ككل عام، دأبت فاطمة أبركان على حضور فعاليات اللقاء السنوي لمسلمي فرنسا مع عائلتها الصغيرة في الضاحية الباريسية، رغم بعد المسافة حيث تجشمت عناء السفر وقطعت نحو 700 كيلومتر، قادمة من مدينة مونبولييه جنوبي فرنسا.

تقول فاطمة، الشابة المحجبة التي لم تكمل بعد عقدها الرابع وتعمل ممرضة وناشطة مع الجالية المسلمة في مدينتها منذ أن كانت طالبة جامعية، إن اللقاء مناسبة لاستحضار الإنجازات التي تقوم بها المنظمات الإسلامية على مدى عام كامل، كما أنها فرصة لتبادل التجارب والخبرات وحضور ندوات لعدد من الشخصيات الفكرية الإسلامية في فرنسا.

وأوضحت الشابة الفرنسية من أصول مغربية، في حديثها للجزيرة نت، أن أكثر ما تخشاه هو مستقبل ابنتها ذات السبع سنوات، التي تترعرع في بلد يوفر لها كل متطلبات العيش الكريم، لكن بدأ هامش حرية التديّن يضيق فيه على المسلمين، إضافة إلى تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا وتحرير خطاب الكراهية في وسائل الإعلام الفرنسية، حسب تعبيرها.

ولفتت فاطمة إلى أنها رصدت خوفا متزايدا لدى النساء المسلمات خصوصا المحجبات، بعدما كثرت الاعتداءات المتكررة للجماعات اليمينية المتطرفة في الفترة الأخيرة على المسلمين وعلى المساجد في عدد من المدن الفرنسية.

وذكرت فاطمة أن فكرة الرحيل من فرنسا نحو بلدها الأصلي المغرب أو الاستقرار في بريطانيا بدأت تراودها، بسبب مناخ الكراهية ضد المسلمين الذي تفشى بشكل مخيف في فرنسا، حسب قولها.

روح المسؤولية
وفي إحدى الندوات التي حضرتها الجزيرة نت، ناشدت الدكتورة بسمة مغربي، وهي ناشطة حقوقية ومحامية في محكمة باريس، المسلمين عدم السكوت أو الاستخفاف بكل أعمال العنصرية التي يواجهونها.

وقالت المحامية إنه "لا يجب التعويل على السياسيين كي يدافعوا عنا نحن المسلمين، ولكن يجب استغلال كل القوانين الجيدة التي توجد في الدستور الفرنسي التي تحارب التمييز والعنصرية لصالحنا".

وأضافت بسمة مغربي أنه حان الوقت كي يتصرف مسلمو فرنسا بمسؤولية من خلال اللجوء أولا إلى القضاء عبر رفع آلاف الدعاوى أمام المحاكم، إذا اقتضى الأمر، ضد كل الأشخاص أو المؤسسات الإعلامية التي تسمح ببث خطاب تحريضي تجاه المسلمين.

تكوين حلف
في السياق، انتقد بشدة الناشط الحقوقي والمدير السابق لائتلاف مناهضة الإسلاموفوبيا مروان محمد استخفاف المسلمين بخطورة خطاب الكراهية الذي يتجرعونه كل يوم.

ولفت مروان محمد إلى أن عددا من الأحزاب السياسية تستعمل خطاب الإسلاموفوبيا ورقة انتخابية أو للتغطية على إخفاقها في تقديم حلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تتخبط فيها فرنسا، وهو ما يجب أن يتنبه إليه المسلمون ويقفوا له بالمرصاد باعتباره تمييزا وكراهية تجاههم، حسب وصفه.

بدوره، قال رئيس "تجمع مسلمي فرنسا" في منطقة باريس التهامي بريز إن علينا أن نفرق بين العنصريين بفرنسا وفرنسا غير العنصرية التي تحمي كل مواطنيها من دون تمييز.

وأضاف القيادي الإسلامي في تصريح للجزيرة نت، أن على مسلمي فرنسا أن يقووا حلفهم ويشكلوا جبهة مع الذين يرون خيرا في وجودهم في فرنسا وليس تهديدا لهم، وأن يساهموا في نماء ورخاء المجتمع الفرنسي.

أمر واقع
أما عمار لصفر رئيس "اتحاد مسلمي فرنسا"، وهي الجهة المنظمة للقاء السنوي لمسلمي فرنسا، فقال إن الوجود الإسلامي في فرنسا أصبح أمرا واقعا، كما أن حب المسلمين لبلدهم فرنسا أمر واقع أيضا، وهو ما يرفضه ويشكك فيه عدد من دعاة الكراهية.

ودعا لصفر في تصريح للجزيرة نت إلى تكاتف الجهود بين مختلف المنظمات الإسلامية من أجل محاربة الإسلاموفوبيا والعمل على سن قانون يجرمه. 

وقد اختار اللقاء السنوي لمسلمي فرنسا شعار "من أجل بناء مستقبل لمسلمي فرنسا" في دورته الـ36، والذي ينظمه "اتحاد مسلمي فرنسا" الذي تنضوي تحته أكثر من 300 جمعية ومنظمة إسلامية.

ويعتبر هذا اللقاء التجمع الإسلامي الأكبر من حجمه في أوروبا، حيث من المقرر أن يحضره نحو 200 ألف زائر في منطقة ساندونيه في الضاحية الباريسية والذي ستختتم فعالياته مساء اليوم الاثنين.