في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين لاحظ العديد من الأطباء الإنجليز والفرنسيين أن بعض الأطفال تزيد حركتهم عن الحدود المقبولة وأن هذا يترافق مع نقص الانتباه، وفي النصف الثاني من القرن الماضي، اهتم الأطباء في الولايات المتحدة الأميركية بهذه الملاحظات وبدأ وصف وتصنيف هذا الاضطراب في التصنيف الدولي للأمراض والتصنيف الأميركي للاضطرابات النفسية، وأصبح من الواضح أن هذا الاضطراب يؤثر على البالغين أيضا، فقد يبدأ في الطفولة وليس بالضروري أن يتلاشى، أما إذا استمر فإنه يؤثر على حياة الفرد في مختلف المراحل.

ويترافق هذا الاضطراب مع مشاكل عديدة ويؤثر على الثقة بالنفس ويؤدي لصعوبات مدرسية، والاعتقاد أنه يختفي مع العمر ليس صحيحا دائما، فهناك بعض المصابين بهذا الاضطراب قد يستمرون بالمعاناة حتى مع تقدم العمر، ولكن الكثير منهم يتعلمون أساليب للتعامل مع المشكلة.

وقد تبدأ ملاحظة الأعراض بين الثانية والثالثة من العمر، وتكون الأعراض في صعوبة انتباه الطفل لما يجري حوله، وصعوبة متابعة التعليمات وكأن الطفل لا يصغي للكلام أو لا يفهمه، وقد يبدو الطفل في أحلام يقظة بعيدا عن التفاعل مع الواقع، وتكون لديه صعوبة في تنظيم واجباته ونشاطاته، وكثيرا ما ينسى الطفل وتضيع منه حاجاته و كتبه وألعابه، ويفشل في إنجاز أي مهام تطلب منه أو واجباته المدرسية، ويلاحظ أنه سريعا ما يتشتت، فبينما تقوم الأم أو المدرّسة بشرح شيء معين للطفل فإن أي صوت أو حركة في المحيط أو أشياء موجودة تجعله يتشتت عن الموضوع ويهتم بالمثيرات الأخرى المحيطة.

ولا تبدو على الطفل القدرة على الجلوس أو الوقوف بهدوء، فهو كثير الحركة حتى وهو جالس أو واقف يحرك جسمه، ويمكن القول إنه في حركة مستمرة وكثير الكلام والمقاطعة لمن يتكلم أو يلعب ولا يصبر لسماع باقي الكلام ولا يستطيع الانتظار أو أخذ دوره في أي شيء.

الطفل لديه صعوبة في تنظيم واجباته ونشاطاته (الألمانية)
والأولاد أكثر إصابة بهذا الاضطراب من البنات، ويلاحظ أن البنات قد يعانين ضعف الانتباه مع بقاء الحركة في الحدود الطبيعية.

لا يوجد سبب واحد

وكما هو الحال في معظم الاضطرابات النفسية فلا يوجد سبب واحد لهذا الاضطراب، بل مجموعة من العوامل، فيلاحظ أن الاضطراب يزيد في بعض العائلات وأن بعض الجينات الوراثية تلعب دورا في حدوثه، كما أن عوامل بيئية مختلفة قد يكون لها أثر في فترات حرجة من تطور الطفل، مثل التسمم بالرصاص. كما أن فترة الحمل وما يتعرض له الطفل فيها من أخطار مثل تعاطي الأم للخمر وبعض الأدوية، قد تساهم في ظهور هذه الحالة. ويلاحظ أيضا أن الأطفال المولودين بشكل مبكر أكثر عرضة للإصابة به، وكثيرا ما تتهم السكريات بأنها سبب لفر ط الحركة ولكن هذا لم يثبت علميا، ويجتهد الناس في حال ربط الحالة بمأكولات معينة وهذا لا أساس علميا له أيضا.

قد يؤدي هذا الاضطراب إلى الفشل الدراسي واعتبار الطفل قليل القدرة، وهؤلاء الأطفال أكثر عرضة للحوادث والإصابات، ويؤدي هذا لاهتزاز النظرة للذات وضعف العلاقات مع الأقران وقبول الآخرين للطفل.

