بقلم : مجدي مغيرة


ربما كانت مقولة تغيير المجتمع من أسفل إلى أعلى مقولة مناسبة في دولة تترك مساحة كبيرة للحرية المدنية .


 فهي تترك مجالا كبيرا للعلماء والمثقفين والمفكرين والتربويين لصياغة عقل المجتمع عن طريق المدارس والمناهج والأنشطة التي تبدعها عقولهم انطلاقا من دينهم وحضارتهم وجذورهم الثقافية ، وليس من خلال قوالب تربوية وفكرية وثقافية مستوردة من الغرب ومفروضة عليهم في المدارس والجامعات والمنتديات الثقافية.


وهي تترك المجال للإعلاميين والأدباء والفنانين كي يعبروا عن روح المجتمع وثقافته وقيمه وأخلاقه ، وليس من خلال نشر مفاهيم مستوردة لا علاقة لها بقيم المجتمع ولا ثقافته ولا دينه ولا حضارته ، وليت هذه المفاهيم المستوردة  كانت مفصولة عن المجتمع فقط ، بل وجدناها في كثير من الأحيان تهدم القيم الراسخة وتحارب العقائد الثابتة ، وتستهزئ بالأخلاق والعبادات والعادات والتقاليد النابعة من قيمنا وديننا وحضارتنا .


وهي تترك مجالا كبيرا للصناع والحرفيين كي يعبروا من خلال حرفهم وصناعاتهم عن الاحتياج الفعلي للشعب وليس من خلال احتياجات مزيفة تفرضها عليهم من خلال نشر ثقافة استهلاكية لا تعبر بالضرورة عن الحاجات الفعلية للمجتمع ، ولقد وجدنا في كثير من المواقف كيف يُصاب المخترعون والمبدعون بالإحباط ، ويبحثون عمن يتبناهم ويتبنى أفكارهم واختراعاتهم ، وغالبا ما يجدون بغيتهم خارج حدود بلادنا ومجتمعاتنا .


وهي تترك مجالا للفلاحين والزراعيين كي يزرعوا ما يحتاجه الشعب فعليا ، ويحافظوا على الأرض الزراعية ، وليس من خلال فرض سياسة زراعية أدت في كثير من الأحيان إلى هجر الفلاح لأرضه ، والهرب منها للبحث عن عمل آخر ، والتشجيع الظاهر والخفي لتبوير الأرض الزراعية وتحويلها إلى مبان سكنية .


ربما لو كان المجتمع المدني متحررا بهذا الشكل لاستطاع التقليل من خسائر ظلم النظام الحاكم ، بل ولاستطاع أن يجبره على تغيير أسلوبه بما يتفق مع مصالح الشعب ، ولكننا رأينا أن النظام الحاكم بسيطرته على  كل كبيرة وصغيرة في المجتمع حوله إلى مجتمع مقهور .


فهو يفرض على المجتمع مناهج تعليمية عقيمة تزيف حقائق التاريخ ، وتهمش الإسلام وتضلل كثيرا من العقول ، وتربيها على القيم النفعية التي تجرد كثيرا من الطلاب من انتمائهم الأصيل لوطنهم ودينهم وقيمهم وحضارتهم ، ويتخرج الطالب وكل آماله مرتبطة بالبحث عن فرصة عمل خارجية أو الحصول على جنسية أجنبية ، أو تسخير وتوظيف طاقاته  وقدراته في الحصول على المال بأي وسيلة مهما كانت منافية للدين والأخلاق والقيم الإنسانية .


وهو يفرض إعلاما يقدم وجبة فاسدة من البرامج المضللة ، والأفلام والمسلسلات المخدرة ، ويخلق حالة من التشتت الفكري ، والتعلق ببطولات وإنجازات وهمية .


إن نظام الدولة المعاصر يتحكم في كل كبيرة وصغيرة في حياة الناس ، ويشكل عقولهم ونفوسهم بما يتفق مع أهواء النظام الحاكم ، ونظرة سريعة على الحوارات التي تدور بين الناس تبين لك مدى الزيف والتضليل المسيطر على العقول ، وتبين لك أيضا الأخلاق النفعية التي لا تتورع عن انتهاك القيم في سبيل الحصول على المنصب أو المال أو اللذة .


ولذلك فإن مسألة تغيير المجتمعات الآن من الأسفل إلى الأعلى تكاد تكون صيحةً في وادٍ أو نفخاً في رماد .


على من أراد أن يغير المجتمعات إلى الأفضل أن يسعى لتغيير تلك النظم الناتجة عن عصور الاحتلال ، المتحكمة في تشكيل المجتمعات تشكيلا يخالف  حاجاتهم الطبيعية ، ويناقض قيمهم الدينية .



 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها فقط ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع