عزت النمر :

الواقع المصري وطبيعة الشخصية المصرية صدَّرت للعالم وبالأخص لعالمنا العربي نموذج أحسب أننا تفردنا به وسجل حصرياً باسمنا.

هذا النموذج يمكن أن نعتبره مستمداً من منتجنا الحصري كذلك الذي هي الحداقة والفهلوة.

الحِدِق أو الفهلوي يكثر تواجده في أماكن الزحام والموالد ومباريات الكرة الجماهيرية ولا تكاد تخلو منه قاعات الترسو ومقاهي المناطق الشعبية.


لا أحد يمكن أن يخصم من مواهب متعددة تلزم لكي تضع صاحبها في مصاف أهل الحداقة ورموز الفهلوة. فإثبات الموهبة حق أصيل ليس من العدالة والإنصاف أن نحرمهم منه.

أولئك الموهوبين حقاً يملكون ميزة إضافية للموهبة المستحقة هي تدوير الموهبة والثقة في النفس الناشئة منها في توصيف مشهد أو حَبْك رواية أو الجزم والقطع في أمر أو حدث بمنتهى الحماسة والحسم بغض النظر عن العلاقة أو الامكانية أو المؤهلات للخوض في الموضوع فضلاً عن القطع فيه.

الفهلوي والحِدِق يذيع صيته وتتسع دائرته كلما كانت موهبته الأصلية تكفل له الجماهيرية الطاغية، كما أن البعض كلما اتسعت ضوضائية هذا النموذج وامتدت حظوظه من الشهرة والإعلام كلما تورط في ممارسة الفهلوة والحداقة طالما أن جماهير عريضة ستحتفي بما يقول وتنقل عنه.

ثمة حقيقة أنه قد يضيف الى الجلبة والصخب التي يستمتع بها الفهلوي ويسعى وراءها إذا ما كان للرواية التي بثها مؤيدون أو رافضون لأنها ستزيد من الزحام على الشباك وستطول زمن عرض الرواية ومن ثم يظل صاحبها في تتر الحدث و"بلاتوه" العرض.

حقيقة أخرى تقول أن الجماهير العريضة التي  تحتفي بالرواية وتتناقلها ليست بالضرورة ممن تقدر الفهلوي أو تتبعه. لكنها شهوة ما أو غرض يدفعها للاستفادة بالقصة والرواية باعتبار أنها تناسب ما تنتمي اليه وتشجعه وتسعى لإثباته أو تهوى بقاءه.

تحضرني هذه الفكرة كثيراً حينما أتابع المشهد السياسي المصري فأجد حشداً وفيراً من تجار الفهلوة وأراجوزات الحداقة, وطبيعي أن يأتي في ركاب هؤلاء كم من الروايات الفشنك يمكن أن تنتج مجلدات من ألف ليلة وليله وربما سلسلة جديد وإبداع من عينة كليلة ودمنه.

ما يستدعي العجب ويلقي بأسئلة لا إجابات لها حول السبب في أن حادث انقلاب تركيا الفاشل صب علينا هذا السيل الجارف من أمثال هؤلاء وبضاعة كاسدة حملوها من مقارنات فجة ولعنات قاسية واستدعاء كل نقيصة ووصم بها الرئيس محمد مرسي وكل من شارك في مشهد ما قبل انقلاب العسكر في مصر.

مما يؤسف له أن يدخل على خط القصف القاسي للرئيس بعض الرموز الرصينة ممن لا يشك أحد في جديتها ولا مهنيتها ولا حضورهم الفكري وغيرتهم الوطنية.
 من هؤلاء الأخيرين كان الإعلامي المرموق الأستاذ أحمد منصور الذي كتب مقالاً عن شهادته على حدث ما، وأكد أن ما يكتبه شهادة عيان وليس نقلاً لحدث ولا أرى فارقاً كبيراً بين الحالين خاصة مع اعلامي كبير مثل منصور.

مقال أحمد منصور الذي وصفه بالشهادة يستحق فيه الكثير من العتب والملامة لأنه رغم قِصر المقال إلا أنه سقط في خطايا كثيرة ما كان لمثله أن يقع فيها.
أول أسباب الملامة أن الرواية التي أوردها لم تكن كاملة وهذا تبين حينما روى غيره نفس الرواية وذات الحدث ولكن بأبعاد أكثر وصورة أوضح فجاءت شبه خالية من وطئة الاتهام القاسي وربما السخرية التي أوردها منصور.

السقطة الأخرى أن منصور ما كان له وهو يُصَدِّر الرواية كشاهد عيان, أن يطلق حُكْمَاً هو مجرد رأيه الشخصي حول الفترة التي حكمها الدكتور مرسي حيث قال بالنص"  وكان هناك شبه إجماع في الأمر كنت شاهدا عليه، لكن مرسي الذي لم يوفق في اتخاذ أي قرار صائب في هذه المرحلة وتراجع عن كثير من القرارات التي أصدرها بعشوائية ودون دراسة رفض رفضا قاطعا".

وكان يجدر بمنصور أن يذكر شهادته مجردة إن كان كما قال أن "الشهادة حق وواجب للأمة ومن يكتمها «فإنه آثم قلبه»" فكان أولى به أن يذكر الحقائق التي عاينها ويترك للقارئ تقييم الحدث محل الشهادة أو الرواية.

أما أن يجازف برأيه هذا وتحامله الشديد بهذه الفجاجة فهو مما يقدح في شهادته وفي إنصافه لنقل الحدث وتقيم الموقف.

من حق الجميع أن يتفق أو يختلف مع فترة ما قبل الانقلاب وما آل اليه الوضع لكن الفارق كبير بين الاختلاف مع الرئيس على ما كان أولى وبين رجم الرجل وتشويهه والانتقام منه بهذه القسوة.

لم يراعي أحمد منصور حقيقة ينبغي على كل منصف أن يأخذها بعين الاعتبار أن ثبات الرئيس وصموده رغم ما يعانية لثلاث سنوات خلت هو من يجعلنا جميعاً نتعاطى الثورة ونقتات عليها حتى الآن!!.

أمر أخر كنت أتمنى على منصور ألا يسقط فيه أن الدكتور مرسي الآن أسير في ظروف قاسية, فكان عليه أن يغلف شهادته أو رأيه بشئ من الرقة والرحمة والنُبْل خاصةً أن كثير من أقزام الانقلاب وعبيد البيادة لا يراعوا للأسير حرمة ولا لسجين كرامة أو يحفظ للمظلومين عِرض.

وعلى ذكر كتم الشهادة وإثم ذلك فما عليَّ إلا أن أُحَرر نفسي من شهادة ما كنت لأعلنها إلا في حوار كهذا , وشهادتي على لقاء جمعني بالأستاذ أحمد منصور لعله كان في النصف الأول من 2014 أي في نهايات العام الأول من الإنقلاب.

وطبيعي أن يدور الحوار وقتها عن مصر والانقلاب والأحداث , وكان حديث أحمد منصور قاسياً وشديداً على الإخوان والرئيس مرسي كأنه بينه بينهم عداوة شديدة وكأنه لم يكن يوماً ولي حميم.

شهادتي ــ التي أوثقها وعليها شهود جميعهم أحياء ـــ وأستدعيها وأُذَّكِر به الأعلامي الكبير هو أنه حينما تحول بحواره من نقد الاخوان وسبهم الى المخارج والحلول إذا به يطرح اسم محمد البرادعي كمخرج وحيد للأزمة باعتباره سياسي مخضرم ومقبول في الداخل والخارج.

كان هذا الطرح صادماً لي حينها ، وثَبُتَ بعد سنوات ثلاث أنه خديعة كبرى ومهرج كبير.

 

السؤال الذي أوجهه للإعلامي المحنك أحمد منصور : هل مازالت عند رأيك ؟! أم تعترف أن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون؟!!


@EZZATNEMER
[email protected]
https://www.facebook.com/ezzat.elnemr.9



المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها فقط ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع