الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وقد حرص الإخوان المسلمين على تشجيع المسلمين على أدائه، والاستعداد له في المستقبل إن لم يتيسر للمسلم في الوقت الحاضر، وقد حرص الإمام البنا على سلك النواحي العملية في التشجيع على أداء هذه الفريضة حيث شكل لجنة تحت مسمى لجنة الحج، والتي وضعت أطر وقوانين ومعايير لآلية الحج وتوفير النفقات لدى الأخ داخل الجماعة، بل وضعت محاذير لمن يتخلف عن الادخار لأداء هذه الفريضة.

وفي ذلك يقول الأستاذ البنا: والحج فيه أسمى معانى الجهاد وأدق تدريب عليه، فهو احتمال مشاق الأسفار ووعورة الطرق، والمران على السير في البر والبحر، وأروع ما ترى الكتيبة الإسلامية في الأرض المقدسة كهيئة المجاهدين يوم تراها تلقى الجمرات فترجم عدوها العتيد، وتكبر ربها المجيد فى نظام محكم فريد. (1)

ثم يؤكد الشعور الرباني الذي ينتاب الشخص الذي ينوي السفر لبيت الله الحرام فيصف هذا الشعور بقوله:  شعور شائع: منذ عزمت على زيارة الأرض المقدسة كان يشيع في نفسى شعور غريب قوى فعال يهز روحي هزًا قويًا، ويتأثر به قلبي تأثرًا غريبًا، ومن العواطف القوية ما لا يعرف لونه؛ فهو مزيج من الأمل، ومن الإشفاق، ومن الخوف، ومن الرجاء، ومن الحب، ومن الوله، ومن الشوق، ومن الحنين، وكذلك كان شعوري كلما تذكرت عزمي على زيارة الأرض المقدسة. (2)
وقد وضعت الجماعة لائحة تنظيم حج الإخوان في مؤتمر الشورى الثالث عام 1935م، وكان الجانب العملي هو أساس التشجيع.

البنا ورحلات الحج

ما أن فرغت لجنة الحج من وضع اللائحة حتى أعلن الأستاذ البنا عن نيته للسفر لأداء فريضة الحج سنة 1354هـ - 1936م فلبى دعوته على الفور مائة من الإخوان المسلمين كان منهم ثماني عشرة امرأة، ولم تكن هذه هي الرحلة الوحيدة التي سافر فيها الإمام البنا للحج بل أعقبها بالعديد من رحلات الحج التي كان ينشد منها تبليغ دعوته لعدد كبير من المسلمين قبل أن يغادروا أرض الحجاز، خاصة بعد انتهاء موسم الحج.

وقد أدَّى الإمام الشهيد وإخوانه مناسك الحج وقاموا بالالتقاء بالوفود الإسلامية المختلفة والتعرف عليهم ومعرفة أحوالهم ومناقشة مشاكلهم ومدى تسلط الاستعمار عليهم، بالإضافة إلى قيامهم بالوعظ والإرشاد متى أتيحت لهم الفرصة والمشاركة في الأنشطة المختلفة التي كانت تُقام أثناء الحج؛ فقد قاموا بالمشاركة في الندوة الأدبية التي أقامها الشباب العربي السعودي في "أوتيل" مكة.

وبعد إقرار لائحة الحج الجديدة في عام 1944م؛ قرَّر الإخوان أن يوفدوا بعثةً رسميةً إلى الأقطار الحجازية للحج؛ تمثِّلهم وتدعو لفكرتهم، وتوثِّق الصلات بينهم وبين الزعماء العرب والمسلمين، وكانت المفاجأة أن أعلن الإمام البنا أنه سيقوم بأداء فريضة الحج هذا العام؛ الأمر الذي بث الروح في نفوس كثيرٍ من الإخوان، وتقدَّموا لتأدية هذه الفريضة الجليلة مع مرشدهم للاستزادة من علمه والجلوس معه.

وقد تحرَّكت هذه البعثة يوم الخميس 3 من ذي الحجة 1364هـ الموافق 8 من نوفمبر 1945م، وانطلقت عبر الباخرة "قنديلا"، وحينما استقر مقامه وفي منزل الضيافة توالت الوفود منذ الصباح على بعثة الإخوان من مختلف الأقطار للترحيب بالإمام المرشد والجلوس معه، كما حرص الإمام البنا على إقامة المؤتمرات وتقديم العلماء للحديث عن شعائر الإسلام وعن قضية فلسطين.

وفي يوم 4 من ذي الحجة 1365هـ الموافق 29 من أكتوبر 1946م خرجت سافرت بعثة الإخوان المسلمين لأداء شعيرة الحج، وفي هذه الرحلة وجَّه الملك عبد العزيز آل سعود دعوةً خاصةً إلى بعثة الإخوان المسلمين ثاني أيام العيد، فأحسن رفادتهم هو وأبناؤه الأمراء، وتحدَّث الملك مع الإمام البنا حول قضية فلسطين وكيفية حلها؛

فقال له الإمام البنا إنه لا يفضِّل تدخل الدول العربية بجيوش منظَّمة، بل يجب مساعدة القبائل الفلسطينية في حرب العصابات وإمدادهم بالسلاح، وقد سُرَّ الملك بذلك الرأي، كما أقام أخو الملك مأدبة عشاء للإخوان، وقد لبَّت البعثة الدعوة، أقامت بعثة الحج للإخوان المسلمين حفل شاي في فندق بنك مصر بمكة المكرمة؛ حضره الأمراء وكبار رجال الحكومة والحُجَّاج البارزون من مختلف البلاد؛ خطب فيها الإمام البنا.

وفي عام 1948م كانت أخر رحلات الإمام البنا للحج حيث تعرضت الجماعة للمحنة والحل بعدها، وقد سافر الإمام البنا من خلال الطائرة بسبب مرضه والعملية الجراحية التي كان قد أجراها، وقد كان على رأس البعثة الإخوانية الأستاذ عبد الرحمن الساعاتي، وبعدما وصلوا وأدُّوا مناسك الحج دعا الإمام البنا إلى مؤتمر إسلامي لأمراء الحج، كما وُجِّهت الدعوة إلى الأمراء والوزراء السعوديين، وكان اجتماعًا كبيرًا. (3)

حسن الهضيبي ورحلة الحج

المستشار حسن إسماعيل الهضيبي القاضي بمحكمة النقض والذي تم اختياره مرشدا عاما للإخوان خلفا للإمام البنا عام 1951م حيث شهدت فترة توليه تعرض الجماعة لكثير من المحن استطاع بحكمته أن يعبر بها لبر الأمان، وما أن خرج من سجون عبد الناصر بعد وفاته، كان تجاوز الثمانين من عمره، حيث سعى لرحلة الحج، وكان لسفر عدد كبير من الإخوان إلى السعودية وتبوءهم مناصب عالية في العديد من المؤسسات السعودية في عهد الملك فيصل، حيث سهلوا له السفر وعقد اللقاءات بالعديد من إخوانه من مصر وغيرهم من البلاد الأخرى، وكان ذلك في موسم الحج عام 1392هـ الموافق يناير 1973م، وحينما عاد لازمه المرض حتى رحل صباح يوم الخميس 14 شوال 1393 هـ الموافق 11 نوفمبر 1973م بعد أن أثلج الله صدر بمشاهدة نصر أكتوبر.

يقول الدكتور عبدالله النفيسي في كتابه "الفكر الحركي للتيارات الإسلامية" إن المرشد الثالث لجماعة الإخوان حسن الهضيبي "انتهز فرصة الحج عام 1973 فعقد أول اجتماع موسع لـلإخوان في مكة المكرمة وكان هذا الاجتماع هو الأول من نوعه منذ محنة 1954، ونظرا لأن معظم الإخوان في الخارج قد هاجروا إلى منطقة الخليج والجزيرة العربية أو البلاد الأوروبية والأميركية فقد تركز عمل لجنة العضوية في تلك المناطق".

سفر المرشد الثالث التلمساني للحج

اختير الأستاذ عمر التلمساني خلفا للمستشار الهضيبي ليكون المرشد العام الثالث لجماعة الإخوان المسلمين، والذي كان كثير ما يحج إلى بيت الله الحرام، وفي عام 1975م – بعد توليه منصب الإرشاد – سافر للحج

حيث يقول: في حوار مطول مع مجلة "المصور" المصرية في العام 1982:  "استدعاني كمال أدهم شقيق زوجة الملك فيصل لمقابلته عندما كنت أؤدي فريضة الحج عام 1975 وعرض علي دعما ماليا وقلت له: أسف.. لقد ظننت أنك دعوتني كداعية إسلامي.. السلام عليكم وتركته.. فخرج ورائي حتى المصعد".

في كتابه "ذكريات لا مذكرات" عن جوانب خفية من علاقاته بالمملكة العربية السعودية، ومن ذلك قوله: "ومرة كنت أؤدي فريضة الحج وفي جدة قابلني الأخ (م.ص) وما يزال حيا أطال الله في حياته وقال: إن كبيرا يريد مقابلتي ليس من الأسرة السعودية وإن كان له بها صلة، فرحبت مؤملا في خير للدعوة، وتحدد الميعاد وذهبت قبل الميعاد بخمس دقائق، وهي عادتي في كل مواعيدي".

ويضيف: "حل الميعاد واستدعى الكبير سكرتيره ودعاني للدخول فوجدت أحد أبناء المرحوم الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود موجودا معه… وجلس الكبير يتحدث عن الدعوة الإسلامية ثم عرج على (مجلة الدعوة) وكانت لم تصدر بعد، وقال إنه يريد تدعيمها، فأدركت هدفه وقلت له مقاطعا: سيادتكم طلبتم مقابلتي كداعية لا كجاب، ولو كنت أعلم أنك ستتحدث معي في مسألة نقود كنت أعتذر عن المقابلة، ولذلك أرجو أن تسمح لي بالانصراف، فتلقى الرجل هذه الغضبة في هدوء وقال: لم أقصد ما ذهبت إليه ولكني كمسلم أردت تدعيم عمل إسلامي".

مصطفى مشهور ومفهوم الحج

تولى الأستاذ مصطفى مشهور منصب المرشد العام خلفا للأستاذ محمد حامد أبو النصر عام 1996م حيث ظل به حتى عام 2002م، وكان له فكره التربوي مع مواسم الحج والتي كتب عنها بقوله: زاد الحج زاد مكثف وفير يكرم الله به زوار بيته الحرام، فالفيوضات الربانية أثناء فترة الحج وفى الأماكن المقدسة وعند أداء هذه الشعائر فيوضات غامرة من النور و الهداية و التقوى و الرحمة و السكينة، خاصة إذا كان جهاز الاستقبال وهو قلب الحاج سليماً نقياً نظيفاًَ مخلصاً الوجهة لله.. إن الحاج من وقت خروجه من منزله لأداء فريضة الحج يعيش فترة خالصة لله خالية من مشاغل الدنيا يعيشها بوجدانه ومشاعره وكيانه كله بقلبه وعقله وجسده وجوارحه وحواسه ونفسه وخلجات قلبه ويبذل فيها وقته وجهده وماله وكل ما يملك، وهكذا يطوع كل هذه النعم لله ولطاعة الله بعيداً عن معصية الله وفى هذا التطويع زاد كبير وتربية وتهذيب يمتد أثرها فى حياته بعد ذلك. (4)

عاكف يحج

منذ أن تولى الأستاذ عاكف منصب المرشد العام عام 2004م والنظام يتخوف منه لجرأته ولقوته في مواجهة النظام، مما كان سببا في منعه من أداء فريضة الحج عام 2005م غير أنه سمح له بأدائها في العام التالي 2006م، كما كان قد سمح له بأداء مناسك العمرة عام 2004م.

بديع آخر مرشد يؤدي فريضة الحج

محمد بديع الذي تولى منصب المرشد خلفا للأستاذ محمد مهدي عاكف عام 2010م يعتبر أخر مرشد زار الأراضي المقدسة من المرشدين حيث زاراها المرة الأولى عام 2010م لأداء شعيرة العمرة بعدما حصل على حكم قضائي يمكنه من ذلك حيث ذكر د. جمال نصار - المستشار الإعلامي لمكتب الإرشاد - أن المرشد غادر هو وأسرته إلى السعودية بدون أي معوقات أمنية

وذلك تنفيذا لحكم قضائي حصل عليه من القضاء الإداري فى مارس الماضي، مضيفا أنه تم منع المرشد في 2008 من السفر لأداة مناسك العمرة عندما كان عضوا بمكتب الإرشاد ومن المقرر أن تستمر زيارة المرشد للسعودية لمدة عشرة أيام. وفي عام 2012م زارها بصحبة زوجته وابنته وزوجها لأداء فريضة الحج.
-----
المراجع

- مجلة الإخوان المسلمين، العدد (25)، السنة الثانية، 16 رجب 1353ه - 25 أكتوبر 1934م.
- مجلة الإخوان المسلمين – السنة الرابعة – العدد 6 - 28 صفر 1355هـ - 19 مايو 1936م، صـ14.
- الإمام البنا ورحلات الإخوان للحج: موقع إخوان ويكي
- وفي الحج زاد.