قال وزير التخطيط والتعاون الدولي المصري الأسبق د. عمرو دراج، إن مقابلة عبد الفتاح السيسي مع قناة "سي بي إس"، أظهرته غير مرتاح وهو يكذب ويتهرب من الإجابة على الأسئلة، ويهون من شأن الجرائم الكثيرة التي ارتكبها منذ أن وصل إلى السلطة في عام 2014 عبر انقلاب عسكري ضد محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا.

ورأى دراج في مقال نشرته صحيفة "ذي هيل" البريطانية، تحت عنوان "ليس بمقدورنا تحمل دولة فاشلة أخرى في شمال أفريقيا"، أن التوقعات المقبلة لمصر شديدة القتامة في ظل وضع مزري للبلاد تحت وطأة حكم الدكتاتور العسكري الفاشي المدعوم من قبل أمريكا وأوربا، مما ينذر بانفجار 100 مليون مصري بشكل مروع لا يعلم مداه إلا الله، ولكن من المؤكد أنه سيترك أثرا بالغا على البلاد المحيطة به، بل سيصل تأثيره إلى كل بقاع الأرض.

النص الكامل للمقال

ليس بمقدورنا تحمل دولة فاشلة أخرى في شمال أفريقيا


في مقابلته مع قناة سي بي إس، بدا الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي تحول إلى رئيس، غير مرتاح وهو يكذب ويتهرب من الإجابة على الأسئلة، ويهون من شأن الجرائم الكثيرة التي ارتكبها منذ أن وصل إلى السلطة في عام 2013 عبر انقلاب عسكري ضد الدكتور محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا. ولذلك لم يكن مفاجئا أن يطلب من قناة سي بي إس عدم بث المقابلة، في سابقة هي الأولى في تاريخ برنامج "ستون دقيقة"، ولربما ظن أن بإمكانه أن يفعل ذلك وهو الذي يتحكم بسائر وسائل الإعلام داخل مصر.

ولكن لم يكن مفاجئا أيضا أن يوافق على إجراء المقابلة في المقام الأول، ولعله انطلق في ذلك من يقينه بأن الولايات المتحدة "صديق وحليف كبير" للسيسي، كما قال الرئيس ترامب نفسه، ولا أدل على ذلك من أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو شد الرحال هذا الأسبوع إلى القاهرة لكي يطمئن حلفاء أمريكا بأنهم يحظون بالدعم الكاملة للإدارة الأمريكية.

ولكن، أيا كانت الزاوية التي تنظر منها إلى الأمر، ومهما قلبته يمنة ويسرة، فلن ترى في حكم السيسي لمصر سوى كارثة ماحقة على الديمقراطية، حيث شهد عهده تدميرا شاملا للمجتمع المدني، وتحولت البلاد إلى سجن مفتوح، وبات التعذيب والقتل من أدوات السلطة في التعامل مع الناس. يقبع داخل السجون الآن ما لا يقل عن ستين ألف سجين رأي، بمن فيهم عدد كبير من الشخصيات البارزة؛ مثل الكاتب مصطفى النجار، بينما تعرض مئات الشباب المصريين الآخرين للإخفاء القسري. في هذه الأجواء يتم اعتقال النساء اللواتي يشكين من التعرض للتحرش الجنسي، ويوجد في سجون مصر الآن من الصحفيين المتهمين بنشر الأخبار الكاذبة أكثر بكثير مما يوجد في سجون العالم الأخرى. أما مسرحية الفوز الساحق للجنرال السيسي في الانتخابات، فلا تعدو كونها إهانة أخرى للقيم التي كانت ذات يوم راسخة في هذا البلد العظيم.

بحسب مشروع الإنذار المبكر، تأتي مصر في المرتبة الثالثة في قائمة الدول التي يحتمل أن تشهد عمليات قتل جماعية في هذا العام أو العام المقبل. ويقولون إن ثمة احتمالا واحدا من أربعة – وهو يفوق ما عليه الوضع في العراق أو سوريا، حيث تدور رحى حرب أهلية – أن تندلع موجة جديدة من العنف الشديد وعلى نطاق واسع. ويقدرون أن مثل هذا العنف يمكن أن يصدر إما عن السلطات الحاكمة أو عن عناصر فاعلة من خارج الدولة. ولذلك تسود مصر الآن حالة مرعبة من الترقب وعدم اليقين، وتقف البلاد على حافة التحول إلى دولة فاشلة أخرى.

ما على المرء سوى أن يوجه نظره إلى الجوار الغربي لمصر ليرى التداعيات المحتملة لمثل هذا الحدث. فبعد التدخل الدولي في ليبيا، حاول ملايين الليبيين والأفارقة الآخرين شق طريقهم باتجاه أوروبا في رحلة بالغة الخطورة. وفي أجواء انعدام سيادة القانون التي ظلت مهيمنة على الوضع الليبي، انخرطت الأحزاب التي تمارس العنف، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية، في تنافس محموم على النفوذ والتحكم بمقاليد الأمور داخل البلاد، وبرز من تحت الأنقاض جيل جديد من الغوغائيين والطغاة المتأهبين، مثل ذلك الممقوت الجنرال حفتر. وأما السلطات والوكالات الدولية، التي عجزت عن تقديم أي دعم ذي معنى، فلم تملك سوى التراجع والوقوف موقف المتفرج لا أكثر.

ولكن مصر ليست ليبيا، وحينما ينهار بلد تعداد سكانه مائة مليون – مقارنة بليبيا التي لا يتجاوز عدد سكانها ستة ملايين – فإن العواقب ستكون طامة وستبلغ في آثارها ما يستعصي على الوصف. من شأن أزمة الهجرة وحدها أن تهز أركان جيرانها وأركان الأقطار الأوروبية. ولك أن تتصور ماذا يمكن أن ينجم عن أدنى مستوى من الإرهاب المتسرب بين أمواج البشر، الباحثين عن ملاذ آمن من تصاعد للتيارات القومية داخل القارة الأوروبية وفي الولايات المتحدة وفي غيرها من الأماكن.

إلا أن فرنسا وألمانيا وإيطاليا – ورغم التوتر الذي خلفته جريمة قتل جوليوريجيني والتنديد الصادر عن الاتحاد الأوروبي بما يرتكب من انتهاكات لحقوق الإنسان داخل مصر – سعت إلى تدليل السيسي واسترضائه المرة تلو الأخرى، اعتقادا منها بأنه قادر على الحفاظ على تماسك البلد بالرعب والقوة وحدهما، الأمر الذي شجع السيسي على التمادي وعلى إحكام قبضته على مقاليد الأمور وتحويل المزيد من موارد الدولة إلى جيوب الجيش، وهي الموارد التي كان من الأولى إنفاقها على المدارس والمستشفيات. ومازال الرئيس ترامب يصف السيسي "بالشخص المذهل" ومازالت المساعدات العسكرية تنساب على مصر.

وطوال هذا الوقت، لم يكتف السيسي بإظهار رغبته الجامحة في اللجوء إلى العنف، بل كشف عن عجزه الفاضح وعدم أهليته ليكون زعيما للبلاد، وهو الذي أمر بتنفيذ مشاريع لم تخضع لأدنى متطلبات الدراسة وتقدير الجدوى، ومنها مشروعه الضخم لتطوير منطقة قناة السويس الذي انطلق دون أن يتوفر له الحد الأدنى من الاستشارات المالية، ولم تكن الواردات السنوية المتوقعة، التي قدرت بمبلغ 12.5 مليار دولار سوى صرحا من خيال فهوى. ثم أنفق بسرف شديد على تشييد عاصمة جديدة من الصفر متجاهلا كل التحذيرات بعدم توفر ما يكفي من التمويل الحكومي لمثل هذا المشروع. تتجلى تأثيرات هذا العجز وانعدام الأهلية، فيما تعرضت له الطبقة الوسطى في مصر من تآكل سريع، حيث بات معظم المصريين الآن يعيشون تحت خط الفقر.

بسبب كل العوامل المذكورة آنفا، يمكن لمصر في هذه اللحظة أن تنفجر وتعمها الفوضى والعنف. والأغلب أن الدعم المستمر الذي يحظى به الجنرال السيسي لن يؤدي إلا إلى الفشل التام للدولة المصرية. ولو حصل ذلك، فلن يكون المآل كما شهدنا في ليبيا، بل أسوأ بكثير. وسيشعر الناس بالاهتزازات والارتدادات الناجمة عن ذلك في أقاصي الأرض. وستجد منطقتنا، التي يحيط بها العنف والقمع من كل مكان نفسها على حافة هاوية، لم يسبق لها أن أشرفت عليها في تاريخها المديد.