إن الشجرة الطيبة التي غرسها الإمام الشهيد حسن البنا منذ عام 1928م، ورواها بدمه هو والشهداء من قبله ومن بعده، تعمَّقت جذورها، وامتدت فروعها، واستعصت على أعداء الله أن يقتلعوها رغم محاولاتهم الشرسة المتتالية.

يقول الإمام البنا: "أيها الإخوان: أنتم لستم جمعية خيرية، ولا حزبًا سياسيًّا، ولا هيئة موضعية لأغراض محدودة المقاصد. ولكنكم روح جديد يسري في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داوٍ يعلو مرددًا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن الحق الذي لا غلو فيه أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس.

إذا قيل لكم إلام تدعون؟ فقولوا: ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه، فإن قيل لكم: هذه سياسة! فقولوا: هذا هو الإسلام ونحن لا نعرف هذه الأقسام".

وفرج النجار نموذج لمن تربَّى في بيت علمه هذه المعاني، كما تربَّى على يد رجل وامرأة صبرا على ما تعرضا إليه في عهد الملك وعبد الناصر فقد حرما من ابنهما الذي ظل هارب من الطغيان لمدة ما يقرب من ربع قرن، وظلا مثالاً للبيت الحديدي في وجه هذا الطغيان.

في بيت جهاد

فرج إبراهيم شحاتة النجار، ولد في يوم الأحد 5 رمضان 1341هـ الموافق 22/4/1923م في قرية ميت خاقان مركز شبين الكوم محافظة المنوفية في بيت عرف بالصمود ومواجهة الطغيان إلى أن تزوج الحاج إبراهيم، والذي كان يدير ورشة نجارة خاصة به وكان رجلاً بسيطًا لم ينل قسطًا من التعليم حيث تزوج بالسيدة شفيقة نوير أحمد الجمل وأنجبا محمود، محمد، عبد الخالق، فرج، زينب، عزيزة، دياب، عبد الغني، وكانت الأسرة متوسطة الحال، وتسير أحوالها في هدوء واطمئنان.

وصفها الأستاذ فرج النجار بقوله: "كنت أقف أمام هذه المرأة وهي تقدم نصائحها وكأنني أقف أمام أحد القادة الحكماء وأسمع لها وأحترمها وأصدقها ولا أناقشها، وكانت مجموعة من النصائح الحركية تترى وراء بعضها في صورة حكم وتجارب، وكم كانت رائعة تلك التجارب من امرأة لأحد أبنائها وهي تودعه، والمرأة قوة هادرة وطوفان جارف إذا ما وقفت خلف أولادها تشجعهم، والمرأة إذا ما وقفت خلف ولدها تشجعه وتدفعه وتسانده فإنما تثبت أنها رغم طبيعة تكوينها وضعفها فإنما تكون ثورتها أشبه بالشرارة التي تشعل النار في قوة البارود البارد".

كان رب الأسرة وشريكته حريصين على أن يطبعا أولادهما على الأخلاق الإسلامية والمحافظة على الصلاة فأحضرا لهم الشيخ "عبد الحميد غنيم"– رحمه الله- ليحفظهم القرآن الكريم والشعر الإسلامي القديم، وكانت الأم أشد حرصًا على تربية ابنها فرج تربية إسلامية فكانت تدفع به إلى المشايخ.

في دعوة الإخوان

كانت بدايات فرج النجار في معرفة الإسلام عن طريق الطرق الصوفية غير أنه لم يتحملها لما تحويه من خزعبلات، فقد التحق بالطريقة الشاذلية، ثم جماعة الرفاعية وحدثت مفارقات مضحكة كثيرة انتهت بأن يتركهم هم أيضًا، وفي يومٍ من الأيام كان يلعب مع بعض الشباب الكرة فأتى إليّه شخصٌ مقيم في مصر من بلده يعرفه، واسمه عبد الرزاق العربي، وقال له: نحن نريدك أن تنضمَّ لطريقتنا، فرد عليه: أي طريقة؟! أنا مللت من الطُّرُق، وكان هذا الأخ يمسك في يده مجلة تبرز منها ورقة فأخذها منه الحاج فرج وأخذ يقرأها فتأثر بشدة من الكلام المكتوب فيها، وكان بها:

"ادعوا إلينا الدنيا فقد أبرمنا أمرًا، وأجمع علينا الناس فسنتلوا عليهم من لدنا ذكرًا، سنطب المريض بداوئنا، وننفخ في الجبان من روحنا، صُمِّت أذن الدنيا إن لم تسمع لنا، الله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، يقول الحاج فرج: "فأثر فيَّ هذا الكلام بشدة، أعني أن الطرق الصوفية لم تؤثر فيَّ هذا التأثير الذي أثرته هذه الكلمات القليلة، فسألته ما اسم هذا الشيخ الذي تريد مني الانضمام إليه، فقال لي حسن البنا، فسألته عن كيفية الوصول إليه، فاتفقنا على يوم نذهب فيه سويًّا إلى الإمام البنا في القاهرة، وكان يوم "الأربعاء" وكانت هناك محاضرةً يلقيها الإمام البنا في هذا اليوم فذهبنا إليه هناك، ولما دخلنا القاعة التي يلقي فيها المحاضرة لاحَظَنا الإمام ونحن نجلس، فنظَرَ لنا، فلا أدري ماذا حدث لي، أحسست أن جسدي يتفكَّك من نظرته، وتأثرت بها بشدة، وبعد انتهاء المحاضرة نزل الإمام من على المنصة ووجدناه قادمًا ناحيتَنا وقام باحتضانِنا حتى تعجَّبنا!! وسألَنا عن وجهتنا، فاستأذن عبد الرزاق، أما أنا فقال لي الإمام: انتظرني هنا سأذهب إلى مشوار وأعود في العاشرة مساءً، فجلست أنتظره إلا أنه تأخَّر ولم يأتِ إلا الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ولما أتى مقبلاً عليَّ اعتذر لي عن تأخُّرِه فزاد عجبي من هذا الشخص الكبير المقام والسن وهو يعتذر لي وأنا الذي لم أتعدَّ الخامسةَ عشرة من عمري، ثم استأذن في الذهاب إلى منزله لينام فيه على أن يأتينا في الفجر وكان بيته لا يبعد عن الدار سوى أمتار قليلة.

وعند الفجر لما أتى قمنا وصلينا ثم جلسنا ومعنا بعض الشباب الذي أتى إلى الدار في وقت الصلاة لنقرأ المأثورات، ولم أكن وقتها أعرفها، فكنت معهم "أدندن" دون أن أعرف ماذا يقولون، ثم قاموا ليرتدوا ملابس الرياضة ولم يكن معي ملابس سوى ما أرتديه، إلا أني قمتُ معهم وبدأنا بلعبِ رياضة سويدي في حوش الدار ومعنا الإمام، وقبل انتهاء الرياضة بقليل وجدت الإمام قادمًا من خلفي وشبَّك يده بيدي وقال لي هيا بنا.. وفي الحقيقة طوال السنوات التي قضيتها مع الإمام البنا كان كلما أمسك بيدي كنت أشعر بهيامٍ رُوحي غريب لا أعرف معه أن أسأل حتى إلى أين نحن ذاهبان..!!

وصلنا إلى بيت الإمام وجلسنا معًا، فبدأ يتناقش معي في نشاطي الإسلامي، وبدأ يشرح لي عن الإسلام الذي لم أكن أعرف منه سوى الطرق الصوفية!! وجلس معي حوالي ثلاث ساعات متواصلة، ثم أخذ مني بيعة عامة دون تخصيص، ثم قمت لأسافر، فأخذ يشرح لي الطريق للسفر وأرقام المترو لكي أركبه، وطلب مني الحضور كل ثلاثاء لحضور الدرس الأسبوعي، وأصرَّ على أن أمرَّ عليه بعد كل درس في مكتبه لأسلمَ عليه ويطمئن عليَّ وعلى الأسرة التي عرفها كلها فيما بعد، كل واحد باسمه، وكان يوصيني بالسلام عليهم كلَّ مرة أقابله فيها، وواظبت على هذا الأمر من يومها.

في أول عام 1939م تعرف الحاج فرج على الأستاذ المرشد حسن البنا وأعطاه بيعة عامة للعودة لفهم الإسلام الصحيح، وكان عنده 16 عامًا وكان الحاج فرج وقتها قد أنهى المرحلة الابتدائية والتحق بالثانوية ولكن ظروف الأسرة المادية اضطرته لتركها بالإضافة أن سنه كان كبيرة، وإكمال الدراسة عن طريق التعليم المنزلي.

بدأ الحاج فرج ينشر دعوة الإخوان في القرية، واجتهد في ذلك، كوّن فرج النجار شعبة للإخوان في ميت خاقان، حتى دعا الأستاذ إلى القرية في عام 1940م، وتحولت القرية على يديه وإخوانه من مناصرة الوفد إلى تأييد الإخوان المسلمين.

تأثر الحاج فرج النجار بشخصية الإمام البنا فيذكر من المواقف التي أثرت فيه قوله: "أنه كان في إحدى البلدان المجاورة لمركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية رجل اسمه عبد المنعم علام دائم السبِّ في الإمام البنا والجماعة، فقلت للإخوان في المحافظة حينما يأتي الإمام في حفلة بالمحافظة أرسِلوا إلى عبد المنعم دعوةً ليحضُر، وبالفعل أتَى الإمامُ البنا إلى المنوفية في حفلة من الحفلات التي كانت تقام دائمًا، وأرسلنا إلى عبد المنعم الدعوةَ، ولما حضر أخبرتُ الإمامَ البنا عنه وعن أقواله، فقام إليه الإمام البنا واحتضنه، ثم أخذ يحاول أن يتجاذب معه أطراف الحديث، فسأله عن اسمه وعبد المنعم لا يردّ!! فسأله الإمام عن عمله وهو لا يردّ!! فمنعًا للحرَج بدأتُ أردُّ عن عبد المنعم كلما سأله الإمام سؤالاً، وفي اليوم التالي قابلتُه وسألته ما الذي جرى لك بالأمس؟! لماذا لم تكن تردُّ على الإمام البنا كلما سألك سؤالاً؟.. فقال لي: اسكت..!! لا أدري ماذا جرى لي حينما احتضنني الإمام؟! تُهت ولم أعرف بماذا أرد عليه!!".

فرج النجار والنظام الخاص

سافر فرج النجار للعمل في مدرسة حراء بالإسماعيلية وهناك حدثت حادثة للأستاذ يوسف طلعت مع بعض الصعايدة وتدخل فرج النجار فأعجب به يوسف طلعت وضمه للنظام الخاص، وأمر بأن يكون هذا النظام في الدلتا، وبالفعل قام بما طلب به على خير وجه عام 1941م، وبالفعل كوَّن النظام في محافظات القليوبية والمنوفية والغربية وكفر الشيخ، والذي أصبح مسئولاً عنه فيما بعد، يقول عن نفسه: "في سن 25 كنت نشيطًا جدًّا، لدرجة جعلت الأستاذ البنا أن يقول لي ولفرد آخر لا تتزوجوا إلا بعد الثلاثين حتى نعثر على مَن يخلفكم، كنت فرحًا جدًّا لهذا الأمر لأني كنت في خدمة الدعوة، وظللت كذلك حتى الثلاثين، ثم جاءت محنة اعتقالات 54 وعندها قمت بالهرب".

قام ببعض العمليات الفدائية في المنوفية ضد الجيش الإنجليزي في مدرسة الصنايع بشبين، وبعد انسحابه إلى جبل باغوث بقويسنا قام بتفجير مبنى الحراسة الذي يهدونه مما دفعهم لمغادرة المنوفية.
انتسب الحاج فرج بتكليف من النظام الخاص إلى الحزب الشيوعي في الغربية، وترقى فيه إلى أن أصبح الرجل الثاني (سكرتير الحزب الشيوعي بالغربية) فيه على مستوى وجه بحري، وساهم بدور فعال في إفشال محاولة اغتيال الإمام البنا التي حاول أن ينفذها الحزب بتوجيه من الاتحاد السوفيتي.

وليس ذلك فحسب بل أصبح حارسًا خاصًّا للإمام البنا في بعض الأوقات، وكان قائمًا على عملية تأمين الإمام البنا إلى عزبة عبد الله النبراوي بعد أن حلت الجماعة في 28/12/1948م إلا أن الشيخ النبراوي اعتقل وبعدها اغتيل الإمام البنا.

فرج النجار والمحن

كان بيت فرج النجار صورًا من صور التعرض للإيذاء المستمر، فقد كان يخفي بعض قنابل عند أخته، وعندما جاء البوليس للقبض عليه وجد القنابل عند أخته فقبض عليها مكانه.

اعتقل في يناير 1954م بالسجن الحربي ثم سجن العامرية، وخرج في مارس 1954م، وظل يترقب الأحداث محاولاً معاونة إخوانه إلا أن المستجدات على الساحة وصدام الإخوان بقادة الثورة عجل بدخول الإخوان طور المحنة الشديدة بعد حادثة المنشية في 23/10/1954م، بعدها صدر له قرار بالهروب وعدم تسليم نفسه بسبب كثرة المعلومات التي معه، وكان هذا الهروب سببًا في إحجام عبد الناصر عن نزوله المنوفية إلا قليلاً وبحذر شديد.

هروب من الطغيان

يقول الحاج فرج: "الهروب كان بأمر من الإخوان، فقد أمروني بذلك خوفًا من القبض عليّ، ومن ثَمَّ أقوم بالاعتراف على جميع إخوان النظام الخاص في المحافظات التي كنت مسئولاً عنها، فيقبض عليهم جميعًا أو يتعرضوا للتعذيب والقتل.

أما عن تفاصيل هذا اليوم الذي لن أنساه أبدًا، فقد جاءوا البيت أول مرة وحاصروه، فقلت لأمي اشغليهم حتى أهرب من الخلف، والدتي كانت امرأة أمية إلا أنها كانت على دراية بفنون الهروب فلما نادوا علينا قالت لهم اصبروا حتى يستعد أهل البيت ثم نادت عليّ وأعطتني جميع ذهبها لكي أستعين به في الهروب، وقفزت على المنزل المجاور فكان هناك كلب هاجمني فقتله صاحب البيت وأعطاني ملابس ومشيت بعد ذلك لأبدأ الرحلة من يناير 1954 حتى يوليو 1975.

وعشت بعدها أتنقل من مكان لمكان وأذهب عند أشخاص غير معروفين تمامًا من الإخوان، كما كنت أختبئ عند أفراد ليسوا ملتحين ولا يصلون في المسجد وحياتهم تبدو في الظاهر عادية جدًّا، أحيانا أذهب للاستراحة في بيت وزير الداخلية حيث لا أحد يتوقع ذلك أبدًا، وأحيانًا تضطرني الظروف إلى المبيت في المقابر لعدم وجود أماكن آمنة، الحمد لله مرت الفترة بسلام بدون أن أقع في أيديهم، وكان ذلك من توفيق الله".

ويضيف: "البوليس قام بعمل شائعات في بلدنا أنه يجب عليَّ تسليم نفسي حتى لا يؤذوا أهلي، بل إنهم أجبروا أسرتي على أن يتحولوا للمسيحية وذهبوا فعلاً للكنيسة، لكن الحمد لله لم يتنصروا، كانت محاولة للضغط النفسي عليَّ حتى أسلم نفسي فقط، ولكني فكرت أنني لو سلمت نفسي سيقبض على أفراد كثيرين معي، فقارنت الأمر وقلت أن أضحي بأهلي خير من أن أضحي بكل مَن كانوا معي في تلك المحافظات، فقررت ألا أسلم نفسي، كذلك قررت ألا أعود للبيت أو القرية مرةً أخرى ولا أقابل أصدقائي ولا أبي ولا أمي ولا أخوتي طالما أنا مختفٍ؛ لأن البوليس أكيد سيكون مراقب المكان، ولسنوات طويلة لم أر أحدًا، حتى إن والدي مات بعد بداية الهروب بـ15 سنة ولم أستطع حضور جنازته، وكان أمرًا مؤثرًا جدًّا عليَّ لأني كنت أحبه كثيرًا".

وله من القصص والأعاجيب الكثير فقد كان البوليس يبحث عنه بشدة لدرجة أنه عذَّب أباه وأمه عذابًا لم يلقه أحد غير أنه كان يزورهم في بعض الأحيان، وأثناء سيره على الطريق وجد دوريةً فقالوا مَن هناك فقال فرج النجار فسُقط في أيديهم وفزعوا فاستغلَّ رعبهم وقال ارفعوا أيديكم وللخلف دور ثم أمرهم بالسير حتى المركز دون الالتفات للخلف ففعلوا من درجة الرعب.

أيضًا علم البوليس أنه يزور أهله فحاصروا المنزل وأمروه بالخروج فما كان منه إلا أنه وضع وجه في عش الدبابير وجعله تلدغه فورم وجه فخرج من بيت الجيران ومرَّ من وسط البوليس وهم لا يدركون أن الذي يمر وسطهم هو فرج النجار.

حياة ما بعد الهروب

بعد وفاة عبد الناصر وانتخاب السادات، أصدر قرارًا بالعفو الشامل عن كل الإخوان المحاكمين أمام محكمة الثورة ما عدا فرج النجار، فقررت الاستمرار في الهروب، وكل الإخوان طلعوا إلا أنا فظن الناس أني مت فعلاً، وظل الحال سنتين ونصف في عهد السادات أيضًا، لكن أنا أخذت راحتي قليلاً عن السابق فأجريتُ عمليةً جراحيةً، وكنت أذهب للمصايف وآخذ بعض أنواع الترفيه، وجاء التلمساني مرشدًا فذهبتُ له في البيت وطلبت الإذن بالظهور كما كان الأمر بالاختفاء فردَّ عليَّ وقال اصبر عليَّ أسبوع وراجعني ثم أعطاني الإذن بالظهور.

خرجتُ لأزور أصحابي ثم أهلي بعد ذلك في البيت، وكنت لم أرهم طول فترة الهروب حتى نسوا شكلي فعرفتهم عليَّ فعرفوني كلهم إلا أخي الأصغر أنكر، وقال إني من البوليس فبدءوا كلهم يتراجعون عن الترحيب بي ثم بدءوا في الاعتداء عليَّ فعلاً بالضرب؛ لأنهم ظنوا أني من البوليس فقلتُ لهم نادوا أمي فلما جاءت قلت لها هل تتذكري أي شيء في جسم فرج فقالت: نعم، كانت هناك حسنة كبيرة وراء كتفه اليمين فكشفت لها ملابسي وقلت لها هذه؟ فلما رأتها حضنتني وبكت وبشدة وعرفني إخوتي كلهم وبكوا بشدة أيضًا.

ظلَّ فرج النجار مختبئًا لمدة تقرب من الربع قرن لم يستطع البوليس ولا المخابرات ولا كافة الأجهزة الأمنية أن تقبض عليه مما مثَّل أسطورةً أمام عجز الدولة بأنظمتها الأمنية، وظلَّ كذلك حتى عفا عنه السادات في يوليو 1975م ليعود للحياة الطبيعية حيث تزوَّج ورزقه الله بخمسة من الأبناء وبنت.

بعد خروجه عمل على إعادة هيكلة المحافظة ومعاونة إخوانه في ذلك حتى استقرَّ الوضع للإخوان في المنوفية، وجاء عام 2000م ليكون عامًا حاسمًا في حياة أهل المنوفية، حينما بدأت مراسم انتخابات مجلس الشعب عام 2000م وفوجئ النظام والناس جميعًا بأن فرج النجار مرشح على قائمة الإخوان رغم هذا العمر الكبير حتى فزعت الأجهزة الأمنية، وقال أحد اللواءات أما زال هذا الرجل على قيد الحياة لقد ظننا أنه مات منذ زمن، وجاءت الأوامر العليا بأن هذا الرجل لا بد أن لا ينجح، وحالت الأجهزة الأمنية دون نجاحه.

وظلَّ يعيش في شبين الكوم يورث تاريخ الإخوان للأجيال ويعاون إخوانه بالفكرة، وأذكر وأننا في فترة الجامعة وبالأخص عام 1998م اختاروا عددًا من قادة جامعة كفر الشيخ لزيارة إخوان جامعة المنوفية وكنت معهم، وهناك التقيتُ لأول مرةٍ في حياتي بهذه الشخصية الأسطورية، والتي لم نشبع في هذا اليوم من دروسه التربوية التي تثقل القلب بالإيمان.

وفاته

توفاه الله عصر الأربعاء الموافق 19 من رمضان 1430هـ الموافق 9/9/2009م، ودفن ظهر الخميس 20 من رمضان؛ حيث شيعه الآلاف من محبيه وإخوانه.

--------------------

للمزيد:

1- حوار شخصي مع الحاج فرج النجار يوم 14/4/2008م.

2- عبد الحليم خفاجي عندما غابت الشمس، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة، الطبعة الثانية، 1408هـ 1987م، ص (133).

3- مجلة المجتمع الكويتية العدد 1811 بتاريخ 20/7/2008م.

4- موقع إخوان أون لاين: 19/11/2006م

5- حوار لموقع عشرينات: 23/7/2008م.

---------------------

* باحث تاريخي- [email protected]