وائل قنديل:
 
يعرف نظام عبدالفتاح السيسي كيف يلتقط الفرص، ويستثمر فيها.


ترامب في الرياض، والسيسي مدعوٌّ مبكراً لحفل شواء الربيع العربي، فلا يجب أن يترك لحظة لقاء رعاة انقلابه، من دون أن يستغلها: الرئيس محمد مرسي ومعاونوه في الحكم كيانات إرهابية بقرار محكمة النقض.

فعلها قضاء السيسي، قبل أن تهبط الطائرة في مطار الرياض، وهو موقنٌ أنه في كنف الأطراف الأكثر حرصاً على محو ما تبقى من سطورٍ عن مسيرة الثورة المصرية في كتاب التاريخ.

في الأسبوع الأول من عمر انقلاب السيسي على الرئيس مرسي، رصدت "الرضا الأميركي والقبول الإسرائيلي وفرح الخليج الكاره للربيع"، وقلت "عندما تقرأ بعد الانقلاب أن العاهل السعودى أول من هنأ وأول من بحث مع وزير الدفاع المصرى الأوضاع فى القاهرة، وأول من أمر بمنح مليارات خمسة من الدولارات لمصر المنقلبة، فإن دوائر الحيرة تتسع أكثر وأكثر" و"أن الدهشة الأكبر تأتيك من انقلاب واشنطن على تقاليدها الديمقراطية والدستورية العريقة لابتلاع الانقلاب الذى جرى، حيث يتصنع ساكن الأبيض عدم القدرة على تبيّن ما إذا كان الذى حدث في مصر انقلابا عسكريا أم لا، لكي يتهرّب مما يفرضه القانون الأمريكي الذي يحظر تقديم أي مساعداتٍ لحكومة دولةٍ يطاح فيها برئيس حكومةٍ منتخبٍ بطريقة صحيحة من خلال انقلاب أو مرسوم عسكري".

و"لكن الأبعد من الدهشة والأقرب إلى الخيال المستحيل هو الموقف الصادر من جنرالات العدو الصهيونى، الذين من المفترض بداهة وتاريخا ومنطقا أن يكونوا أكثر الناس سعادةً بالتلويح بقطع المساعدات العسكرية عن مصر، لكن موقع "الشروق" يصدمك بخبر نقلا عن وكالة الأنباء الفرنسية بعنوان "إسرائيل تطالب واشنطن بمواصلة تقديم المساعدات العسكرية إلى مصر"

يلفت النظر، في المشهد القضائي السابق على رحلة السيسي (أداة الانقلاب) للالتحقاق برأس الانقلاب وذراعه، تأجيل القضية الخاصة باتهام الرئيس مرسي بالتخابر مع قطر، فيما صدر حكم النقض باعتباره، وخمسة وعشرين من السياسيين والبرلمانيين، كيانات إرهابية، خصوصاً أن العنوان الأساس في لقاء الرياض هو" التعاون في مواجهة الإرهاب بقيادة أميركا".

ويلفت النظر أيضاً أن الأيام الماضية شهدت حفراً عميقاً تحت جدار شرعية الرئيس محمد مرسي، بدءً من اعتبار وصوله إلى الحكم نتيجة خطأ سياسي وقانوني، كما ذهب علاء الأسواني وحسن نافعة، مروراً باعتبار الثورة المصرية، والربيع العربي كله، مؤامرةً إسرائيلية، كما قال جلال أمين، وليس انتهاءً بأصواتٍ وهمهماتٍ صادرة من أحراش المعارضة المستجدّة، تقول إن الشرعية انتهت بانقضاء مدة أربع سنوات على انتخاب مرسي.

وللمرة الألف، فإن الأمر الواقع لا يمحو شرعية الحق وجدارة المبدأ والقيمة، ولو مضت أربعون سنة على محمد مرسي في السجن، وحتى لو لقي ربه، فإن ذلك لا يمنح سلطة الواقع الكريه شرعيةً أو جدارة سياسية أو أخلاقية، فضلاً عن أنه لا يسقط الشرعية عمّن حصلوا عليها باستحقاق ديمقراطي وقانوني، إلا إذا قرّر أهل الثورة الانتحار، بإعلان تبرؤهم منها والاعتذار عنها، واعتبارها ذنباً يريدون التخلص منه.

صحيحٌ أن مفردات الواقع تنطق إن استعادة شرعية الثورة، في ظل هذه الظروف، أمر يقترب من المستحيل، غير أن هذا ليس مبرّراً منطقياً لأن يضطر أحدٌ لإحراق الجوهر الأخلاقي للمسألة المصرية، ويستسلم لتوحش الأمر الواقع.

وإذا كان المكتوون بجحيم القمع والبطش والإرهاب داخل السجون والمعتقلات يأبون التنازل عن الجوهر الأخلاقي للقضية، ويرفضون التوقيع على صك الاستسلام والتوبة عن الثورة، اتقاء لهجمات المواد الحارقة والكلاب المفترسة، فإن رفاقهم وأصدقاءهم خارج الزنازين ليس وارداً، في أذهانهم وضمائرهم، أن يلوثوا حاضرهم ومستقبلهم بالتفريط في القيمة والاتجار في المعنى والمبدأ.

وأكرّر إن أي محاولة للفصل بين ثورة يناير، كمبتدأ، وشرعية مرسي، كخبر، تعني مباشرة التخلي عن الاثنتين معاً، وتؤدي إلى منح النظام الحالي شرعية، هو نفسه يدرك أنه لا يستحقها، ولا يستطيع الحصول إلا على "شرعية الأمر الواقع" التي تفتقر لأي أساس أخلاقي أو قانوني، بل تقوم على فرض أوضاع بالقوة، تماما كما الحال مع سلطات الاحتلال.

 

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولايعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر