وافق مجلس النواب في روسيا على مسودة قانون لتطبيق إجراءات لعزل البلاد عن شبكة الإنترنت العالمية، وتفعيل "إنترنت سيادي".

وجاء في المسوّدة أن الخطوة تهدف لجعل البلاد في موقع أفضل لصد أي هجمات إلكترونية محتملة من الخارج، خاصة من أمريكا.

وأثارت هذه الخطوة تساؤلات عن قدرة روسيا من الناحية التقنية تحقيق هذا الانفصال عن الشبكة العالمية، وهل يمكن بهذه الخطوة أن تحمي أمنها القومي المعلوماتي؟.

ممكن تقنيا

ويرى الخبير في الإعلام الرقمي بسام شحادات "أنه يمكن لروسيا من الناحية التقنية انشاء شبكة محلية أو سيادية خاصة بها".

وتابع شحادات: "باستطاعة روسيا أيضا قطع الانترنت العالمي بشكل كامل عن اراضيها ومواطنيها، واستبداله بشبكة محلية أو سيادية، بحيث تكون أما معزولة بشكل كامل وأما متصلة وفق شروطهم الخاصة".

وأشار شحادات إلى أن "الخطوة التي تنوي روسيا القيام بها ليست الأولى، حيث سبقتها في ذلك دول أخرى، فمثلا تمتلك كوريا الشمالية شبكة تعتبر أكثر تقييدا وانغلاقا وانعزالا عن العالم، والصين أيضا عندها شبه انعزال عن العالم الرقمي الخارجي، حيث يُسمح للمواطنين بالدخول لبعض المواقع، وإيران عندها تجربة في هذا الأمر".

وخلص بالقول: "بالتالي الأمر يمكن تحقيقه تقنيا، واعتقد أن دولة مثل روسيا قادرة بإمكانيتها التقنية والمعرفية القيام بعزل الشبكة الخاصة بهم عن العالم الخارجي، وأيضا يمكنها حماية شبكتها الداخلية".

أسباب سياسية وتقنية

من جهته قال الباحث في العلاقات الدولية والأمن السبراني نبيل عودة: "إنشاء شبكة خاصة بروسيا يأتي فقط كحماية لبنيتها الرقمية الخاصة وتحديدا المعلومات التي تتعلق بالأمن القومي الروسي، ولكن لن تستطيع إطلاقاً عزل نفسها عن الشبكة العالمية، فهذا الكلام يتنافى مع أهم ميزة للانترنت وهي الانفتاحية والعالمية والوصولية، لذلك برأيي هي لن تنفصل تماما".

وأوضح عودة بأن "بنية الانترنت عالمية وتصميمها الأساسي قائم على مبدأ اتصال عدد هائل من الحواسيب مع بعضها البعض على الشبكة، وهي قائمة على الانفتاحية والتواصلية والعالمية، والآن الروس والصينيين يحاولون الان عمل سيرفرات ضخمة خاصة بهم تبعدهم عن الموجودة في الغرب وخاصة التي في أمريكا، ومن الناحية التقنية يستطيعون ذلك".


وأضاف: "ولكن على الرغم من سعيهم لإنشاء شبكة خاصة بهمم سيبقون متصلين مع الانترنت العالمي، ولكن فيما يتعلق بالأمن القومي الروسي ومعلوماته سيكون هناك شبكة خاصة بحيث يصعب الوصول اليها او استهدافها من قبل خصومهم".

دوافع سياسية

وأشار إلى أن القرار الروسي جاء لعدة أسباب منها تقنية وبعضها سياسي، حيث يمكن أن يكون لديها سيرفرات خاصة من الناحية التقنية، وإن كان لا يمكن فصلها عن الشبكة العالمية، وقد فعلت ذلك الصين من قبل حيث يوجد لديها شبكة ومحركات خاصة بها".

وتابع عودة: "وتأتي هذه الخطوة ضمن منهجية عالمية تبنتها روسيا والصين في مسألة الانترنت القائم على أساس أن تكون الشبكة خاضعة لسيادة الدولة الخاصة بها، وليس سيادة أمريكا المسيطرة على الانترنت بوضعه وبنيته الحالية، وهذا ما يرفضونه، ولذلك يسعون لإيجاد بدائل تقنية لحماية معلوماتهم وبنيتهم الرقمية".

وأضاف: "أيضا أي تحرك يختص بالانترنت له ابعاد وخلفيات سياسية، خاصة في ظل تدخله بعالم التنافس السياسي منذ اكثر عشر سنوات، وكما ذكرت فأن روسيا والصين تسعيان إلى فرض حالة من الجغرافية الرقمية على الانترنت ومحاولة اخذه بعيدا عن الهيمنة الأمريكية".

وأوضح أن سبب الرغبة الروسية أيضا "محاولة من موسكو لصد أي هجوم مضاد من قبل أمريكا خصوصا على خلفية الاتهامات الأخيرة لها بأنها قد أثرت على مجرى الانتخابات الأمريكية عام 2016".

وأكمل: "ووفق لأخر تقرير للأمن القومي الأمريكي لن تكتفي واشنطن في سياستها السبرانية الجديدة فقط بالدفاع، وإنما سوف تتبنى سياسة هجومية، ولذلك الروس يتوقعون هجمات أمريكية مضادة، وهذا سيجعلهم بموقف الضعف خاصة إذا أردنا أن نقارن بين القدرات التقنية بين الصين وروسيا من جهة وبين أمريكا من جهة أخرى".

ولفت إلى أن "هناك حرب إلكترونية باردة بين روسيا وأمريكا، وبدأت بعد الحديث عن تدخل روسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016، وهي ستستمر وستزداد قوة في الانتخابات الأمريكية 2020".

حماية منقوصة
 
وحول إذا ما كان تأسيس شبكة خاصة بروسيا سيحمي أمنها الالكتروني قال الباحث في العلاقات الدولية والأمن السبراني نبيل عودة: "الحماية الالكترونية التامة اصبحت أمراً من الماضي وحلم صعب تحقيقه، ولا يمكن أن يكون هناك قدرة تامة على حماية المعلومات والبنية الرقمية، لأن هناك امكانية للوصول والاختراق حتى لو لم تكن الشبكة متصلة بالانترنت".

وتابع: "ومثال ذلك الهجوم الذي تعرضت له إيران في 2010 حيث كانت الفيروسات قادرة على الوصول للسيرفرات الإيرانية في المشروع النووي، بالرغم من عدم اتصالها بالانترنت، ولكن الأمر يتعلق بمحاولة تخفيف الأضرار وتصعيب الوصول إلى الاهداف المطلوبة".

بدوره قال خبير أمن المعلومات عمران سالم: "لو تمكنت روسيا من عمل شبكة خاصة بهم والتي هدفها الوقاية من الهجمات الخارجية، لا أعتقد أنهم بهذه الخطوة سيستطيعون حماية أمن معلوماتهم، لأن أن هناك أيضا اخطار داخلية".

وتابع سالم: "بالتالي إنشاء روسيا لشبكة داخلية لا يمنع اختراقها من الداخل عبر عملاء يمكن أن يدخلون البلاد ويتغلغلوا في الشبكة ويخترقوها".

وختم حديثه بالقول: "برأيي هذا التوجه غريب لأنه لا قيمة له في ظل احتمالية وجود تهديد داخلي، طبعا مع عدم وجود وضوح حول آلية عمل هذه الشبكة تبقى نسبة الخطر الداخلي غير معروف، وأيضا مدى نجاح فكرة الفصل الكامل عن الشبكة العالمية تبقى غير معروفة".

الجدير بالذكر أن الصين قامت بتجربة مماثلة، حيث أنشأت نظام رقابة واسع باسم "غريت فايروول"، ويمنع هذا النظام المواطنين من الدخول لبعض المواقع منها سياسية وأيضا بعض مواقع التواصل الاجتماعي.