وقد يكون الاضطراب منفردا وأحيانا يكون مصحوبا بالإعاقات العقلية واضطرابات التطور المختلفة بالإضافة للاضطرابات السلوكية والمزاجية والانفعالية والقلق النفسي، ومع العمر قد يرتبط التشخيص مع اضطراب المزاج مزدوج القطب.

في تشخيص الحالة فإن الطبيب يتبع الخطوات المعروفة، وهي الفحص الجسدي والنفسي وجمع المعلومات من الطفل في مختلف الأماكن، والحصول على تقارير من المدرسة. ويمكن استعمال بعض الاستبيانات لمساعدة الأسرة والمدرسة في الإجابة على الأسئلة. ثم لا بد من التأكد من وجود الأعراض وهي من جزأين:

ضعف الانتباه:

غالبا ما يفشل الطفل في الانتباه للتفاصيل ويرتكب أخطاء وتظهر اللامبالاة في الدراسة والنشاطات الأخرى.
لا يستطيع الاستمرار في الانتباه في الواجبات أو الألعاب مما يؤدي لعدم إتقانها .
لا يبدو أنه مصغٍ عند الحديث معه مما قد يدفع الأهل للشك في معاناته من مشاكل في السمع.
لا يتابع التعليمات ويفشل في إنجاز الواجبات المدرسية أو غيرها.
لديه صعوبة في تنظيم واجباته ونشاطاته.
يتجنب ويكره ويتردد في الانخراط في مهام تتطلب المجهود والمواظبة المستمرة كالواجبات المدرسية أو أي مهام تطلب منه في البيت.
غالبا ما يفقد حاجاته الضرورية للنشاطات، والمهام كالألعاب والأقلام والكتب.
يتشتت بسهولة من أي مؤثر غير الموضوع أو العمل المطلوب.
غالبا ما يكون كثير النسيان في النشاطات اليومية، حتى إن الأسرة تظن أن الطفل لديه مشاكل في الذاكرة.

الاضطراب يزيد في بعض العائلات ويعتقد أن بعض الجينات الوراثية تلعب دورا في حدوثه (الألمانية)


الحركة المفرطة والاندفاع:
يحرك الطفل يديه ورجليه وهو واقف أو جالس.
يغادر مقعده في الصف أو أي مكان أخر مع أنه من المفروض أن يبقى جالسا.
غالبا ما يركض ويتسلق الأشياء في مواقف غير مناسبة.
لا يستطيع على الأغلب الاندماج في اللعب بهدوء وقد يكون مخرّبا للعب.
يبدو دائما أنه جاهز للحركة ويصفه الأهل بذلك كأنه على "موتور".
غالبا ما يكون كلامه أكثر من المعتاد ويوصف بالثرثرة الزائدة.
قد يعطي الإجابات السريعة الخاطئة قبل انتهاء السؤال.
لا يستطيع الانتظار بالدور وأي انتظار.
غالبا ما يقاطع أو يتدخل في حديث أو لعب الآخرين.
وللتشخيص يجب أن يكون واضحا تأثير هذه المشاكل على أداء وقدرات الطفل، ولا بد أن تكون هذه المشاكل قد استمرت لفترة لا تقل عن ستة شهور، ولا بد أيضا لهذه الأعراض أن تظهر في أكثر من موقف.

وهناك ثلاث فئات من الأطفال المصابين:
من يكون عدم الانتباه هو المسيطر لديهم.
من يكون فرط الحركة هو الأكثر وضوحا عندهم.
هو النوع المختلط بين الحركة المفرطة ونقص الانتباه.
وفي التشخيص كالعادة لا بد من الأخذ بالاعتبار التشخيص التفريقي، أي لا بد من استثناء اضطرابات أخرى قد تعطي أعراضا مشابهة، مثل صعوبات اللغة والتعلم واضطرابات المزاج والقلق وبعض أشكال الاضطرابات في النظر والسمع والنوم والغدة الدرقية أو إساءة استعمال المؤثرات العقلية وإصابات الدماغ المختلفة.

وعند الحديث عن انتشار هذا الاضطراب يتضح أن نسبته قد تكون بين 3% إلى 7% من الأطفال بعمر المدرسة، ولكن الأرقام تتفاوت في الدراسات المختلفة والمناطق المختلفة في العالم، وهناك ميل في الولايات المتحدة الأميركية لتشخيص هذا الاضطراب أكثر من أوروبا وباقي دول العالم.

ليس غطاء للمشاغبة
و يجدر الذكر أنه ليس كل طفل مشاغب وقليل الانتباه بالصف هو مصاب بهذا الاضطراب، وقد يبدو التشخيص أحيانا غطاء لمن لديهم تأخر عقلي بسيط أو صعوبات في التعلم أو مشاكل سلوكية وعاطفية أخرى، وقد يكونون أطفالا طبيعيين لكن مدرسيهم أو أسرهم لا تتحملهم وتتوقع من الطفل أن يتصرف بهدوء وأن يصغي دائما، وبالتدقيق قد تكون المشكلة لدى الأسرة أو المدرسة وليست بالطفل.


لا توجد علاقة بين تناول السكريات والإصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (غيتي إيميجز)
ولدى الحديث عن العلاج يتبادر للذهن فورا إعطاء الطفل عقارا معينا، والواقع أنه بعد التشخيص الدقيق لا بد من وضع خطة وأهم بنودها أن يكون التعامل مع الطفل في البيت والمدرسة صحيحا، وأن يتمكن الطفل من الحصول على أساليب تعديل السلوك عبر الثواب والعقاب، والعقاب هو بأسلوب الحجز والحرمان والثواب عكس ذلك. وقد يفيد استعمال لوحة يحصل فيها الطفل على نجمة عندما يكون سلوكه مقبولا ولا يحصل عليها إذا كان سلوكه غير مقبول، ويمكن أن يستعمل هذا الأسلوب لأكثر من طفل في الأسرة، ويجب الحذر من الضرب والإيذاء والتوبيخ المتواصل الذي قد يعلم الطفل العنف.

ويحتاج بعض الأطفال لعلاجات دوائية يقررها الطبيب ويتابعها، ولا يجوز استعمالها دون الرجوع للاستشاري المتخصص. وهذا لا يعني عدم الاستمرار في الأساليب السلوكية والتربوية وتعديل البرنامج اليومي للطفل، وحتى أسلوب الكلام، فالأطفال لا يصغون لفترات طويلة بالوضع الطبيعي فما بالك في الأطفال ذوي الانتباه القليل والحركة المستمرة. ولذلك فخلال الشرح في قاعة الصف على الأستاذ استعمال الجمل القصيرة لا الشرح المفرط، واستعمال لغة الطفل دون خلط كلمات عربية وإنجليزية أو فرنسية في نفس الوقت.

وبالمتابعة والمعالجة السلوكية والدوائية يتخطى الأطفال هذه المشكلة، وقد يبقى لها رواسب بعد المدرسة وفي الجامعة والحياة العملية، وقد تكون بدرجة بسيطة يستطع الإنسان التعامل معها، وقد يحتاج بعض الناس في العشرينيات وبعد ذلك للمعالجة، خصوصا إذا كان نقص الانتباه مستمرا ويؤثر على التقدم في العمل والحياة.

ولا بد لي من أن أختم الحديث بالقول إن الأب والأم العرب لديهم اهتمام بقراءة النشرات و"الكتالوجات" لأي جهاز هاتف أو كمبيوتر يشتريه، ويقرؤه بعنايه ويبحث عنه عبر الإنترنت، ولكن نادرا ما يقرأ كتابا عن تطور الطفل والمراهق والأساليب الصحيحة للتعامل مع مشاكلهم. ويدّعي الكثير من الناس أن أسلوبهم التربوي هو الأسلوب الحديث لأنه يختلف عن أسلوب آبائهم، وليس بالضرورة أن يكون أسلوب الآباء خطأ. كما لا بد من وضوح الأساليب التربوية، إذ إن المدارس في العالم العربي عموما مهتمة بالتحصيل الأكاديمي أكثر بكثير من التربية والسلوك والتفكير والانضباط وغيرها من أساسيات الفرد المتوازن الناجح في حياته، وهذا أمر يجب الانتباه إليه وتغييره بحيث تركز المدرسة على كافة جوانب تطور الطفل وشخصيته.