(الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً). {سورة الكهف: 1}.

القرآن كلام الله. به تحيا القلوب وتصفو النفوس. وهو مصدر عقيدتنا وشريعتنا وأخلاقنا. لذلك لا عجب أن سمّاه الله نوراً.

(يأيها الناس قد جاءكم برهان من ربّكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً). {سورة النساء: 174}.

وأمرنا أن نتلوه: (وأُمرتُ أن أكونَ من المسلمين. وأن أتلو القرآن). {سورة القصص: 91، 92}.

ومدح الذين يتلونه حق تلاوته: (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته. أولئك يؤمنون به). {سورة البقرة: 121}.

وبيّن لنا أن الحكمة تتحقق بتدبره: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب). {سورة ص: 29}.

وأخبرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم سيشكو إلى ربّه قوماً هجروا كتاب ربهم فلم يتدبروا أحكامه أو يعملوا بها: (وقال الرسول: يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً). {سورة الفرقان: 30}.

من هنا كانت تلاوة القرآن وتعليمه وتعلّمه وحفظه وتدبّره من أعظم القربات:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خيركم مَن تعلّم القرآنَ وعلّمه”. رواه البخاري.

وقال: “الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة. والذي يقرأ القرآن وهو يتعتع فيه وهو شاق عليه، له أجران”. رواه البخاري ومسلم.

وقال: “اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه”. رواه مسلم.

وقال: “مَن قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها. لا أقول: ألم حرف. ولكنْ ألفٌ حرف، ولام حرف، وميم حرف”. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

وفي أكثر من موضع في القرآن جاء وصفه بأنه عربي:

ففي سورة الزمر: (قرآناً عربيّاً غير ذي عوج لعلهم يتقون). {سورة الزمر: 28}.

وفي مطلع سورة فصّلت: (كتاب فصّلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون).

وفي مطلع سورة يوسف: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون).

وإذا كان الأمر كذلك فإن تعلّم اللغة العربية وتذوّق آدابها من مقتضيات اعتزازنا بالقرآن واهتمامنا به.

إذ كيف نفهم كتاب الله، وكيف نتفاعل معه، وكيف نتذوق معانيه، ونحن جاهلون بلغته، فاقدون ذائقتها الأدبية؟!.

هل تغني قراءة ترجمات لمعاني القرآن عن تلاوة القرآن نفسه، وعن تدبره والتقاط جواهره؟.

أرأيتم لو قرأتم ترجمة لقصيدة لشاعر كبير، عربي أو روسي أو بريطاني. إنكم لن تجدوا فيها الروعة والجمال والإبداع، مهما كان الشاعر وإبداعه، ومهما كان المترجم وتمكّنه من اللغتين المترجَم منها والمُترجَم إليها. لماذا؟ لأن الترجمة، مهما بلغت لن تنقل إلا معاني المفردات والجمل، أما الروح المنبثّة في المفردات والجمل فإنها تضيع بالترجمة. هذا ما يكون من ترجمة كلامٍ لواحد من البشر، فكيف بترجمة كلام الله المعجز الذي تحدّى به أهل اللغة وأصحاب البيان فيها؟ أتكون ترجمة معانيه مغنية عن تلاوته؟.

إن العربية بهذا المعنى هي من مكملات ديننا. فلنحرص عليها. ولا أقل من أن تكون العربية هي لغة البيت، وأن تكون أقرب ما تكون إلى الفصاحة، وأن يتعلم أبناؤنا كتابتها والقراءة بها. وهذا إنما يمثّل الحد الأدنى. وأما ما بعده فلنحاول أن نستزيد من قراءة كتب اللغة والأدب والتفسير والسيرة…