قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلَا تُسْرِفُوٓاْ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31].

إن هذه الآية الكريمة تحثنا على خلق حسن ألا وهو الاعتدال في العيش وتنهانا عن الإسراف والتبذير والذي يعني التفريط والتبديد بلا فائدة، ولقد أهمني ما رأيت من حولي من كثرة الإسراف والتبذير بدعوى التباهي والكبر ومجاراة لتوافه الأمور في هذه الدنيا.

انتبهوا رعاكم الله قبل أن تقرروا السير في هذا الاتجاه، وتذكّروا أن هناك الكثيرون في هذا العالم ممن يموتون جوعا وهناك الكثيرون الذين قد ينقذهم ما تقدموه لهم من قليل للقضاء على مرض أو التغلب على مشكلة حلها وجود المال، وهناك الكثير الكثير من الأمثلة التي أعجز عن تعدادها في مقال قصير.

في البداية علينا أن نفهم جميعاً أن الله سبحانه وتعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ولكن دون إسراف أو تبذير . وهذا لا يعني أن يقتّر الانسان على نفسه أو على عائلته ولكن الاعتدال مطلوب وفي كل الأمور وليس في المال فقط. فقد يكون في الأكل والشرب أو الملبس أو أي أمر آخر قال تعالى {ولا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} [الإسراء:29].

لنستعرض معنى الإسراف والتبذير في معاجم اللغة العربية

معنى الإسراف لغةً:

الإسراف: مجاوزة القصد، مصدر من أسرف إسرافًا، يقال: أسرف في ماله: عجل من غير قصد، وأصل هذه المادة يدُلُّ على تعدِّي الحدِّ، والإغفال أيضًا للشيء.

معنى الإسراف اصطلاحًا:

الإسراف: هو صرف الشيء فيما لا ينبغي زائدًا على ما ينبغي (.وهو تجاوز الحد في كلِّ فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر (.كما قيل، (الإسراف: هو إنفاق المال الكثير في الغرض الخسيس. وقيل تجاوز الحدِّ في النفقة، وقيل: أن يأكل الرجل ما لا يحلُّ له، أو يأكل مما يحل له فوق الاعتدال، ومقدار الحاجة. وقيل: الإسراف هو تجاوز في الكمية).

معنى التبذير لغةً:

التبذير: التفريق، مصدر بذَّر تبذيرًا، وأصله إلقاء البذر وطرحه، فاستعير لكلِّ مضيع لماله، وبذر ماله: أفسده وأنفقه. وكل ما فرقته وأفسدته، فقد بذرته، والمباذر والمبذِّر: المسرف في النفقة؛ وأصل هذه المادة يدلُّ على نثر الشيء وتَفْرِيقه.

معنى التبذير اصطلاحًا:

(التبذير إنفاق المال في غير حقِّه). وقيل: التبذير هو صرف الشيء فيما لا ينبغي، كما قيل: هو تفريق المال على وجه الإسراف.

ما هي أسباب الإسراف والتبذير عند البعض؟

أولا: وكما ذكرت آنفاً حب التباهي بما يملكون وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على نفس مريضة ضعيفة تحتاج إلى علاج.

ثانياً: التقليد الأعمى للآخرين دون وعي أو تقدير للأمور فكل همهم أن لا يظهروا بمظهر أقل من غيرهم.

ثالثاً: عدم تقديرهم أو فهمهم لما يملكون، فالغنى المادي قد يكون نعمة كبيرة أو نقمة  أكبر فالمال مثلاً يساعد في تلبية رغبات واحتياجات صاحبه ولكنه في ذات الوقت قد يتحول إلى نقمة إن لم يستخدم بطريقة صحيحة.

رابعا: عدم الفهم الصحيح لهذه الدنيا وكم هي فانية وأنّها دار مرور لا أقل ولا أكثر، فمن تشبث بها أهلكته ومن عمل بها متيقناً أنه تاركها لا محالة توصل إلى أن كل ما يقوم به من تعالٍ وإسراف وتبذير هو من عمل الشيطان ولن يفيده بشيء في آخرته فيتعظ ويعتدل في حياته ومعيشته.

خامساً: قد تكون صحبة المسرفين المبذرين هي سبب هذا التصرف المذموم فما يكون إلا التقليد والمجاراة لمن هم بصحبتهم فيبذرون المال هنا وهناك بدون حسبان متغافلين عن حقيقة أن المال مال الله ولا يحق لهم تبذيره بأي شكل من الأشكال.

ما هو الحل الأمثل لمسألة التبذير والإسراف؟

1- إنّ الحل ألامثل يكون بالتوعية الدينية والتي تبين أهمية الاعتدال وخطورة الإسراف أو التقتير. قال صلى الله عليه وسلم: (كلُوا واشربوا وتصدَّقوا في غيرِ مخيلةٍ ولا سرفٍ فإنَّ اللَّهَ يحبُّ أن يَرى أثرَ نعمتِه على عبادِهِ) (رواه أحمد).

2- التربية الصحيحة من قبل الأهل هي أمر في غاية الأهمية، فكما يعلّم الأهل أبناءهم أموراً حياتية مختلفة، عليهم أيضاً تعليمهم وتربيتهم على حسن إدارة أموالهم بالطريقة المثلى دون تبذير أو تقتير وكذلك حفظ النعمة وشكرها فيكبر الطفل على تقدير كل ما أعطاه الله من النعم فيشكرها. وشكر النعمة تكون بالمحافظة عليها والتصدق منها وعدم وضعها في الحرام أو تبذيرها في تفاهات ما أنزل الله بها من سلطان.

    على الأهل تعليم أبنائهم وتربيتهم على حسن إدارة أموالهم بالطريقة المثلى دون تبذير أو تقتير وكذلك حفظ النعمة وشكرها

3- وجود القدوة الحسنة، فالأب مثلا لا يسرف ولا يبذر وكذلك الأم فيكون ذلك درساً عملياً لأبنائهم. وكيف يطلب الأهل من أبنائهم وبناتهم الاعتدال إن ربّوهم على الإغداق في العطاء بلا حساب فيكبر الأبناء وليس عندهم أي تقدير لمعنى النعم.

4- مجاهدة النفس وتربيتها على الاعتدال والرضى والقناعة بالقليل.

5- الابتعاد عن المسرفين وعدم مداهنتهم أو تشجيعهم على ما يقومون به من تبذير.

هل تساءلتم يوماً عن أضرار الإسراف أو آثاره السلبية على الفرد والمجتمع؟

• يخسر المسرف محبة الله له فقد قال سبحانه وتعالى { إنّه لا يحبّ المسرفين}.

• نشر عادات وثقافات سلبية في المجتمع منها على سبيل المثال لا الحصر المغالاة في الاحتفالات بشتى أنواعها كحفلات الناجحين، أو حتى ما انتشر مؤخرا من حفلات إعلان جنس الجنين في حالة حمل المرأة، بل وفي بعض الأحيان تصل درجة المباهاة والمبالغة والإسراف في هذه الحفلات إلى حد لا يصدق. حتى أننا نرى الآن أنّ أغلبية الناس يحتفلون بمناسبات كثيرة لم نكن نسمع عنها سابقاً والتي جاءتنا كتقليد أعمى للغرب.

لننظر أيضاً إلى حفلات الأعراس عند البعض والتي قد تصل إلى أن توصف بأنها ضرب من الخيال أو أنها حكاية من كتاب ألف ليلة وليلة. كيف لهؤلاء الناس أن يرتاحوا أو يغمض لهم جفن وهم يعلمون أن هناك أطفالاً جياعاً وليس عندهم ما يسد جوعهم. كيف لنفوسهم أن تهنأ وتفرح وهناك عطشى لا يستطيعون سد رمقهم، وهم يعلمون أنهم يبذّرون ويسرفون على حفلة تدوم سويعات؟

• إن انهيار المجتمع الذي تربى أبناؤه على الإسراف والتبذير هو نتيجة حتمية لا بد منها عاجلاً أم آجلاً .
• انتشار الفساد واختفاء روح التعاون بين الناس.

• انتشار الحقد والكراهية في المجتمع فمثلاً رؤية الغني المسرف يبذر ما لديه هنا وهناك يثير حقد المحتاجين الفقراء الذين لا يملكون حتى أساسيات الحياة.

• خسارة المال وهذة نتيجة طبيعية للتبذير.

وفي النهاية لا يسعني الاّ أن أذكّركم ونفسي بتقوى الله والتي هي أساس حياتنا قولاً وعملاً. لنتق الله فيما نملك فلسوف يأتي يوم نسأل فيه عن مالنا وكيف صرفناه ومن أين حصلنا عليه، سنسأل عن كل نعمة فرطّنا بها فلنتق الله.

لنتق الله في أنفسنا فلا نهلكها في التبذير والإسراف فالنفس البشرية ضعيفة إن اعتادت على شيء ألفته. لنتق الله في أبنائنا ولنكن قدوة صالحة يحتذى بنا فلا نقول ما لا نفعل ولنعلمهم أن دين الاسلام هو دين الاعتدال والوسطية في كل شيء ولا ننسى قوله جلّ وعلا: {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء:26-27].