أشرف دوابة

أعلنت شركتا نوبل إنيرجي وديليك قبل أيام، توقيع اتفاق لتصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى شركة دلفينوس القابضة، بقيمة 15 مليار دولار، وذلك من حقلي تمار وليفياثان الإسرائيليين. وبحسب بيان الشركتين، فإن اتفاق تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر مدته عشر سنوات، ويشمل بيع كمية إجمالية قدرها 64 مليار متر مكعب. وسيتم نقل صادرات الغاز إلى مصر عبر خط أنابيب شركة غاز شرق المتوسط القائم بالفعل.

وقد خرج نتنياهو معلنا إبرام صفقة العار أو الغاز مع مصر، وهنأ شعبه بهذا الإنجاز غير المسبوق، واصفا يوم إعلانه ذلك بأنه عيد، في حين لم يعرف المصريون بصفقة الغاز إلا من الجانب الصهيوني، وبعدها توالت وسائل الإعلام المخابراتية والذباب الإلكتروني لتبرير تلك الصفقة وما تحققه- حسب زعمهم- من خيرات لمصر، ثم خرج بعدها بأيام رأس السلطة الانقلابي ليقول بأسلوب لا يتناسب ومقام المنصب المنقلب على صاحبه الشرعي: “جبنا جون”.

إن المتابع لتلك الصفقة المشبوهة يجد أنها تحمل العديد من الخطايا التي يرتكبها السيسي في حق الوطن والمواطن.

أولى هذه الخطايا: شراء الغاز المصري والفلسطيني المغتصب من غاصبه، وبذلك حول الانقلاب مصر إلى دولة معينة للمغتصب وجسرا لسرقاته وغصبه، وهو ما يعني انتكاسا للقيم.

أما ثاني هذه الخطايا: فهي ما شهدته هذه الصفقة من غياب الشفافية والإفصاح، بل التضليل المتعمد، فتلك الصفقة لم تكشف عنها الحكومة المصرية أو أي جهة بمصر، ولم يعرف حقيقتها المصريون إلا من وسائل إعلام إسرائيلية، وهذا يبين تستر النظام من صنيعه وتفريطه في حقوق مصر، بل زاد الأمر سوءا حينما خرجت أذرعه الإعلامية المخابراتية بعد ذلك لتبرير الصفقة بمبررات لا تنطلي إلا على جاهل أحمق أو مغفل سكير. وأصبح الأمر أسوأ حينما خرج كبيرهم الذي علمهم الكذب ليقول في صفقة العار “جبنا جون”، ويردد في الوقت نفسه (كما ردد من قبله إعلامه) أن الصفقة خاصة بالقطاع الخاص وليس بالحكومة، وهذا مزيد من التضليل، فمثل هذه الصفقات لا يمكن أن تتم بدون دور مخابراتي ملموس، وهذا ما قاله حسين سالم عن صفقاته مع الكيان الصهيوني من قبل، وما حدث ما هو إلا تغير أسماء، حيث حل علاء عرفة محل حسين سالم، والمحرك واحد.

 

أما ثالث هذه الخطايا: فهي تزيين الصفقة على غير حقيقتها، حتى وصل ببعضهم إلى القول إن الصفقة التي قيمتها 15 مليار دولار ستربح مصر منها 20 مليار دولار، وهو أمر تنفيه الوقائع الحالية والتجارب العملية والثوابت الاقتصادية، خاصة وهم يصورون الصورة وكأن 15 مليار دولار ستنتقل من الكيان الصهيوني لمصر وليس العكس، كما هو واقع العقد.

 

كما أن التغني بأن مصر ستصبح مركزا إقليميا للغاز من خلال محطتي إدكو ودمياط؛ هو أمر يفتقر إلى وجود دليل عليه، فمصر ليست وحدها في المنطقة التي تمتلك تلك المقومات. وقد كشفت تلك الصفقة عن بيع الوهم في حقل ظهر الذي وصفوه بأكبر اكتشاف نفطي في المنطقة، ورغم ذلك يستوردون الغاز بدلا من الاستعداد لتصديره، وهو ما يعني أن تلك الصفقة ستكون الأولوية فيها لسد العجز المصري من الغاز كأولوية على معالجتها وتصديرها.

أما رابع هذه الخطايا: فهي تبرير تلك الصفقة بالتعويضات التي حصل الكيان الصهيوني على حكم بشأنها، وذلك بتغريم مصر 1.7 مليار دولار، بسبب توقف مصر عن إمداد إسرائيل بالغاز. وهذا عذر أقبح من ذنب، فالعالم كله يعلم أن توقف تصدير الغاز للكيان الصهيوني كان نتيجة قوة قاهرة، كما أن مصر بيدها ورقة يمكنها إبرازها بقوة وفقا لقرارات القانون الدولي والمعاهدات الدولية وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي مطالبتها بقيمة ثروات البترول والغاز التي استولى عليها الكيان الصهيوني خلال فترة احتلال سيناء، والتي تبلغ قيمتها الحالية نحو 12 مليار دولار، لا سيما وأن الكيان الصهيوني هو من بدأ مخالفة اتفاقية كامب ديفيد التي نصت على التفاوض قبل التحكيم.

أما خامس هذه الخطايا:، فهي الزج بتركيا وكأنها عدوة لمصر، أو منافس لها، بقول السيسي (جبنا جون) والحقيقة أن السيسي جاب جون في نفسه ويتحمل تبعاته الشعب المصري، فالواقع يكشف أن وضع تركيا الاقتصادي لا يمكن قياس وضع مصر عليه، فالبون بينهما شاسع، فالاقتصاد التركي متصاعد والاقتصاد المصري في الحضيض، وقد كان نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي ياسين أقطاي محقا حينما رد على ذلك بأن مصلحة الشعب التركي هي نفسها مصلحة الشعب المصري، ناقدا السلوك غير المبرر للانقلاب العسكري الغاشم.

وسادس هذه الخطايا: دمج الكيان الصهيوني في المنطقة وتوفير البيئة لقبول المصريين له، والنظرة له كصديق، في الوقت الذي يتم تغذية العداء لبني جلدتنا من العرب والمسلمين، حتى وصل ببعض المغفلين النيل من قطر بادعاء تعاملها مع الكيان الصهيوني، والقبول في نفس الوقت بالواقع المرير بتمرغ النظام المصري في تراب الكيان الصهيوني والسعي لرضاه، لا سيما والسيسي في أشد الحاجة إليه في تثبيت سلطته في الانتخابات الرئاسية، في ظل سياسة السيسي بالتجمل أمام الخارج وقتل الشعب وتجويعه في الداخل.

وأخيرا، فإن سابع هذا الخطايا: هي ذات بعد عقدي، فلا يمكن لمسلم أن يعيش على السحت، ويكون خائنا لدينه ووطنه وعونا لعدوه، في النهب والسرقة، فضلا عن توفير الدعم له لقتل إخواننا في أرض فلسطين. والله تعالى يقول: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” (المائدة/2). ورحم الله أياما في عهد الرسالة رأى فيها بعض مسلمي مكة الذين يعيشون على التجارة في موسم الحج؛ أن منع المشركين من الحج إلى بيت الله الحرام سوف يؤدي إلى كساد تجارتهم وانهيارها، وجاء الوعد من الله ليريح بالهم ويبين لهم أن أمر الرزق بيد الله تعالى، وإن كانوا يخافون الفقر فسوف يغنيهم الرزاق من فضله، ونزل قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا، وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم” (التوبة/28).

 

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر