بقلم : مجدي مغيرة

ما من شخصية عظيمة ، أو دولة عظيمة في تاريخنا الإسلامي إلا نالت من الغمز واللمز طمعا في تشويهها وتلطيخ سمعتها في عقول أجيالنا.

وجدنا ذلك في تشويه الدولة الأموية التي انحصر الحديث عنها في صراعها مع الإمام علي رضي الله عنه أولا ، ثم قتلهم لابنه الإمام الحسين رضي الله عنه ثانيا ثم تحويلها الخلافة الراشدة إلى ملك عضوض ثالثا، لكن لم يذكروا جهودها العظيمة في الفتوحات الإسلامية التي جعلت ثلث العالم القديم دولة واحدة يحكمها الخليفة الأموي من دمشق عاصمة الدنيا وقتها ، ولم يذكروا جهودها العظيمة في الرقي الحضاري الذي شع على العالم كله ، ولم يذكروا لها خدماتها الكبرى في خدمة القرآن الكريم وخدمة الحديث الشريف وخدمة اللغة العربية .

ووجدنا ذلك في الحديث عن الدولة العباسية التي صوروها على أنها دولة الحفلات الغنائية الموسيقية ، ودولة الإسراف في الرفاهية دون أن يذكروا لها فتوحاتها ، ولا فضلها على الحضارة الإنسانية ، ولا دورها في نمو العلوم الإسلامية واللغوية ، والفلسفية ، ولا علوم الفلك والطبيعة والرياضيات والكيمياء والطب ، فضلا عن كثير من الاختراعات والاكتشافات .

كذلك الدولة العثمانية التي تعتبر أكبر دولة عرفها تاريخ الكرة الأرضية ، وأطولها عمرا ، وما تميزت به من سماحة وعدل وانضباط وتقدم ورقى حضاري ، ومع ذلك صوروها على أنها دولة احتلال غاصب ، عاملت رعاياها بقسوة ووحشية.

ومثلما فعلوا مع الدول فعلوا كذلك مع الشخصيات الإسلامية الشهيرة سواء كانت شخصيات علمية كالسيدة عائشة رضي الله عنها أو الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه أو الإمام البخاري ، أو شخصيات سياسية وعسكرية كعثمان بن عفان رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان وهارون الرشيد وصلاح الدين الأيوبي ، وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد ... إلخ .

و صلاح الدين الأيوبي رحمه الله من الشخصيات النادرة التي نالت إعجاب الجميع ، فمثلما كان معظما لدى المسلمين ، كان من الشخصيات التي أكثر المسيحيون والصليبيون قديما ، والمستشرقون حديثا من مدحها ، حتى أن بعضا من متعصبي أوربا من النصارى اعتبروه مسيحيا لا مسلما ، وهذا يدل على شدة انبهارهم به ، ولم ينل من شخصية صلاح الدين الأيوبي رحمه الله قديما سوى الشيعة الباطنية المنحرفة بسبب نجاحه في القضاء على دولتهم الباطنية المعروفة باسم الدولة الفاطمية أو الدولة العبيدية ، وبسبب نجاحه الساحق في اقتلاع الفكر الشيعي الباطني من مصر ، مستعينا في ذلك بعلماء كبار نجحوا في مهمتهم نجاحا كبيرا .

أما حديثا ، فقد انضم لهؤلاء الشيعة فريق كبير من العلمانيين ، وبخاصة العلمانيون في مصر ، وعملوا جميعا من خلال المؤلفات والمقالات والروايات في تشويه صورة هذا البطل الذي يعد مفخرة من مفاخر تاريخنا الإسلامي العظيم .

ولعلك تتساءل ، ولماذا يحرص هؤلاء على تشويه تلك الرموز ؟

والإجابة وجدتها عند العلمانيين الذين كنا نتناقش معهم في الجامعة ، أو نسمع لهم المحاضرات في الأندية الثقافية ، أو نقرأ لهم كتبهم ومقالاتهم ورواياتهم .

فعندما تم تشويه التاريخ الإسلامي بدرجة كبيرة في نفوس المصريين في فترة الستينات والسبعينات بسبب سيطرة هؤلاء على مفاصل الحركة الثقافية في مصر ، سمح لهم ذلك بالانتقال إلى مرحلة أخرى من الهجوم على الإسلام !!!

فقد كانوا يقولون عن تطبيق الإسلام : كيف تريدون أن تطبقوا الشريعة في عصرنا ، بينما  لم ينجح تطبيقها سوى في عهد النبي ونصف عهد الخلفاء الراشدين ؟ !

إذن تشويه التاريخ ، وتشويه الشخصيات التاريخية لم يكن مقصودا في ذاته ، بل كان المقصود الإسلام نفسه ، كان المقصود بعد أن نجحوا في تشويه تاريخنا أن يستقر في نفوسنا أن الإسلامَ دينٌ مثاليٌ لدرجة كبيرة يصعب معها تطبيقه على واقع الناس ، وإذا كان الصحابة عجزوا عن تطبيقه رغم أنهم تتلمذا مباشرة على يد نبيهم ، فكيف تطلبون من الناس الآن تطبيقه والالتزام بأحكامه ، وبين هؤلاء الناس وبين زمان نزول الوحي أكثر من 1400 عام ؟ !!!

وبالطبع ستعمل مثل هذه الدعايات عملها في عقول المسلمين الذين استقر في عقولهم من خلال المناهج الدراسية المزيفة أن تاريخ الإسلام ما هو إلا تاريخ سفك الدماء وتاريخ المؤامرات وتاريخ الظلم والاستبداد ، وتاريخ الملذات !!!

أما إذا كان المسلمون يعرفون تاريخهم حق المعرفة ، فبالطبع لن يستمعوا إلى مثل هذه الترهات ، بل وسيحتقرون من يرددها ، وينظرون إليه بعين الشك والريبة .

فالخلاصة في ذلك كله هو أن تشويه الرموز الإسلامية هو المقدمة الطبيعية للطعن في الإسلام ، وإبعاده عن حياة المسلمين .

ومما هو معروف أن كثيرين من هؤلاء العلمانيين الذين دأبوا على تشويه تاريخنا وتشويه رموزه ، ليسوا من المتخصصين لا في التاريخ ، بل إن أغلبهم إما صحفيون أو كتاب روايات ، أو مذيعي برامج تلفازية ، أو يحملون شهادات علمية يعلم الله تعالى كيف حصلوا عليها .

وإذا كان هذا هو عملهم ، فلابد أن يكون عملنا في المقابل هو قراءة تاريخنا من مصادره الصحيحة بعيداً عن التحريف والتزوير  وأن نبين فضله على العالم كله ، و أن نسعى جاهدين لفضح هذه الفئة ، وفضح من يقف وراءهم ويؤيدهم ويمولهم سواء من داخل بلادنا أو من خارجها ، فلن يصح الجسد إلا بالقضاء على أسباب مرضه .

 

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولايعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر