رصد مختصون مصريون تعمد وسائل الإعلام الرسمية والمملوكة لأجهزة المخابرات المصرية، إبراز العديد من القضايا، بعضها مفتعل، لإلهاء الرأي العام عن التعديلات الدستورية المرتقبة، وجذب الرأي العام لقضايا هامشية، بعيدا عن القضية الأبرز وهي استمرار حكم عبد الفتاح السيسي لعام 2034.

ووفق المختصون فإن الإعلام المصري سخر كل إمكانياته خلال الأيام الماضية لإبراز خمسة ملفات رئيسية، كانت محور الاهتمام الأول للشعب المصري، في الوقت الذي يتوارى فيه ملف التعديلات الدستورية.

وحسب رصد خبير التخطيط التلفزيوني وصناعة الرأي العام، يوسف الحلواني، تأتي قضية الفيلم الإباحي المتورط فيه البرلماني التابع للانقلاب والمخرج خالد يوسف، بمقدمة القضايا التي تم التركيز عليها لإلهاء الرأي العام مؤخرا.

ويرى الحلواني أنه بالرغم من أن القضية ارتبطت برفض يوسف للتعديلات الدستورية، إلا أن أسلوب تناول الإعلام التابع للنظام الحاكم، وضعها في مربع منفصل، بعد أن وفَّر لها كل أساليب التشويق الإعلامي، وهو ما لم يتحقق في قضية أخرى مشابهة متعلقة بالبرلماني اليساري هيثم الحريري، التي لم تحظ قضيته بنفس القدر من الإهتمام، وإن كانت شغلت أيضا حيزا لدى الرأي العام.

ويضيف الحلواني أن أزمة الدوري المصري لكرة القدم، تأتي في المرتبة الثانية لشغل الرأي العام، حيث ركز الإعلام بمختلف أشكاله على أزمة جدول الدوري والتحكيم والسجال الدائر بين النادي الأهلي من جهة، ورئيس نادي الزمالك مرتضى منصور ومالك نادي بيراميدز تركي آل الشيخ من جهة ثانية، ورغم أن الخلافات ليست جديدة، إلا أنه تم التركيز عليها بشكل احتل مساحات واسعة في البرامج التلفزيونية والإذاعية والصحف والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الإجتماعي.

قضايا هامشية


ويؤكد خبير الحملات الإعلامية أنه قبل اختفاء بريق القضايا السابقة، بدأت تظهر بالساحة الإعلامية قضايا أخرى، أصحابها لهم صلات واضحة بأجهزة الدولة المختلفة، مثل قضية الملحدين التي فجرها الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو لجنة الخمسين لدستور 2014 سعد الدين الهلالي، وهي القضية التي بدأت تشغل مساحات كبيرة لدى الرأي العام.

ووفقا للحلواني فقد تزامن مع موضوع الملحدين الذي يتبناه الهلالي، موضوع آخر ليس له أي محل من الإعراب، وهي القضية التي فجرها قبل أيام إمام مسجد قباء بالمدينة المنورة، صالح المغامسي، بأن الذبيح الذي ذكره الله في القرآن الكريم هو إسحاق بن إبراهيم وليس إسماعيل بن إبراهيم، عليهم السلام، ورغم أن القضية ظهرت بالسعودية إلا أن التركيز عليها كان بالإعلام المصري، الذي استضاف العديد من الدعاة والعلماء والمؤرخين للبحث والتنقيب في حقيقة القضية وأصلها.

ويعد الصراع بين الجنيه والدولار ضمن القضايا التي رصدها الحلواني، بقائمة القضايا التي تم التركيز عليها بشكل موسع، وفي ظل تزامن انخفاض الدولار أمام الجنيه للمرة الأولى منذ عامين، مع صرف الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي، حاولت الحكومة إبرازه على أنه إنجاز يحسب لها.

خطة تمرير التعديلات


وفي تحليله للرصد السابق يؤكد الباحث السياسي عاطف البيومي أن نظام الانقلاب العسكري برئاسة السيسي وضع خطة محكمة لتمرير التعديلات الدستورية، بدأت بالتمهيد لها وتهيئة الرأي العام لقبولها، ما جعل الجميع ينتظر في النهاية ظهور التعديلات للنور.

ويضيف البيومي أن الخطوة الثانية في الخطة، كانت الترويج للتعديلات باعتبارها الحل لمشاكل مصر، وأنها غير مرتبطة بمدد الرئاسة، وإنما لعلاج الخلل الدستوري والتشريعي الذي خلفه دستور 2014، ثم جاءت المرحلة الثالثة من الخطة وهي تجييش الرأي العام لتمرير التعديلات دون مشاكل، حسب المناخ الذي يحيط بها.

ويؤكد البيومي أن سيطرة نظام السيسي على الساحة الإعلامية منذ الأيام الأولى لانقلابه، ساعده كثيرا في تشكيل الرأي العام كما يريد، بعد أن امتلك مفاتيح الصحافة والإعلام، وحتى ساحات الفضاء الإلكتروني واجهها بعنف شديد بترسانة القوانين التي وضعها لملاحقة الناشطين إلكترونيا، واعتقال المئات منهم وتهديد من لم يتم اعتقاله.

ويضيف الباحث السياسي أن هذه التعديلات ينتظرها السيسي منذ اليوم الأول لتوليه الحكم في 2014، وقد استخدم في سبيل الوصول إليها الكثير من الإجراءات التي كان يمكن أن تعصف به هو نفسه، وقدم من أجل تمريرها العديد من التنازلات الهامة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبالتالي فإنه يستخدم كل الوسائل السياسية والأمنية والقضائية والإعلامية للوصول بها للمحطة النهاية وفقا التصور الذي وضعه لها منذ البداية.

وعن تأثير هذه الحملات على تشكيل قناعات الجمهور، يؤكد الشامي أن المصريين يعيشون أسوء مراحلهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، ولا يكاد يفيقون من كارثة حتى يجدوا أنفسهم في مصيبة أخرى، كما أن غياب السياسيين والمعارضين الحقيقيين عن المشهد، جعل الشعب منقسم لعدة اتجاهات، الأول مؤيد للتعديلات لارتباطها بمصالحه، والثاني رافض ولكنه لا يملك وسائل للتعبير عن رفضه، والثالث متفرج وينتظر النتائج النهائية، لانشغاله بلقمة عيشه وخوفه من بطش النظام.