تعالت التحذيرات من الآثار السلبية والمخاطر التي تترتب على اتفاق الانقلاب العسكري في مصر وإثيوبيا حول مياه النيل.


أول تلك الآثار السلبية هو منح الفرصة لإثيوبيا للمضي في برنامجها لإنشاء السد وبدء تخزين المياه دون أية معوقات أو اعتراضات من جانب الانقلاب العسكري في مصر من شأنها تعطيل المشروع الذي سيؤثر على العديد من المناحي الاقتصادية والبيئية في مصر ومنها التهديد ببوار مئات الآلاف من الأفدنة في الدلتا (شمال العاصمة القاهرة) بالإضافة إلى الخسائر التي ستتكبدها الدولة والمزارعون من توقف زراعة الأرز، بحسب ما أكده خبراء في المياه والري لـ "العربي الجديد". ومن المتوقع أن ينتهي العمل بالسد خلال شهر يونيو القادم.

وأعلن زعيم عصابة الانقلاب عبد الفتاح السيسي أنه لا أزمة بين مصر وإثيوبيا والسودان حول سد النهضة الإثيوبي، عقب قمة ثلاثية، الأسبوع الماضي، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وقال في تصريحات للصحافيين على هامش قمة الاتحاد الأفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا: "كونوا مطمئنين تمامًا في مصر وإثيوبيا والسودان، التقينا واتفقنا.. لا يوجد ضرر على أحد". وأضاف "أكدنا أن الدول الثلاث ستتعاون كدولة واحدة. ومصلحتنا مشتركة ولا توجد أزمة بيننا".


تداعيات سلبية عديدة ستترتب على الاتفاق الأخير بين مصر وإثيوبيا والسودان في مقدمتها مخاطر بوار أراضي دلتا مصر بحسب تصريحات أستاذ الموارد المائية والري نادر نور الدين التي أكد فيها أنه بعد 3 سنوات من وقف زراعة الأرز ستخرج معظم أراضي شمال الدلتا والمقدرة بـ 1.5 مليون فدان عن الإنتاجية لتصبح أراضيَ بور عالية الملوحة، ولن يمكن إعادة استصلاحها.

وأكد نور الدين أن "ادعاءات إثيوبيا بأن مصر دولة صحراوية تزرع الأرز، غير صحيحة، وعلى الرغم من ذلك فنحن نصدقها، بينما الحقيقة أننا نزرع في أراضٍ طينية ثقيلة لا تستهلك مياهاً، إضافة إلى أن ما يذهب من مياه الأرز إلى المصارف نعيد استخدامه عدة مرات بلا هدر، كما أننا نروي الأرز فعليًا بمياه الصرف الزراعي وليس بمياه النيل التي لا تصل إلى المزارعين".


وأضاف نور الدين: "للأسف مبالغات وزارة الري في استهلاك الأرز للمياه هي ما تستغله إثيوبيا ضدنا، ولم نوضح أنه دون زراعة الأرز تبور ثلث أراضي الدلتا، وهو الذي يحدّ من تأثير ملوحة مياه البحر المتوسط على تلك الأراضي، حيث يزيد من هشاشتها بواسطة تغير المناخ وغمر مياه البحر لها".

وضرب الخبير المائي مثلًا بأوغندا، وتنزانيا، وكينيا، وقال إنهم "يزرعون الأرز دون تحفُّظات، وإثيوبيا نفسها تزرع مساحات هائلة من القطن قصير التيلة الذي يستهلك مياهاً أكثر من الأرز، وأن مساحات الأراضي الزراعية في إثيوبيا عشرة أضعاف مساحة الأراضي الزراعية في مصر، حيث تبلغ هناك 35 مليون هكتار مقابل 3.5 ملايين هكتار فقط في مصر" (الهكتار يساوي 2.38 فدان).


نور الدين أضاف أيضًا أن أحد النقاط المهمة التي لم يتطرق لها المفاوض المصري مع إثيوبيا هي "النقص الذي سيحدث في حصة مصر بعد الملء الأول للسد، حيث لم يتم الحصول على تعهد من إثيوبيا بالحفاظ على تدفقات النيل الأزرق عند نفس مستوياتها قبل بناء السد، حيث أرغموا مصر على الموافقة على ملء السد في 3 سنوات وفرضوا إرادتهم كالمعتاد رغم كل التقارير الدولية التي تحذر من ملء السد في أقل من 7 سنوات".

وقد اتفقت زعيم عصابة الانقلاب في مصر ودول السودان وإثيوبيا خلال اجتماعهم الذي عُقد، الإثنين قبل الماضي، بأديس أبابا على تحديد مهلة تنتهي خلال شهر لإيجاد سبيل لكسر الجمود في محادثات سد النهضة الإثيوبي، وهو مشروع لتوليد الكهرباء تخشى مصر من أن يؤثر على حصتها من المياه التي تصلها من إثيوبيا عبر السودان.


وأكدت مصادر مطلعة لـ "العربي الجديد" أن القيادات الثلاث أصدروا تعليمات لوزراء المياه والطاقة بوضع تقرير خلال شهر يحدد سبلاً لحل الخلافات القائمة بخصوص السد.

اللافت للانتباه أنه بالتزامن مع إطلاق السيسي تصريحاته من إثيوبيا، أعلنت وزارة الري والموارد المائية بحكومة الانقلاب قرارها بتخفيض المساحة المنزرعة بمحصول الأرز الموسم المقبل من 1.1 مليون فدان إلى 724 ألفاً و200 فدان فقط.


وهو القرار الذي رجّح خبراء أنه جاء نتيجة لضغوط إثيوبية على مصر، واتهام الأولى للثانية بأنها تهدر كميات كبيرة من المياه التي تصلها عبر السودان من إثيوبيا على زراعة الأرز.

قرار وزارة الري بحسب خبراء زراعة سيؤدي إلى أزمة كبيرة في المحصول الذي يأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد القمح بالنسبة للشعب المصري، فبعدما وصلت نسبة الاكتفاء الذاتي من الأرز إلى 99.7٪ بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في الفترة الماضية، أصبحت مصر على مشارف فجوة كبيرة في الإنتاج نتيجة تخفيض المساحة المنزرعة إلى أقل من النصف، حيث إنه من المعروف أن المساحات المنزرعة حسب الأرقام الرسمية كانت 1.1 مليون فدان بينما كانت تصل إلى مليوني فدان بعد احتساب المساحات المنزرعة بطريقة مخالفة.


أما الآن ومع تخفيض تلك المساحات بأكثر من الثلث فإنه من المتوقع أن يقل إنتاج المحصول الذي يعتمد عليه المصريون بشكل أساسي إلى أقل من النصف، وهو الأمر الذي سيدفع وزارة التموين (المسؤولة عن توفير الأرز للمواطنين) إلى العودة للاستيراد من دول مثل الفيليبين والصين بكميات كبيرة، حيث كانت في السابق تستورد أنواعاً رديئة من الأرز لا تعجب المواطنين في مصر.


عضو مجلس إدارة شعبة الأرز بغرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات المصري خالد النجار أكد، الخميس الماضي، أن أسعار الأرز بدأت في الارتفاع من 3.9 آلاف جنيه لتصل إلى 4 آلاف جنيه للطن رفيع الحبة. وأشار النجار في بيان صحافي إلى أن التجار عزفوا عن بيع الأرز في الوقت الحالي بعد إعلان وزارة الري تخفيض المساحات المنزرعة، حيث شجّعهم ذلك على تخزين المحصول لبيعه بعد ذلك بأسعار أعلى. وأكد النجار في بيان أن "الوقت لم يكن ملائمًا أبدًا للإعلان عن خفض المساحات قبل موسم الزراعة الذي يبدأ في شهر إبريل القادم".

وكانت وزارة الري قد أعلنت منْع 18 محافظة من زراعة الأرز، مشيرة إلى أنه سيتم توقيع الغرامة المنصوص عليها في قانون الري على المخالفين، كما سيتم تحصيل غرامة قيمة مقابل "الاستغلال للمياه الزائدة عن الكميات المقررة لزراعة الأرز".


وقالت الوزارة إن "المساحة المقررة تم تحديدها في ضوء الحصة المائية المتاحة والمقررة للزراعات الصيفية، مع الأخذ في الاعتبار السعة التص ميمية لشبكة الري بالمحافظات".