ضحوا ، وثبات من ثبتوا ، وصمود من صمدوا . وأننا كذلك أمناء على الدماء التي سالت ، والأنفس التي أزهقت ، فلا يجب أن نخون هذه الأمانة . ولا يكون ذلك إلا بحسن التربية ، وبالإيمان والتقوى ، والصبر والمصابرة ، والطمع فيما عند الله تعالى ، فما عند الله لا ينال إلا بطاعة الله .                                                             
اللهم ثبتنا على الحق وثبت الحق بنا اللهم استعملنا ولا تستبدلنا



             

المقالات المنشورة في نافذة مصر تعبر عن رأي كتابها، ولاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع