مجدي مغيرة

بعد الانقلاب العسكري على أول رئيس منتخب بدأنا نرى بأعيننا ونسمع بآذاننا أمورا كانت من المحرمات سابقا ، يفقد فاعلُها احترامَ الناس ، ويطالُه غضبُهم ، ويتوارى عن الأنظار خجلا ، وإن كانت هذه المحرمات تتم في الماضي ، فقد كانت تتم في السر وفي نطاق ضيق .

فقد كان التفريط في حبة رمل من أرض الوطن  ، أو ذرة من ذرات ترابه خيانة كبرى لا تغتفر ، وكم سمعنا من خطابات سياسية عنترية ، وكتابات أدبية شعرية وروائية ومسرحية ، وموضوعات في المناهج الدراسية ، وأفلام سينمائية ، ومسلسلات إذاعية وتلفازية ، وبرامج إعلامية تعتبر هذا الأمر من المحرمات التي لا يجرؤ مصري ارتوت عروقه بماء النيل أن يفكر في التفريط فيه !!!

  ثم ها نحن نرى التفريط ليس في حبة رمل أو ذرة تراب ، بل في أجزاء لها أهمية كبيرة إن في السياحة ، أو في الثروات الباطنية ، أو في المواقع  الاستراتيجية ،

ووجدنا تمكينا لغير المصريين في أراضٍ مصرية صميمة تم نزعها من الأهالي بحيلٍ لا تُحصى ولا تُعد ، ثم بعد ذلك نجد أن النظام يتحدث عن ضرورة تعميق انتماء المواطن المصري لوطنه من خلال تحية العلم في الجامعة ، أو ترديد عبارة "تحيا مصر" بالعشي والإبكار ، ومن خلال إجباره على ما أسموه بـ"التبرع" بالقليل الذي لا يسد حاجاته الضرورية !!!

وفي مقابل ثورة كثير من المصريين على الدكتور محمد مرسي وعلى الإخوان بناء على ما كان يُشاع عنهم من أكاذيب كبيعهم لقناة السويس ، وجدنا صمتا مطبقا تجاه تلك الأخبار الأكيدة التي تتوالى علينا ليل نهار عن تمكين غير المصريين من المشاريع الكبرى في البلاد ومن الأراضي ذات الأهمية الاقتصادية القصوى ، ووجدنا تأييدا لهذا التفريط من شخصيات وأحزاب كانت سابقا تعترض على كل شيء مهما كان في مصلحة البلد أيام الدكتور مرسي !!!

حينما كنت أعود إلى بلدي كنت أجد عباراتٍ مكتوبة بخط كبير عريض على جدران البيوت ، وأعمدة الكهرباء ، وأرصفة الطرقات ، وعلى السيارات والتكاتك وعلى كل ما يصلح للكتابة ، عباراتٍ تندد بالدكتور مرسي لأنه أراد أن يقترض من صندوق النقد الدولي وتُسَمِّي ذلك بـ"الشحاتة" وتقرر أن نهضة البلد لا تقوم على "الشحاتة" !!!

والآن تكاد "الشحاتة" تكون هي عماد الاقتصاد المصري كله ، حيث يتسول النظام من الشرق والغرب علنا بلا حياء ، دون أن ينبس أحد ببنت شفة ، ويبتز المواطنين بفرض رسوم كثيرة ، وضرائب متنوعة دون اعتراض ، فضلا عن اتساع نطاق الفساد الإداري ، وما ترتب عليه من انتشار الرشوة ، ورغم الأموال الضخمة التي حصلها النظام من كل حدب وصوب ، ومن الحلال والحرام ،  إلا أننا لا نجد أثرا لذلك إلا مزيدا من تدهور الخدمات ، ومزيدا من غلاء الأسعار .

أما آثار الفراعنة التي كانوا يتحدثون عنها بقدسية تفوق تقديسهم للقرآن ، وباحترام يفوق تقديرهم لأي آثار أخرى ، وبمبالغات فاقت الحدود ، فقد وجدنا تلك الآثار تتسرب خارج البلاد ، ليس على أيدي أفراد عاديين فقدوا انتماءهم الوطني وحسهم القومي ، بل على يد كبار المسؤولين من وزراء وضباط جيش وشرطة ، وعلى يد أكبر رأس في البلاد حسبما نسمع من همسات هنا وهناك ، ثم نرى عشرات أو مئات من قطع الآثار معروضة في متاحف العالم ، ولا يجرؤ مسؤول على الاعتراض مما يدل على أن الأمر تم بشكل أو بآخر بموافقة شفوية أو ضمنية بحيث لا يمكن محاسبة المسؤول لافتقاد الأدلة المثبتة ، أو لقدرة المفسدين على إتلاف الأدلة الثابتة ، ويتم ذلك أيضا دون أن يفكر أحد في تقديم استجواب لتلك الشخصيات في مجلس النواب ، ودون أن يفكر صحفي في عمل تحقيق جاد يطرح فيه حقيقة تلك الأخبار المتداولة !!!

أما التعاون مع إسرائيل ، فحدث عنه ولا حرج ، فالصهاينة منذ أول يوم من الانقلاب وهم يظهرون رضاهم عنه ، ويخشون من سقوطه ، ويسعون لتحسين صورته أمام أنظار العالم ، ويذللون العقبات التي تحول دون تقديم المساعدات بكل أنواعها له ، ويتغزل حاخاماتهم بالسيسي ويدعون إلههم أن يحفظه ، وأخيرا يجد النظام أن الوقت قد حان للقاء بهم علنا بعد أن كان يجتمع بهم سرا ، وتبدو على وجه السيسي ضحكة عريضة نابعة من قلبه وهو يجلس مع نتنياهو ، عكس ما نراه من تجهم وعبوس حين يلتقي بالعلماء ، أو حين حضوره أي مناسبة من المناسبات الإسلامية .

الآن نجد أن وطننا يباع بالقطعة ، تباع أرضه ، ويباع شرفه ، وتباع كرامته في مقابل إهانة شعبه ، واحتقار دينه ، والاستهانة بتاريخه وتراثه !!!

 فإلى أين تمضي بنا الأيام ؟

وإلى أين سيصل بنا السقوط ؟

وإلى متى سيستمر السكوت ؟!!!

 

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر