يعتبر الإنسان مخلوقا اجتماعيا، ويسعى إلى الاتصال بغيره من الناس بشتى الوسائل الممكنة كما كان يفعل منذ أقدم العصور، بيد أن وسائل التواصل الاجتماعي أخذت منه كل مأخذ، فما أسباب الإدمان عليها وكيف يمكن التخلص أو التخفيف من وطأتها؟

في هذا السياق، يشبه الكاتبان لورانس دودز وتشارلز هيماس وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة بأسلحة الدمار الشامل، وذلك من حيث تسببها في إدمان البشرية على تطبيقاتها المختلفة، ويشيرا إلى الطرق التي توظفها الشركات المعنية عبر هذه الأسلحة لتجعل الناس مدمنين، لكنهما يصفان العلاج المناسب للمواجهة والتخلص أو التخفيف من هذا الإدمان.

ويتحدث الكاتبان في مقال تحليلي عن أعراض هذه القضية العالمية التي قد لا يخلو من آثارها أي بيت أو أسرة، وعن طرق التعافي منها أو التغلب عليها.
ويقول التحليل إن قرصنة الحاسوب تعتبر أمرا يتعلق بإيجاد نقاط الضعف فيه، بحيث يتم البحث عن ثغراته وإيجاد طرق لاستغلالها.

ويضيف أنه تبين أن اختراق الدماغ البشري لا يعد أمرا مختلفا بشكل كبير، كما أن شركات التكنولوجيا تعلمت على مدار العقدين الماضيين كيف تلعب بالإنسان في هذا السياق وكأنها تعزف على الكمان.

ووفقا لخبير الإدمان الرائد في بريطانيا الدكتور مارك غريفيثس، فقد طورت شركات وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وسناب شات ترسانة من التقنيات التي تجعل الناس ملتصقين بمنتجاتها.

وحدد غريفيثس سبع أدوات مستمدة من خبرة 31 عاما في دراسة صناعة المقامرة، والتي تقود إلى "الاستخدام المعتاد"، وليس إلى الإدمان بالمعنى الإكلينيكي، ولكنها متكررة بدرجة كافية لدرجة أن الإنسان قد يعاني جراءها في جوانب أخرى من حياته.   

إدمان وإعلان
ويقول الدكتور غريفيثس "لا أعتقد أن فيسبوك أو إنستغرام تحاولان عمدا جعل الناس يدمنون، ولكن ما تحاولان فعله هو زيادة الوقت الذي يقضيه الناس على شبكتيهما إلى أقصى حد، لأن ذلك يرتبط بالإعلانات التي يمكنهم إثارتها".

ويقول التحليل -الذي نشرته صحيفة ديلي تلغراف البريطانية- إنه لا عجب أن الشخص العادي يلمس الآن شاشة هاتفه أكثر من 2500 مرة في اليوم، مما شكل أحد الأسباب الذي جعل الصحيفة تطلق الأسبوع الجاري حملة لحماية أقوى للأطفال الذين يستخدمون التكنولوجيا.

ولا يعتبر كل الوقت الذي يقضيه الإنسان على الإنترنت مضيعة للوقت، بيد أنه إذا وجد الشخص نفسه ينقر ويتصفح في وقت هو في حاجة فيه إلى العمل أو الاسترخاء فإنه ينبغي له الانتباه لهذه التقنيات المصممة لجعل المرء لا يترك هاتفه الذكي من يده.

ويشبه المقال مستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بلاعب القمار الذي يبقى يسحب الرافعة آملا في كل محاولة أنه سيكون رابحا.

ابتكار وندم
ويعترف مطور البرامج لورين بريتشتر (33 عاما) -الذي ابتكر بادرة "الانتعاش" أو زر التحديث- بالندم على ابتكاره، قائلا إنه قضى سنوات في التفكير فيما إذا كانت ستفيد البشرية.

كما يتحدث المقال عن سعي الإنسان للحصول على التأكيد الاجتماعي، وعن كون وسائل التواصل تمنحه هذه الفرصة ليجد القبول من الآخرين على شكل مكافآت متقطعة.

ويضيف أن وسائل التواصل تقصف الناس بالمحفزات التي يقوم الدماغ بتصفية معظمها، الأمر الذي حدا بشركات التواصل الاجتماعي إلى استخدام نغمات خارقة وألوان زاهية وأعمال فنية جذابة تجذب المرء من كل ما يفعله وتوجهه نحو تطبيقاتها.

كما يتحدث المقال عن محاور أخرى في التواصل الاجتماعي مثل التنافس والتبادل وغيرها من المشوقات والأعراض والأغراض.

وفي حين يشير التحليل إلى أن الدكتور غريفيثس تخلص من هاتفه المحمول قبل ثلاث سنوات يقول إن هناك طرقا أخرى أمام المرء للتحكم في عاداته بهذا السياق.

طالب دكتوراه
ويدعو الدكتور غريفيثس إلى البدء بتنزيل تطبيقات لتتبع مدى استخدام المرء وسائل التواصل وتزوده بما يشبه التقييم الذاتي، ويستشهد بطالب دكتوراه ترك لعبة كان مدمنا عليها على الإنترنت بعد أن أصيب بالرعب عندما علم أنه لعبها 72 يوما السنة الماضية.

ويضيف أنه لا ينبغي للمرء ألا يستخدم أي تطبيق واحد أكثر من ساعة في اليوم، وللحد من الإلهاء يمكن للمرء وقف تشغيل هاتفه أو ضبطه على "عدم الإزعاج" في المساء وفي عطلات نهاية الأسبوع.

وليضع المرء لنفسه قاعدة مطلقة بألا يصطحب معه الهاتف أثناء مائدة العشاء أو أثناء الاجتماعات الشخصية، أما في اجتماعات العمل فليقم المرء بوضعه مقلوبا وبإيقاف الصوت والاهتزاز أو بتركه في موقع آخر.

ويضيف أن نفس الحيلة يمكن أن تعمل على رسائل البريد الإلكتروني، بحيث يمكن إعداد الرد التلقائي مع تحديد أن يتم فحصها مرة واحدة أو مرتين في اليوم في أوقات محددة مع الالتزام بالجدول الزمني.

كما يدعو إلى شراء ساعة يد كي يتم تجنب الاعتماد على ساعة الهاتف المحمول والابتعاد عن إغراءاته، ويقول إن نفس الشيء ينطبق على ساعة المنبه.

الآباء والأبناء
كما يدعو الدكتور غريفيثس الآباء إلى تتبع استخدام الأطفال وسائل التواصل الاجتماعي، وإلى وضع قيود صارمة بشأن مدى الوقت الذي يقضونه في التعامل معها، مضيفا أن القاعدة الموصى بها هي ساعتان في اليوم.

ويدعوهم كذلك إلى الإصرار على تسلم هواتف أطفالهم قبل موعد النوم وعدم السماح لهم أبدا بجهاز ألعاب في غرفهم الخاصة.

ويقول إن الأهم هو أن يتعلم المرء الاستمتاع بالوقت بعيدا عن الشاشات، مضيفا أنه إذا كانت هناك فترات دون الهاتف لكنها تبعث على الملل والشعور بالفراغ فإنها لن تستمر على هذه الحال.

ويختتم بدعوة المرء إلى إخبار الأصدقاء بما يقوم به في هذا السياق، ويقول إنه ليس هناك ما يفرض الانضباط مثل الالتزام العام أمام الآخرين.