الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الواثق بربه، سيدنا محمد عليه أفضل الصّلاة وأتّم التّسليم، أمّا بعد...

أكتب هذه الكلمة وأنا أنظر في أركان بيعتنا العشرة متناولاً آخر ركنٍ فيها، ذلك أنه إذا صحَّت البدايات صحّت النهايات بإذن الله، أقصد بذلك ركن الثقة، إنّه ركن الجبال الرواس، فالثقة كلمةٌ فيها من القوة والاختزال ما يوحي إلى قوة المعنى وعمق المدلول، كيف لا وهي نتيجة طبيعية وثمرة لما قبلها من أركان.

وأريد بالثقة اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه، اطمئنانًا عميقًا ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة ، يقول تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، فالثقة بالقيادة من مقتضيات الإيمان، والتسليم لحكم القيادة من غير حرج من مقتضيات الجندية الصادقة.

ولا تنفك الثقة عن أخواتها من الأركان الأخرى، لأنه بالفهم يبدأ أمر دعوتنا وبالثقة ينتهي، وفهم الواثق فهم راسخ له جذورٌ ممتدة في نهر الدعوة المتدفق، كما تمثّل سياجًا يحمي كافة أركان بيعتنا، وإطارًا يقيها خطر التفتت والانقراض؛ لذا فإنّ الذين يعادون الدعوة يمارسون ضغطًا كبيرًا على وتر الثقة أملاً بنسف باقي الأركان، لتكون النتيجة في النهاية جنودًا لا يثقون بقيادتهم أو منهجهم، وبالتالي لا يقومون على التكليفات، فتنتفي عنهم صفة الجندية التي تعني الاستعداد المطلق لإنفاذ الأمر.

    إنّ الذين يعادون الدعوة يمارسون ضغطًا كبيرًا على وتر الثقة أملاً بنسف باقي الأركان، لتكون النتيجة في النهاية جنودًا لا يثقون بقيادتهم أو منهجهم، وبالتالي لا يقومون على التكليفات، فتنتفي عنهم صفة الجندية التي تعني الاستعداد المطلق لإنفاذ الأمر

والثقة المطلقة ليست اتباعًا أعمى، أو تسليمًا مطلقًا أو تقليدًا أو أوهامًا أو شعارات، ولكنها اتباع على بصيرة وعلم ورأي، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّه عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّه وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108]، ويجب ألا تتحقق إلا بعد وزن الأمور بميزان الشرع والعقل والمنطق، واليقين التام بأن الموثوق به أهل لهذه الثقة منهجًا كان أم قيادة.

اعلموا بأنّ الثقة بمفهومها العام لها ميادين شتّى ومجالات متعددة، منها الثقة في الطريق، والثقة في المنهج، والثقة في القيادة، والثقة في رفقاء الطريق من أبناء الدعوة، والثقة في وعد الله بنصر دينه ودعوته ، وكلها ميادين مترابطة ومتقاطعة، كما يجب أن تكون ثقة متبادلة، فعلى القيادة مسئولية تنمية الثقة لدى أبنائها، لذلك يقول الإمام الشهيد حسن البنا -رحمه الله-: " القائد جزء من الدعوة فلا دعوة بغير قيادة، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة النظام للجماعة وإحكام خططها ونجاحها في الوصول إلى غاياتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات وصعاب "فأولى لهم طاعة وقول معروف".

إخواني الكرام... إنّ الدّعوة اليوم تمرّ بمفترق طرق، ولن ينقذها إلّا أن تمدّ جذورها في أعماق التربية الأصيلة، تربية تقوم على المنهج الإسلامي الوسطي الأصيل الجهادي، وتعزيز ذلك بمراكمة الخبرة والفكر المستمد من القادة الشهداء ومن سار على دربهم من القادة العظام.

إخواني الأحباب... إنّ قيادتكم تثق بكم، فعلى قدر الثقة المتبادلة بيننا وبينكم تكون قوة نظام الدعوة، وإحكام خططها، ونجاحها في الوصول إلى غاياتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات، فالثقة متبادلة؛ يحرص القائد والمربي أن يحققها في نفسه ويربي عليه إخوانه.

ختاماً... إن ما يعيننا على تحقق الثقة بيننا، هو أن نتعارف جيدًا مع بعضنا، ونتعايش طويلاً، ونتناصح دائمًا، ونتعاون كثيرًا، ونتسامح دائمًا، ونلتف حول قيادتنا، ونتمسك بمبادئنا ، عندئذٍ تحدث الألفة وتتحقق المحبة، وتنمو الثقة ويقوى الصف أمام المحن والفتن، وقبل كل ذلك وبعده نقبل على الله بقلوبنا ونلهج إليه بألسنتنا بأن يصلح ذات بيننا، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن يوحد صفنا، ويقوي جمعنا، وأن يحفظ دعوتنا، ويوفق قادتنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.