د. اكرم كساب


ومن آثار العقيدة الإسلامية على المجتمع: التواصي والنصيحة، فالإيمان بهذه العقيدة يوجب على أبنائها أن تكون الوصية ديدناًً لهم، ولهذا قال سبحانه: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) (البلد:17)، وجعل عالم الإنسانية كله في خسر، واستثنى من ذلك (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر:3) وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يتفرقوا حتى يقرأ أحدهم على الآخر على الآخر هذه السورة.


ولهذا قال الشافعي في هذه السورة: لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم.
وقال غيره: إنها شملت جميع علوم القرآن.


ويقول سيد قطب: والتواصي بالحق ضرورة. فالنهوض بالحق عسير. والمعوقات عن الحق كثيرة: هوى النفس، ومنطق المصلحة، وتصورات البيئة. وطغيان الطغاة، وظلم الظلمة، وجور الجائرين.. والتواصي تذكير وتشجيع وإشعار بالقربى في الهدف والغاية، والأخوة في العبء والأمانة. فهو مضاعفة لمجموع الاتجاهات الفردية، إذ تتفاعل معاً فتتضاعف. تتضاعف بإحساس كل حارس للحق أن معه غيره يوصيه ويشجعه ويقف معه ويحبه ولا يخذله.. وهذا الدين وهو الحق لا يقوم إلا في حراسة جماعة متواصية متكافلة متضامنة على هذا المثال.والتواصي بالصبر كذلك ضرورة. فالقيام على الإيمان والعمل الصالح، وحراسة الحق والعدل، من أعسر ما يواجه الفرد والجماعة. ولا بد من الصبر. لا بد من الصبر على جهاد النفس، وجهاد الغير. والصبر على الأذى والمشقة. والصبر على تبجح الباطل وتنفج الشر. والصبر على طول الطريق وبطء المراحل، وانطماس المعالم، وبعد النهاية!


والتواصي بالصبر يضاعف المقدرة، بما يبعثه من إحساس بوحدة الهدف، ووحدة المتجه، وتساند الجميع، وتزودهم بالحب والعزم والإصرار.. إلى آخر ما يثيره من معاني الجماعة التي لا تعيش حقيقة الإسلام إلا في جوها، ولا تبرز إلا من خلالها.. وإلا فهو الخسران والضياع.


ولقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الدين كله في لفظ النصيحة، وكرر ذلك ثلاثاً، ففي الصحيح عن تميم الداري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الدين النصيحة”. قلنا: لمَن؟ قال: “لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامَّاتهم”.


وعن جرير بن عبد الله قال: بايعتُ النَّبيَّ – صلى الله عليه وسلم على إقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزكاة، والنصح لكلِّ مسلم.وعن أبي هريرة، عنِ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – قال:” حقُّ المؤمن على المؤمن ستّ” فذكر منها:” وإذا استنصحك فانصَحْ له”.


ومن هنا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعاراً ومعلماً من معالم المجتمع المسلم، ويوم أن يغيب هذا المعلم – الذي يعده بعض العلماء ركناً من أركان هذا الدين- ينفسخ المجتمع المسلم، وتضيع ملامحه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:”من رأى منكم منكرًا فليُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”.


وقال:”إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم فقد تُودِّع منهم”.


وعن ابن مسعود مرفوعًا قال: “ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خُلُوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ليس ذلك من الإيمان حبة خردل”.


وعن أبي سعيد، أنَّه صلى الله غليه وسلم قال في خطبته: “ ألا لا يَمنعَنَّ رجلاً هيبةُ النَّاس أنْ يقول بحقٍّ إذا علمه “، وبكى أبو سعيد، وقال: قد واللهِ رأينا أشياءَ فهِبنا.


ولا أحسب أن مجتمعاً أعطى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثلما أعطى الإسلام، حتى اعتبره من أفضل الجهاد ففي المسند عند أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر”.


واعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند ذوي السلطان سيدا للشهداء، وشبيهاً بحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. روى الحاكم في مستدركه أن رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”سيد الشهداء حمزة، ثم رجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله”.