تخضرّ إشارة المرور بالشارع الرئيسي في حي تسلندورف البرليني، فتبدو روكسانا تيميز وأطفالها الثمانية خلال سيرهم واحدا خلف الآخر أشبه بمعلمة برفقة تلاميذ فصلها، لكن التشابه الشديد بين ستة من الأطفال سرعان ما تكشف أنهم توائم، فتتبدل نظرات المتطلعين لهذا الموكب الغريب من الفضول إلى مزيج من الإعجاب والاستغراب.

وتتجاوز نظرات عابري الطريق صف الأطفال السائرين إلى أمهم التي يلفت حجابها الأنيق مزيدا من الأنظار إليها وصغارها في طريقهم لمشاهدة فيلم دعتهم إليه سينما مجاورة لمنزلهم بمناسبة مرور 10 سنوات على ميلاد التوائم. وذكر العرض السينمائي المجاني روكسانا باهتمام إعلامي وطبي واسع واكب ولادتها توائمها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتخصيص المذيع التلفزيوني الألماني الشهير توماس جوت شالك حلقة من برنامجه الشهري المباشر لجمع الهدايا والملابس لمواليدها.

وبعد العودة من السينما احتفلت زينب وأسماء ورنا وزهراء وأحمد وآدم ببلوغهم العاشرة مع والديهم وشقيقتهم الكبرى مريم وشقيقهم الأصغر مالك، بحضور ثلاث قنوات ألمانية وتركية وبولندية تعكس الاهتمام الإعلامي بتطور حياة توائم برلين الستة بعامهم العاشر.

وتأسف أحمد من عدم تمييز والديه مناسبة مرور 10 سنوات على مولده وأشقائه الخمسة بـ "تورتة " لكل واحد منهم، فردت الأم أن هذه الأمنية تعد ترفا لا تتحمله أسرتهم كبيرة العدد متواضعة الإمكانيات المادية.

وتقول روكسانا -للجزيرة نت- إن وصول توائمها الستة لعامهم العاشر بلا مشكلات يعتبر مناسبة استثنائية ذات وقع خاص، وأضاف زوجها التركي حكمت أنهما يحمدان الله على ما حباهما به من أطفال أصحاء مقارنة بظروف صحية قاسية لتوائم آخرين.

روكسانا والتوائم أمام منزلهم في حي تسلندورف بالعاصمة برلين (الجزيرة)

حالة نادرة
اكتشفت الأم البولندية -التي اعتنقت الإسلام بسن مبكرة- أن ولادتها ستة توائم يعتبر حالة نادرة تحدث بين 4.5 ملايين حالة حمل بالعالم، ووجدت أن سيدة بكوستاريكا أنجبت قبل 3 سنوات ستة توائم لم يعش منهم إلا اثنان، بينما توفي 6 آخرون في بريطانيا بعد وقت قليل من ولادتهم.

وقد تمنت روكسانا بعد 3 سنوات من ولادة ابنتها الكبرى مريم أن تنجب لها أخا أو أختا، وتتذكر السيدة الثلاثينية كيف سالت دموعها عندما أبلغتها طبيبتها حينذاك بأنها حامل ليس بجنين أو اثنين أو ثلاثة وإنما ستة دفعة واحدة، وذكرت الطبيبة أن استمرار هذا الحمل يمكن أن تصاحبه مخاطر شديدة تؤدي لولادة الأجنة الستة ميتين أو بإعاقات شديدة، واعتبرت أن هذا يدعو لإجهاض بعض الأجنة للحفاظ على الآخرين.

معجزة طبية
رفضت الأم الحامل إجهاض أي جنين، فأرجعت طبيبتها هذا الرفض إلى حجابها، فردت السيدة البولندية بأنها ابنة أسرة كاثوليكية محافظة ترفض الإجهاض وأن إسلامها عزز قناعتها برفض الإجهاض، فوصل الحوار بين الاثنين لطريق مسدود، ورفضت الطبيبة الاستمرار برعاية هذه الحالة.

وفي مستشفى شارتيه البرليني -الذي وضعت فيه روكسانا توائمها الستة- اعتبر الأطباء أن هذه الولادة بدون أي مضاعفات للأم ولا لمواليدها تشكل معجزة طبية لم تحدث منذ عشرين عاما في ألمانيا التي تعاني من تراجع حاد بعدد المواليد.

التوائم النجوم
ووجدت قصة التوائم الستة منذ ولادتهم صدى واسعا بتقارير 25 قناة تلفاز وصحيفة من دول مختلفة، وبموازاة هذا تحول هؤلاء الأطفال وأمهم إلى نجوم على مواقع التواصل حيث يتابع صفحتهم على موقع إنستغرام وقناتهم (توائم برلين الستة) على موقع يوتيوب نحو 80 ألف شخص.

صور يومية
وتنشر روكسانا على إنستغرام بانتظام صورا من حياتها اليومية مع أطفالها التوائم وشقيقيهما، وأوضحت أن هذه الصفحة حولتها لمستشارة تقدم النصائح بالألمانية والإنجليزية والبولندية والتركية للأمهات أمثالها.

وأشارت إلى أنها تواجه بصفحتها -كما بالأماكن العامة- أسئلة تختلط فيها أحيانا الرغبة بالتعرف على كيفية مواجهة ضغوط حياتها اليومية، والأحكام السلبية المتعلقة بالإسلام والحجاب، والادعاءات الكاذبة بإنجاب الأجانب في ألمانيا أطفالا كثيرين طمعا بمساعدات اجتماعية.

ومثل العثور على منزل يتسع لأسرة من عشرة رؤوس تحديا حقيقيا واجهته روكسانا وزوجها حكمت في برلين التي تعاني من أزمة مساكن حادة بسبب تزايد الإقبال على العيش فيها من داخل وخارج ألمانيا.

 أم التوائم الستة تواجه أعباء إضافية تتعلق بادعاءات كاذبة عن الإسلام وإنجاب الأطفال (الجزيرة)

جهد بدني ونفسي
ولفتت روكسانا إلى أنها انشغلت خلال حملها ليالي طويلة بتساؤل عن كيفية إطعام ستة أفواه بوقت واحد، وقالت إن العناية بتغذية توائمها ونظافتهم وارتدائهم وخلعهم لملابسهم بمراحلهم الأولى مثل جهدا بدنيا كبيرا، تحول بعد ذلك لمجهود نفسي وفكري بسبب اختلاف شخصياتهم وميولهم خاصة ما يتعلق بمدرستهم وحاجتهم لإيضاحات تعليمية.

8 أفواه
وتحولت عطلة المدارس السبت والأحد عند أم الأطفال الثمانية إلى مرادف لعدم مغادرتها مطبخها، لأن انتهاءها من وجبة لهذه الأفواه يتبعه الإعداد للوجبة القادمة، وتعتقد روكسانا أن الهيكلة والهدوء أهم ما تحتاجه لسلاسة حياتها وتنظيم ذهاب أبنائها لمدارسهم وإلى حصص العربية بالمسجد، وحل الخلافات اليومية فيما بينهم وخلال لعبهم مع أطفال الجيران.

ومن جانب آخر، يلتزم الأطفال الثمانية بانتظار كل منهم لدوره وتنظيمهم لأغراضهم، كدليل على التزامهم الصارم بالنظام الأسري، ورغبتهم بتخفيف ضغوط شديدة عن أمهم منها وهم صغار.