بقلم - محمد ثابت:

 

 

لا أعرف اسم ابن الدكتور باسم عودة، وزير التموين الاسبق، ولم أتشرف به، ولكنني لا أنسى صورة له بعد قرار المحكمة برئاسة "محمد ناجي شحاتة" بإحالة أوراق أبيه إلى المفتي بتهمة قتل عشرين وإصابة عشرة في أحداث مسجد "الاستقامة" بالجيزة، وهي الاتهامات التي لا تساوي الحبر الذي كتبت به، ولا يصدقها طفل صغير، فالمصريون بل العالم يعرف أن اباه كان وزير تموين "نادر النجاح" في حياة المصريين، بل دفتر أحوال تاريخهم، وإنه بعد الانقلاب عرض "العسكر" عليه الاستمرار في منصبه على أن يترك امر الشرعية والرئيس محمد مرسي، فرفض "ألرجل" الذي يعرف أن الأمانة والشرف كلٌّ لا يتجزأ، فقبض الانقلابيون عليه و"كالوا" له الاتهامات.


أذكر الدكتور باسم محمولاً فوق الأعناق أمام نادي "الحرس الجمهوري" في أيام شهر يوليو 2013م وأسبوعه الاول عقب الانقلاب مباشرة، والناس تحمله فوق الأعناق هاتفين:


ـ الشريف أهوه!


كما إنني لا أنسى تذكير الرجل للناس لما أرادوا أن "يسمعوا" له بأن الفرج قريب.

 

ورأيت ابنه الأكبر، اعتقد الثاني في ترتيب الأبناء بعد ابنة، وهو يقف مشدوداً بعد نطق "شحاتة"، وكان في قاعة المحكمة، وفيما كانت إحدى إختيّه تنظر بعيداً عن القفص المحبوس فيه أبوها ظلماً وزوراً وبهاتاناً وعدواناً، وفي عينيّ الابن قهر وألم وأسئلة وحيرة ولهفة وعزة ودمعة لا تنزل فتريحه ولا تحتجب فيهدأ.


وإذ تضع جريدة انقلابية الشعار أو "اللوجو" أو العلامة المائية الخاصة بها على الصورة في لقطة عبثية تختصر الحياة في مصر بعد الانقلاب، كي تقول إن هذه اللقطة تم تثبيتها "حصرياً" بالكاميرا الخاصة بمصوريّها، وإنها إذ تنشر مثل هذه اللقطة إنما هي تخيف عشرات الملايين من المصريين من هذا المصير إن هم فكروا في عدم طاعة الظالمين.


أو لعله نوع من العبث من مثل الأخبار التي اعتادت تلك الجريدة، وجرائد على "شاكلتها" نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي من مثل:"ميكروباص يصطدم بطائرة"، و"حمار يثير الرعب في مطار القاهرة"!


وكنا نحزن على مصير الإنسان مما يحدث في مصر اليوم فصرنا نتحسر!


وعن قاعة المحكمة أمس نشرت الجريدة صاحبة "علامة الصورة المائية" أمس:

"ينشر "..." صور اللقطة الإنسانية التى سمح فيها قاضى "فض اعتصام رابعة" المستشار حسن فريد، رئيس محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة، التى سمح فيها لباسم عودة وزير التموين الأسبق، بالخروج ولقاء ابنته، قبل تأجيل نظر القضية".


ليخرج شقيق الدكتور باسم "كمال عودة" ليقول على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك":

حرم النظام شقيقي من رؤية زوجنه وأهله، وهي أبسط حقوق المتهمين، إن كان شقيقي متهماً، حتى يطلب من القاضي مصافحة ابنته الصغيرة، ولما يوافق القاضي تثور ثائرة الصحف الانقلابية متغنية بإنسانية القاضي!


وبمقدار فرحتي بابتسامة الرضا، الخفيفة، على شفتيّ ابن الدكتور باسم في المحكمة الثلاثاء الماضي بمقدار حسرتي على الإنسان في مصر.


رأيتُ "شروق" ابنة الدكتور باسم تختصر الأزمنة، وتهبط بزمانات من الفرحة، لما "سمح" القاضي فانسابت خطوات "البنية" مثل تسلل أولى أشعة الشمس متحدية الظلام، فتحت الباب الحديدي الصغير، وتسارعت خطواتها نحو أبيها، كان "مكبر الصوت" بيمينه فأودعه يده الأخرى، واحتضن "الحبيبة" حتى إذا صارت بقرب قلبه مالت برأسها حياءً، وهو يهمس في أذنها، الآن جميع حنايا ومسام جسدها "متناغمة" مع الحياة لإنها في حضن أبيها.


أعرف مقدار هذه اللحظات كما أعرف ألمها، وأرثي لكل مسجون يموت بالبطىء ولا يستطيع مقابلة أبنائه، ويتم حجب الدواء عنه ليتم تسريع قضاء الله إليه، ثم يحتضن أبناؤه الجثمان بعد وفاته.


أعرف ألم لحظات اللقاء لما يطول الغياب ليتعدى الأسابيع إلى الشهور، لما لا يعرف الصغار متى يلقون آباءهم بعدها، أعرف مرارة هذا الألم .. أعاذ الله الجميع منه وقد جربته من قبل في سفر قاصد.


وغير بعيد رأيتُ الدكتور "أحمد عارف" المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة وهو "يشم" ابنيّه، وعرفتُ من خلاله للمرة الأولى عملياً معنى قول العرب "يضمه ويشمه" من فرط المحبة، وتابعت زوجة الأخير وهي "تسرع" إليه متى "أذن" قاضي الدنيا لها، وأجللتُها بنقابها الأبيض وهي تحتضنه ويصر على تقبيل رأسها ويدها، هكذا "يعلم" الإخوان والملتزمون الناس "الحب".


أهؤلاء هم "الإرهابيون" يا "سادة"؟!


وهل هذا هو العدل لديكم؟!


أفما يكفيكم أنكم سجنتموهم كي تحرمونهم من أهاليهم وأبنائهم وزوجاتهم؟


كي يقبل الزوج زوجته ويحتضن أبناءه ويفرح بمجرد لمسهم تحت "فلاشات" ظالم "كاميراتكم".


وفي محاكمة سابقة كانت السيدة "سناء عبد الجواد" تحضر محاكمة زوجها "البطل" ثاقب الرؤية الدكتور "محمد البلتاجي" فحكم عليها في قضية وهمية، واختطف أصغر أبنائها، بعد أن استشهدت فلذة كبدها "أسماء" على يديكم، وهي اليوم محرومة من مجرد حضور المحكمة، وزوجها ابنته شهيدة وعائلته كلها مطاردة، ولم يكن يريد للإخوان النزول إلى معترك الرئاسة أصلاً، ولكن الانقلابيين لا يراعون ولا يفرقون إن كانوا يفهمون فقط مجرد استخدام القوة الغاشمة.


ورغم لحظات اللقاء النادرة "ينزل" الدكتور باسم ابنته من أحضانه ليقول:

ـ من أربع جلسات وأن أريد أن أعرف لماذا أنا هنا، هل لإنني جعلت سعر زجاجة زيت العباد للمصريين ب3 جنيهات، وللدولة ب 9 للمرة الأولى، هل لإنني نجحت في ابتكار منظومة للقمح متكاملة للمرة الأولى ولم أؤخر المال على الفلاحين؟ أم لإنني لم أبع الجزر المصرية لدولة أخرى؟!


وتأتي الجرأة للقاضي لكي يقول له:

ـ لا نتحدث في السياسة!

والرجل ونظيره هنا لأمر "سياسي" فقط.

يترك ابنته التي ربما لم يحتضنها منذ سنتين الدكتور باسم ليسأل لماذا هو هنا الآن؟ في المحكمة؟

يال الحسرة على الإنسان يا مصر؟!


يسؤوني ويحزنني أن أقول أن بلدي عرفت الظلم منذ قديم الأزمان، منذ الفراعنة، وسيدنا موسى، منذ محاكمة سيدنا يوسف والحكم عليه زوراً وبهتاناً في قضية "مخلة بالشرف" لإنه رفض فعل ما لا يرضي الله! عصور طويلة رومانية وقبطية وبلدي ترتشف الجور ارتشافاً .


ويؤسفني أن الأقرب إلى الحق من المصريين والشرف "الإخوان" لما حكموا مصر لم يدرسوا شعبها جيداً .. فكان ما كان مما نعاني منه جميعاً الآن!


ولها الله مصر والمصريين بعد آمالنا الطوال العراض عقب 25 من يناير 2011م شاء الله أن تتأخر بلادنا أكثر، وبعد أمنيات "دحر الإنقلاب" أو إحسان التعامل معه صرنا نتمنى لقاء ابنة بوالدها المعتقل، أو قبلة على جبين زوج مسجون لزوجته.. فلعل الله يعجل فرجاً وفكرة وتطبيقاً يعيد الحق في مصر إليها ..

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها فقط ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع