التقى حسنى مبارك في المسجد النبوي وطالبه بـ"تقوي الله"، لم يكن يعلم أن نصيحته إلى ديكتاتور، ظل قابعا على سدة الحكم لمدة 30 عاما سوف تجلب له السجن لمدة 15 سنة، بعدما تم جلبه على طائرة من السعودية إلى مصر، لمعاقبته على مواجهة الزعيم بالنصيحة.. إنه الشيخ «على مختار عبدالعال القطان» الذي أعلنت أسرته وفاته اليوم، لتظل الجريمة التي ارتكبت في حقه تنتظر العقاب من مرتكبيها يوم الحساب.

بداية القصة

تعود قصة الرجل الذي قضى 15 عاما داخل السجون بتهمة نصيحة الرئيس لوجه الله، إلى أوائل التسعينيات عندما التقى مبارك داخل الحرم النبوي في مارس 1993، ولكونه مقيما بالمدينة المنورة وتصادف هذا التاريخ مع شهر رمضان المبارك، فقد اعتاد الرجل الاعتكاف خلال العشر الأواخر من الشهر، وفى ليلة 27 من الشهر الكريم غادر مكانه بالصفوف الأمامية، وذهب بهدف الوضوء مع اقتراب صلاة الفجر، وأثناء عودته إلى مكانه فوجئ بحراسة مشددة حول الرئيس الأسبق الذي تواجد هناك، لكن نظرا لوجهه المألوف لقائد التشريفة السعودي، سمح له بالدخول.

ومع انتهاء الصلاة وجد مبارك أمامه، مرتديا جلبابًا، جاء لزيارة المسجد النبوي بعد إتمام عمرته، فقال له بشكل عفوي: «يا ريس اتق الله» فارتعد مبارك حسب رواية القطان في حديث صحفى له، وأسرع الحراس إليه، وانطلقوا به إلى خارج المسجد.

بعد خروح حراسة مبارك بدقائق فوجئ بعربة كبيرة، حملوه إليها حافي القدمين، وسألهم أحدهم متوجسا: "فين السلاح؟"، وقاموا بتفتيشه، فلم يجدوا سوى متعلقاته: منديل وسواك وزجاجة عطر وبضعة ريالات وأوراق إقامة".

موقف للسعودية

قال له ضابط سعودي: "أحرجتنا.. لماذا قلت له ذلك؟"، أجاب: "هذا هو الطبيعي بهذا المكان". نقلوه إلى مبنى أمن الدولة في جدة، وسألوه فأجاب: "أنا مقيم منذ 13 سنة، ولم يصدر مني أي تجاوز، وهذا سلطان قلت له نصيحة لم تخرج عن الشرع".

وقال القطان: إن ضباطا مصريين قدموا لاستلامه وأخذوه إلى مطار القاهرة ومنه إلى سجن طرة، ثم إلى مقر أمن الدولة في "لاظوغلي"، حيث فوجئ باللواء محمد عبد الحليم موسى وزير الداخلية آنذاك، يقول له: "لماذا قلت ذلك؟ فأجاب: "وما الذي يمنع أن يقولها أي واحد منكم لمصلحة البلد؟".

ولما كان عام 1993 قد شهد عددا من أحداث العنف التي تورطت بها تيارات إسلامية، منها محاولات اغتيال وزراء ومسئولين، وحوادث اعتداء على السياح، فقد سأل وزير الداخلية القطان عن الجهة التي حرضته على ما فعله، فأجاب قائلا: "كلمتي نصيحة بآية، فالقرآن يقول "ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله"، ويقول "وأن احكم بينهم بما أنزل الله".

رفض زكريا عزمى

ويواصل القطان رواية ما جرى له فيقول: إنه عندما عاد إلى السجن كان المسئولون هناك يقولون له: إنه لا يوجد عليه أي دليل إدانة لكن مشكلته مع الرئيس، حيث إنهم يقررون الإفراج عنه، لكن ضوءا أحمر يأتيهم من مكتب زكريا عزمي رئيس الديوان الرئاسي.

مؤكدا في حديثه السابق، على أن ضباط السجن طلبوا منه كتابة التماس للإفراج عنه لكنه رفض، ويقول إنه ظل دائما يدعو على مبارك "اللهم أزل دولته، وأبدلنا خيرا منه"، إلى أن أطلقوا سراحه يوم 17 ديسمبر 2007.

سيرته الذاتية

يذكر أن على القطان من مواليد 29 أبريل عام 1947، وهو حاصل على بكالوريوس خدمة اجتماعية عام 1969، وخدم بالجيش المصري بين عامي 1969 و1975، حيث شارك في حربي الاستنزاف و1973، حتى بلغ درجة نقيب بسلاح المشاة.

وفي عام 1976 توجه إلى فرنسا لدراسة علم الاجتماع، وهناك التقى المستشرق الشهير جاك بيرك، ثم توجه إلى السعودية عام 1980 للعمل باحثا اجتماعيا، كما زار 50 دولة، وكان يهوى الترحال.

وتعود جذور الرجل الذي نفى انتماءه لأي تيار إسلامى إلى محافظة المنوفية التي ولد فيها مبارك، ووالده كان يعرف والد الرئيس الأسبق جيدا، لأنه كان يعمل سكرتيرا لنيابة أشمون، وكان والد مبارك يعمل حاجبا لمحكمة أشمون نفسها في خمسينيات القرن العشرين.