بقلم: وائل قنديل
 
 يؤسفني أن أقول لك إننا، بوصفنا شعوباً عربية، بتنا نفرح، كما تريد لنا إسرائيل أن نفرح، ونحزن بالقدر الذي تحدده لنا إسرائيل، ونغضب إلى المستوى الذي تقرره إسرائيل.
 
خذ عندك حدثين وقعا في يوم واحد: الأول إغلاق العدو الصهيوني للمسجد الأقصى المبارك، ومنع الصلاة فيه وإسكات صوت الأذان به، للمرة الأولى منذ نصف قرن، وخروج أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى نبي الإسلام، عن سيطرة مديرية الأوقاف الإسلامية بالقدس، بشكل كامل.
 
"لم تجرؤ عاصمة عربية على اتخاذ موقف جدي ورادع من الجريمة الإسرائيلية، باستثناء الدوحة"
 
والحدث الثاني: مرور عام على إفشال مؤامرة الانقلاب العسكري في تركيا.
 
ستجد حزناً شاحباً، هزيلاً، وغضباً خجولاً منكسراً، في عواصم العرب على إهانة المسجد الأقصى على يد الاحتلال الصهيوني الغاصب، بمشاركة وتواطؤ كاملين، من "والي رام الله" المعين وفقاً للرغبة الإسرائيلية، محمود عباس، والذي لم يخجل وهو يدين عملية فدائية نفذها شبان فلسطينيون، دفاعاً عن الأقصى.
 
في بقية العواصم العربية، لم يرق الحزن الرسمي على خروج المسجد الأقصى عن مدار أوقاف القدس الإسلامية، إلى مستوى الحزن على خروج قمر اصطناعي عربي عن مداره، أو خروج لاعب عربي فاشل من الأدوار التمهيدية لبطولة لا يشاهدها، أو يهتم بها أو يسعى لربحها أحد.. أو خروج شاب عديم الموهبة من سباق لاكتشاف مطربين جدد.
 
لم تجرؤ عاصمة عربية على اتخاذ موقف جدي ورادع من الجريمة الإسرائيلية؛ وباستثناء بيان إدانة واستنكار صدر عن الدوحة، لم نسمع صوتاً للعرب، جامعة وحكومات، ولم يخبرنا أحد أن تظاهرة سمح لها بالخروج في شارع عربي، تهتف ضد إسرائيل وتدافع عن الأقصى.
 
لم تجرؤ شاشة تلفزيونية واحدة على إذاعة أغنية أو أوبريت من أرشيف الانتفاضات الفنية من أجل فلسطين والمقدسات، بل إن عملية إغلاق الأقصى واختطافه وإخراس مآذنه لم تكن خبراً أولاً في نشرات الأخبار على الفضائيات، كان في أفضلها خبراً ثانياً وثالثاً، وفي معظمها خبراً ثانوياً.
 
الأمة كلها مستغرقة في معاركها البينية، وغارقة في عداءاتها لبعضها بعضاً، وكأن توافقها الاستثنائي الوحيد هو ألا تزعج إسرائيل أو تستفزها، أو ترد لها كلمة.
 
"وكأن مشروع يوسف زيدان قد تحقق، وظهرت بشائر ثمار خطته"
 
وكأن مشروع يوسف زيدان قد تحقق، وظهرت بشائر ثمار خطته، تلك التي تسربت قبل أكثر من عام، عبر تسجيل صوتي يكشف فيه عن اتفاقه مع "والي مصر" عبد الفتاح السيسي، المرضي عنه، والمدعوم صهيونياً، أيضاً، على العمل بهدوء، من خلال أربع وعشرين محاضرة، لإزالة المسجد الأقصى من عقول الجماهير وأفئدتها، من خلال الحفر في الناريخ الإسلامي وإثبات أن"الأقصى" ليس إلا وهماً سياسياً، وبالتالي لا ينبغي أن تبقى هنالك معركة حق عربي وإسلامي في فلسطين، ولا يصح أن يكون هناك صراع مع الكيان الصهيوني، لأنه لا يوجد احتلال من الأساس.
 
ها هي الأمة منشغلة عن الأقصى بحروب أوغادها، المتلهفين للحضن الإسرائيلي الدافئ، وحصارهم المفروض على قطر، وجهادهم الملوث ضد حماس والإخوان، تلك الحروب التي تقرر لنا، أيضاً، إسرائيل متى تبدأ وإلى أين تصل ومتى تهدأ، وفي أي المساحات تدور.
 
الأمة مشغولة بنطاعتها اللغوية والفكرية، مشتبكة بوطيس محتدم حول تسمية عمليات المقاومة ضد العدو، فدائية أم استشهادية؟ نضال وكفاح أم جهاد واستشهاد؟! وفي المحصلة لا هي افتدت ولا استشهدت، ولا نضالاً مارست ولا جهاداً حركت.. فقط تقبع في قاع أوعية السفسطة والثرثرة، لا تريد أن تغادر.
 
هذه هي ملامح حزننا الباهت، على الأقصى، كما رسمتها إسرائيل.
 
هي أيضًا، إسرائيل، التي عينت لنا حدود فرحنا بالذكرى الأولى لانكسار المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، عندما استبقت مهرجانات البهجة ببقاء التجربة الديمقراطية على قيد الحياة، بطعن المسجد الأقصى، وإهانته، فانشطرنا بين الفرح الفاتر بتركيا، والحزن المرتعش على الأقصى، فكان أن اهتزت البوصلة عند الفضائيات، حين ذهبت تنقل أفراح الشارع التركي، تاركة أتراح الشارع المقدسي، فلم تنقل أنين الأقصى، بثاً مباشراً، كما كان يجب عليها أن تفعل. ولم تطبق قاعدة "الحي أبقى من الميت"، على اعتبار أن الأقصى هو الحي المجروح، الأولى بالإنقاذ، وأن الانقلاب التركي هو الميت الذي مضت على وفاته سنة كاملة.
 
والنتيجة أننا ضعنا بين الابتهاج والابتئاس.. فلا مبتهجين كنا ولا مبتئسين بتنا.. يمكنك أن تقول: مبتهسون، أو مبتئجون، كما "المتشائل" إيميل حبيبي، ضائعاً ومُضيّعاً بين التفاؤل والتشاؤم، كما تحددهما إسرائيل.


المقالات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها ، ولا تعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر