صفية بنت عبد المطلب الهاشميَّة القرشيَّة عمَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
موقفها يوم الخندق، فله قصَّةٌ قصيرةٌ مثيرةٌ، سُداها الدَّهاء والذَّكاء، ولُحمتُها البسالةُ والحزم، فإليك خبرها كما وعته كتب التَّاريخ.
لقد كان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عزم على غزوة من الغزوات أن يضع النِّساء والذَّراري في الحصون خشية أن يغدر بالمدينة غادرٌ في غيبة حماتها. فلمَّا كان يوم الخندق جعل نساءه وعمَّته وطائفة من نساء المسلمين في حصن لحسان بن ثابترضي الله عنه ورثه عن آبائه، وكان من أمنع حصون المدينة مناعةً وأبعدها منالًا.
وبينما كان المسلمون يرابطون على حوافِّ الخندق في مواجهة قريش وأحلافها، وقد شُغلوا عن النِّساء والذَّراري بمنازلة العدو، أبصرت صفيَّة بنت عبد المطَّلب شبحًا يتحرَّك في عتمة الفجر، فأرهفت له السَّمع، وأحدَّت إليه البصر، فإذا هو يهوديٌّ أقبل على الحصن، وجعل يُطيف به متحسِّسًا أخباره متجسِّسًا على من فيه.
فأدركت أنَّه عينٌ لبني قومه جاء ليعلم أفي الحصن رجالٌ يدافعون عمَّن فيه، أم إنَّه لا يضمُّ بين جدرانه غير النِّساء والأطفال. فقالت في نفسها: إنَّ يهود بني قريظة قد نقضوا ما بينهم وبين رسول الله من عهدٍ وظاهروا (أعانوا) قريشًا وأحلافها على المسلمين، وليس بيننا وبينهم أحدٌ من المسلمين يدافع عنَّا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه مرابطون في نحور العدوِّ، فإن استطاع عدوُّ الله أن ينقل إلى قومه حقيقة أمرنا سبى اليهود النِّساء واسترقوا الذَّراري، وكانت الطَّامَّة على المسلمين.
عند ذلك بادرت إلى خمارها فلفَّتهُ على رأسها، وعمدت إلى ثيابها فشدَّتها على وسطها، وأخذت عمودًا على عاتقها، ونزلت إلى باب الحصن فشقَّته في أناةٍ وحذقٍ، وجعلت ترقب من خلاله عدوَّ الله في يقظةٍ وحذرٍ، حتَّى إذا أيقنت أنَّه غدا في موقفٍ يُمكِّنُها منه، حملت عليه حملةً حازمةً صارمةً، وضربته بالعمود على رأسه فطرحته أرضًا، ثمَّ عزَّزت الضَّربة الأولى بثانيةٍ وثالثةٍ حتَّى أجهزت عليه، وأخمدت أنفاسه بين جنبيه، ثمَّ بادرت إليه فاحتزَّت رأسه بسكِّين كانت معها، وقذفت بالرَّأس من أعلى الحصن، فطفق يتدحرج على سفوحه حتَّى استقرَّ بين أيدي اليهود الذين كانوا يتربَّصون في أسفله. فلمَّا رأى اليهود رأس صاحبهم؛ قال بعضهم لبعض: قد علمنا أنَّ محمدًا لم يكن ليترك النِّساء والأطفال من غير حُماةٍ، ثمَّ عادوا أدراجهم.

