من أعظم نعم الله علينا نعمة الإسلام وأن شرفنا سبحانه بالانتساب لهذا الدين العظيم، الذي ضمن الله لمن اعتنقه وسلك سبيله واهتدى بهديه سعادة الدنيا ونعيم الآخرة


(فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ) (طـه: 123)
(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (النحل:97)
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) (لأنفال: 24)
 

بين الفرح والسعادة:
 

إن علينا بدايةً أن نفرِّق بين السعادة كحالة دائمة وبين أمور مفرحة تسعد الإنسان لدقائق أو أيام. فالحصول على الشهادة أو ربح المال الوفير أو الفوز بجائزة قيّمة أو الدخول بامرأة وضيئة كلها أمور تُفرح الإنسان ولكنها لا تجعله سعيداً إلا إذا إلتحقت بها أسباب السعادة الحقيقية. ولذا نقرأ في الكتاب الكريم


( …. وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّه ……. ) (الروم: 4 ، 5)
( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى ……… إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ )(القصص:76)

(ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ) (غافر:75) .


فالفرح : سرور وابتهاج مؤقت لسبب طارئ يزول بزواله و يستوي في ذلك ما كان سبباً مشروعاً أو غير مشروع.
 

أما السعادة : فهي ضد الشقاء. وفي القاموس: أسعده الله أي وفقه وأعانه، والسعادة: معاونة الله للعبد على نيل الخير، وهي كذلك راحة النفس وطمأنة القلب وتوفيق من الله تعالى للانسان وإقداره على التعامل مع أفراح الحياة ومصابئها بكفاءة، ومن هنا ندرك ونؤكد أن المجتمع الغربى ومن على شاكلته ليس سعيداً مع كل ما يملكه من مستوى مادى مرتفع وحريات كثيرة.
 

القلوب ينابيع السعادة:
 

يخطئ من يظن أن السعادة تأتيه من خارج نفسه أو بعيداً عن أعماق قلبه. إن منشأ السعادة ومستودعها هو قلب الإنسان، ويوم أن يسعد القلب ويطمئن تشرق تلك السعادة على جوارح الإنسان كلها فيكون البِشْر وطلاقة الوجه وراحة البال وهدوء الأعصاب، وإذا كان الأمر كذلك فالبداية لابد أن تكون من القلب بإصلاحه وتطهيره وربطه بِمُقلِّب القلوب سبحانه ) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ( (الرعد:28) ، يقول الإمام ابن القيّم عن الإيمان : ( إنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده. فليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه – تبارك وتعالى – وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره وما شقى من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره ).
 

فالسعادة لا تكون إلا بأمرين مجتمعين :
 

الأول: معرفة الله ومعرفة أحكام الإسلام إجمالاً فيما يكفي فيه الإجمال، وتفصيلاً فيما لابد فيه من التفصيل
 

الثاني: لابد مع هذا العلم من العمل والتطبيق لما علمناه فالمعرفة وحدها لا تجعلنا سعداء يقول سفيان بن عيينه: ” ليس العاقل الذي يعرف الخير والشر إنما العاقل الذي إذا رأى الخير اتبعه وإذا رأى الشر اجتنبه “.
 

وقال أحد الصالحين: ” لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه – يعني من متعة وسعادة – لجالدونا عليها بالسيوف ” ففي القرب من الله جنة دنيوية لا يعلمها كثير من الناس، والطريق إلى هذه الجنة يتأتى بعمل الطاعات واجتناب المعاصي، وهذا هو الطريق إلى السعادة، فالسعادة هي سعادة القلب والشقاء هو شقاء القلب، قال الإمام ابن القيّم: ” ولا تحسب أن قوله تعالى: ) إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ( (الانفطار:13 ، 14) مقصور على نعيم الآخرة وجحيمها فقط بل في دُوْرِهِم الثلاثة هم كذلك أعني: دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار، فهؤلاء في نعيم وهؤلاء في جحيم، وهل النعيم إلا نعيم القلب وهل العذاب إلا عذاب القلب؟! وأي عذاب أشد من الخوف والهم والحزن وضيق الصدر وإعراضه عن الله والدار الآخرة وتعلقه بغير الله وانقطاعه عن الله بكل واد منه شعبه ” الجواب الكافي لابن القيم.
 

من أسباب السعادة ووسائلها:
 

السبب الأول: الموازنة بين غذاء الروح والجسد :

 

فلكل من الجانبين نشأته وزاده ومآله، فالجسم من التراب خلق وعلى التراب يعيش ومآله إلى التراب بعد الموت، والروح مقرها السماء وعلى زاد السماء تعيش ومآلها إلى السماء بعد الموت، وينبغي أن نوازن في إشباع كلا الجانبين وألا نضيّع أحدهما على حساب الآخر فهذا من الظلم.


ولقد جنحت بعض الطوائف إلى جانب معين وأهملت الآخر فَضَلّت، فالغرب أغرق في رفاهية البدن وأهمل جانب الروح فكان نتاج الحضارة الغربية هوالاستعمار والقلق والإيدز والمخدرات وغيرها ، ولهذا ردّ أصحابه المغالين الذين أراد أحدهم أن يصوم أبداً وأراد الآخر أن يقوم الليل أبداً وأراد الثالث أن يعتزل النساء فقال لهم:(لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي صحيح مسلم .
 

السبب الثاني: اترك المستقبل حتى يأتي :

 

إن كثيراً من الناس يعطون لأذهانهم مساحة واسعة للتفكير في المستقبل – وهو غيب – فيكتوون بالمزعجات المتوقعة، وهذا ممقوت شرعاً لأن طول أمل ومذموم عقلاً لأنه مصارعة للوهم، فبعضهم يتوقع في مستقبله الجوع والعري والمرض والفقر والمصائب وهذا كله من مقررات مدرسة الشيطان ) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً ( (البقرة: من الآية268).
 

السـبب الثـالث: أحسن إلى غيرك ينشرح صدرك:

 

إن أول المستفيدين من إسعاد الناس هم المتفضلون أنفسهم بهذا الإسعاد يجنون ثمرته عاجلاً في أنفسهم وأخلاقهم وضمائرهم فيجدون الانشراح في صدورهم والهدوء والسكينة في قلوبهم
 

هلموا أيها الناس إلى بستان المعروف وتشاغلوا بالخير تقدمون للغير عطاء وضيافة ومواساة وإعانة وخدمة وستجدون السعادة طعماً ولوناً وذوقاً ) وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى ( الليل.
 

السـبب الرابع: ” افزع إلى ربك إذا نزل بك مكروه :

 

{ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ }[ النمل : 62 ].
 

وفي الآية بشرى بثلاث عطايا لمن يتضرع إلى الله ويدعوه دعاء المضطر :
1-    يجيب المضطر .            2- يكشف السوء  .              3 – يجعلكم خلفاء الأرض .
 

السـبب الخامس: لا تحمل هموم الدنيا على رأسك :


فليس أنفع أمام الزوابع والدواهي من قلب شجاع ويقين ثابت وصدر منشرح، فإن كنت تريد الحياة المستقرة فواجه الأمور بشجاعة وجلد ولا يستخفنك الذين لا يوقنون، ولا تكُ في ضيق مما يمكرون كنّ أصلب من الأحداث وأقوى من الأعاصير فإن الأباة من الله في مدد وعلى الوعد في ثقة.
 

السـبب السادس: ارض بما قسم الله لك :
 

على المسلم أن يقنع بما قسم الله له من شكل وعافية ومال وولد وسكن وموهبة وهذا منطق القرآن ) فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ( ويقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلْق فلينظر إلى من هو أسفل منه ” رواه البخاري وعن مسلم ” فإنه أحرى ألا يزدري نعمة الله عليه”.
 

لا تحزن على ما فات من جمال أو مال أو عيال وارض بقسمة الله تكن من أسعد الناس ) نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا……. ( الزخرف. ( 32  )