الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب قرآني عظيم وكيف لا وقد قدمه الله تعالى في موضع من القرآن الكريم على الإيمان به سبحانه فقال تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ....} آل عمران/110 كما قدمه في موضع آخر على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة فقال تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } التوبة/71 .
 
وإذا كان واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعموم الناس بهذا القدر من الأهمية في دين الله تعالى , فهو لذوي القربى وأولي الأرحام وأقرب الناس إلى المسلم من أهله وعشيرته أشد أهمية و أكثر ضرورة وإلحاحا .
 
لقد نزل الأمر الإلهي على قلب نبيه وخاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم بأن ينذر أهله وعشيرته الأقربين فقال تعالى : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } الشعراء/214 , قال السعدي : الذين هم أقرب الناس إليك وأحقهم بإحسانك الديني والدنيوي....
 
 وقد استجاب النبي صلى الله عليه وسلم لأمر ربه فدعا أهله وذويه وعشيرته وبالغ في حرصه على هدايتهم ودخولهم في دين الله وإنقاذهم مما كانوا عليه من الشرك وعبادة الأصنام , جاء في صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قُرَيْشًا فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ فَقَالَ ( يَا بَنِى كَعْبِ بْنِ لُؤَىٍّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِى مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِى عَبْدِ شَمْسٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِى عَبْدِ مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِى هَاشِمٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِى نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ فَإِنِّى لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلاَلِهَا ) صحيح مسلم برقم/522
 
 ويظهر مدى الحرص النبوي على دعوة ذويه وأقاربه وأرحامه من خلال رصد أول الناس إيمانا به وتصديقا بدعوته , فقد كانت زوجته خديجة رضي الله عنها أول من دخل الإسلام باتفاق أهل الأثر وعلماء السيرة كما نقل ابن الأثير , كما كان ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل بيته صلى الله عليه وسلم بعد أم المؤمنين خديجة دخولا في دين الله تعالى كما ذكر ابن اسحاق وابن كثير الذي قال : "إن أهل بيته - صلى الله عليه وسلم - آمنوا قبل كل أحد: خديجة، وزيد، وزوجة زيد أم أيمن، وعلي - رضي الله تعالى عنهم" . السيرة الحلبية 1/436
 
 ولعل في مشهد شدة رغبة النبي صلى الله عليه وسلم وحرصه على إسلام عمه أبي طالب ونطقه بكلمة التوحيد قبل موته في اللحظات الأخيرة من حياته ما يشير إلى أهمية دعوة الأقارب وأولي الأرحام في الهدي النبوي ودين الله الإسلام , فقد ورد في الحديث الصحيح عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ : ( أَيْ عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ ) فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ : يَا أَبَا طَالِبٍ تَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ : عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ ) فَنَزَلَ قوله تعالى { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ...} الآية .
 
تزداد الحاجة لطرق هذا الموضوع في هذه الأيام مع مظاهر التقصير الواضح في أداء هذا الواجب ومشاهد التهاون البيّن في الالتزام بهذه الفريضة , ذلك التقصير والتهاون الذي بدت آثاره تطفو على سطح المجتمع المسلم في شتى مجالات الحياة .
 
 آخر ما طرق سمعي من مظاهر وآثار ترك دعوة ذوي القربى والتقصير في أداء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجاه أولي الأرحام تلك الكلمات التي قالها أحد الأصدقاء وهو يلوم نفسه على فداحة الثمن الذي تدفعه العائلة بأسرها جراء ذلك التقصير والتقاعس بعد أن رأى تهاونا فاضحا من بعض شباب العائلة في الالتزام بالصلوات المفروضة وانجرافهم نحو الشهوات وتأثرهم بالشبهات التي تطفح بها صفحات الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل والاتصال الحديثة , وبعد أن لاحظ متأخرا تقصير بعض فتيات وبنات ذوي رحمه في الالتزام باللباس الشرعي الكامل وتأثرهم بما يسمى "الموضة" .
 
 تنهد الصديق قائلا : كان بالإمكان تدارك ما يحدث الآن لو أني أوليت ذوي رحمي بعض الاهتمام الدعوي وأكثرت من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الوقت المناسب والمبكر , خصوصا وأن الكثير من اللقاءات الأسرية كانت تجمعنا على مدار الشهر والعام .
 
إن إلقاء نظرة سريعة على فحوى ما يدور في مجالس اجتماعات العائلات المسلمة من أحاديث كفيل باكتشاف أسباب الداء وطريقة العلاج , إذ كثيرا ما تخلو تلك اللقاءات - رغم كثرتها - من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة , وتقتصر على السلام والكلام بأمور الدنيا دون أن تكون فيها موعظة ولو قصيرة أو نصيحة لله ورسوله أو كلمة طيبة فيها دعوة لباب من أبواب البر والخير .
 
ولعل أكثر ما يحز في القلب أن يرى الواحد منا ثمار دعوة بعض الدعاة إلى الله في الناس وقد أينعت وآتت أكلها بينما تبدو مظاهر التقصير في الالتزام بدين الله في أسرته وعائلته وذوي رحمه بادية واضحة بسبب تقصيره في دعوته لهم وتهاونه في أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر .