- يصادف اليوم 3 يوليو الذكرى السنوية السابعة للانقلاب العسكري في مصر
- تركيا تعرضت أيضا للانقلابات أكثر من مرة على يد شبكات الخونة المتغلغلة في الجيش، والأطراف الداعمة لها إعلاميا وتجاريا
- التاريخ يشهد بأن أسوأ الديمقراطيات أفضل من أنجح انقلاب عسكري
- تجربة مصر المريرة مع الانقلاب العسكري مشابهة تماما لانقلاب عام 1960 في تركيا
- الولايات المتحدة وأوروبا والمملكة العربية السعودية والإمارات وإسرائيل من أكبر الداعمين للانقلاب في مصر
- الدول ذاتها دعمت محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف يوليو 2016، واليوم تواصل أيضا دعمها للجنرال الانقلابي خليفة حفتر في ليبيا

بقلم: جمال غوزال - محلل سياسي تركي

علمتنا السنوات الماضية الكثير، فعلى الرغم من كون الإنسان يتميز بالنسيان، إلا أن هناك بعض الأحداث يجب علينا عدم نسيانها من أجل بلدنا ومستقبلنا، وإلا نكون قد وقعنا في خيانة الأجيال القادمة.

ويعد الانقلاب العسكري في مصر واحدا من هذه الأحداث المهمة، حيث ينبغي علينا عدم نسيان كيف وقع الانقلاب والمرحلة التي أفضت إليه، والجهات التي خططت له، وكيف تم الدهس على الديمقراطية.

ويصادف اليوم 3 يوليو الذكرى السنوية السابعة للانقلاب العسكري في مصر.

الكثير من الأشخاص الذين هيأوا الأرضية لمرحلة الانقلاب، يعيشون اليوم في عار وخجل كبيرين، لكن يجب عليهم أن يعلموا أن أحفادهم سيعيشون العار ذاته، وإن من يعتقد بأنه يتمتع بالقوة والعظمة اليوم سيواجه عاجلا أم آجلا تلك اللحظة التي سيدفع فيها ثمن الانقلاب غاليا، تماما كما حدث في تركيا عام 1982.

حيث خضع منفذو الانقلاب العسكري في تركيا بتاريخ 12 سبتمبر 1982، للمحاكمة بعد حوالي 30 عاما، ودفعوا ثمن خيانة الوطن غاليا، كما تمت إزالة اسم كنعان إفرن من الساحات والشوارع، وقضى آخر سنواته وسط العار والذل، وهو الذي قاد الانقلاب عندما كان يشغل منصب رئيس الأركان وأصبح رئيسا للجمهورية التركية فيما بعد.

تركيا تعرضت للانقلابات أكثر من مرة على يد شبكات الخونة المتغلغلة في الجيش، والأطراف الداعمة لها إعلاميا وتجاريا، فضلا عن المدنيين المؤيدين المهرولين وراء تحقيق مصالحهم الشخصية.

فنتيجة للانقلاب العسكري الواقع بتاريخ 27 مايو 1960، تم إعدام رئيس الوزراء عدنان مندريس، وهو الذي أحدث نقلة نوعية في تاريخ تركيا من خلال مئات المشاريع الكبرى في شتى المجالات من صناعة وزراعة وصحة ونقل، إلى جانب كل من وزيري المالية حسن بولاتكان، والخارجية فاتح رشدي زورلو.

ولفق الانقلابيون وداعموهم حينها الكثير من الأسباب التي دفعتهم للانقلاب، حيث سعوا جاهدين لإقناع الشعب بأنها ثورة وليست انقلابا، لكن دون نتيجة، إذ واصل الشعب التركي ذرف الدموع لسنوات طويلة حزنا على إعدام مندريس وصاحبيه، في حين يعيش منفذو ذلك الانقلاب وأبنائهم اليوم في عار، وتم من جهة أخرى نقل رفات رئيس الوزراء الراحل إلى المقبرة الواقعة بالقرب من جادة وطن، وسط إسطنبول، بعد سنوات طويلة من إعدامه، ومن تجليات القدر أن مندريس كان هو من أنشأ تلك الجادة في سنوات حكمه.

ولعل التاريخ يشهد بأن أسوأ الديمقراطيات أفضل من أنجح انقلاب عسكري، والشعب التركي أدرك هذه المقولة جيدا بعد تعرضه لانقلابين عسكريين، و"انقلاب المذكرة"(أي الجيش يخطر القيادة السياسية بالإقالة أو التنحي) مرتين أيضاً، فضلا عن محاولة انقلاب فاشلة.

فالانقلابات جعلت تركيا والشعب التركي يخسران عشرات السنين، وهذا هو السبب الرئيسي الكامن وراء تصدي كافة أبناء الشعب لمحاولة الانقلاب الأخيرة بتاريخ 15 يوليو 2016.

للأسف، تعيش مصر هذه التجربة المريرة من الانقلاب بأسوأ أشكالها، فتماما كما حدث في تركيا لدى وقوع انقلاب 1960، يدعي الجيش المصري والأطراف المعارضة للديمقراطية الداعمة له، أنها ثورة وليست انقلابا، لكن الحقيقة تقول أنها كذبة في غاية الوضوح، وسيظهر أثرها لدى فوز الديمقراطية بالحكم في مصر مجددا.

إن شعوب جميع البلدان المتقدمة تدرك أن ما جرى في مصر هو انقلاب عسكري، وإن محاولات الإعلام المصري الذي بات أداة للبروباغندا وتنفيذ أجندات محددة، لخداع الشعب المصري، تبدو غير مفهومة، إذ تبدو الحقيقة واضحة وضوح الشمس، وهذا ما أكدته تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، عندما أعلنت أن ما جرى في مصر انقلاب عسكري وليس ثورة.

وينبغي تحليل المرحلة المؤدية إلى انقلاب 3 يوليو في مصر بشكل جيد، وبات واضحا أنه تم تخطيط الانقلاب في الولايات المتحدة والعواصم الأوروبية، وليس في مصر.

واتخذ قرار الانقلاب على الرئيس محمد مرسي وإبعاد الإخوان المسلمين عن السلطة، مباشرة بعد انتخابه كأول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في مصر عام 2012. لأنه لو لم يتم اتخاذ هذا الإجراء فلا يمكن لأحد أن يوقف رياح الديمقراطية التي بدأت تعصف بالأنظمة الديكتاتورية في دول عربية وخليجية.

وكان لا بد من تحضير الأرضية وإيجاد معارضة داخلية، حيث تم إنشاء منصة تحت مسمى "جبهة الإنقاذ الوطني" تتكون من ثلاثة شخصيات هم زعيم التيار الشعبي حمدين صباحي، ووزير الخارجية الأسبق عمرو موسى، ورئيس وكالة الطاقة الذرية الأسبق محمد البرادعي.

وحظي الأسماء الثلاثة بدعم كبير من رجال أعمال مصريين ووسائل إعلام، مثلما كانت الجماعات اليسارية في تركيا تقدم أيضًا دعمًا مكثفًا للانقلاب العسكري. وكان الهدف الوحيد للاحتجاجات التي بدأت يوم 22 نوفمبر 2012، إبعاد مرسي والإخوان المسلمين عن السلطة بأي ثمن، دون أن تعني لهم حصوله على أكثر من 51 بالمئة، من الأصوات أي شيء.

وعندما دعا الرئيس المنتخب محمد مرسي إلى حوار وطني في 8 ديسمبر 2012، جميعهم قاطعوا هذا الاجتماع، واستمر مشروع تصعيد التوتر شهورا إلى أن انتهى أخيراً في 3 يوليو 2013 بالإعلان عن سيطرة الجيش على مقاليد السلطة.

وبالنتيجة تحقق الانقلاب وتمت الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي ووضعه في تحت الاعتقال، وإثر ذلك خرج عدد كبير من الشعب المصري إلى الشوارع احتجاجا على الانقلاب وبدأت الاعتصامات والاحتجاجات المناهضة للانقلاب في كبرى ميادين القاهرة.

وفي 14 أغسطس 2013، فضت قوات من الجيش والشرطة المصرية اعتصامي أنصار محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب، في ميداني "رابعة العدوية" و"نهضة مصر" بالقاهرة الكبرى.

وأسفرت عملية الفض عن سقوط 632 قتيلا، منهم 8 شرطيين، حسب "المجلس القومي لحقوق الإنسان" (حكومي)، -إلا أن الشرطيين لم تذكر أسماءهم ولا يعرف من هم إنما هو رقم بلا جثث حقيقية- في الوقت الذي قالت منظمات حقوقية محلية ودولية (غير رسمية) إن أعداد القتلى تجاوزت الألف.

وكانت الولايات المتحدة وأوروبا والمملكة العربية السعودية والإمارات وإسرائيل من أكبر الداعمين للانقلاب في مصر، حيث أخذوا جميعهم نفسًا عميقًا بعد تحققه.

كما أن الدول ذاتها دعمت محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف يوليو 2016، واليوم تواصل أيضا دعمها للجنرال الانقلابي خليفة حفتر في ليبيا.