قال خبير هندسة السدود د.محمد حافظ؛ إن سد النهضة فيه عيوب فنية كبيرة، منها فوالق وكهوف كافية لانهياره في أي لحظة، وأن تلك العيوب "كانت سببا في اغتيال وقتل من تسببوا بها، وتم استدعاء شركات أجنبية من بينها شركات صينية حتى يمكن التغلب على تلك العيوب.
وأضاف في حوار نشره موقع " عربي21"، أن التعبئة الأولى للسد، أثرت كثيرا على مصر، وخاصة منسوب بحيرة ناصر، ومع ذلك فإن إثيوبيا تحاول التهوين من هذه الأضرار، بل الأكثر من ذلك، هو نيتها في إكمال ملء السد بداية من نوفمبر القادم والانتهاء من ذاك عام ٢٠٢١، وهو ما يمثل خطرا كبيرا على دول المصب، ويمثل خلافا كبيرا بين الدول الثلاث.
وأكد أن هناك تطور خطير في أزمة سد النهضة بعد الملء الأول، حيث إن هذا الملء وفقا لاتفاقية مبادئ سد النهضة، هو ملء غير شرعي ويعتبر اختراقا واضحا لبنود الاتفاقية. والإصرار على الملء بشكل منفرد يعكس قدرا عاليا من العنجهية، ويرسم ملامح مسار التفاوض المستقبلي على باقي بنود اتفاقية المبادئ.
وعن مدى الخطورة التي مثلها الملء الأول للسد على دولتي المصب، قال: واقع الأمر يؤكد أن الملء الأول، الذي يعادل قرابة 4.9 مليار متر مكعب، سوف يؤثر في نهاية العام المائي الحالي على إجمالي التدفقات الطبيعية التي كانت تصل لبحيرة ناصر من فرع النيل الأزرق، فعلى الرغم من حجم التعبئة لم يزد عن 4.9 مليار متر مكعب نظريا، إلا أنه قد يصل لقرابة 7 مليار متر مكعب، وذلك لو أضفنا حجم الفواقد في قاع البحيرة، وعليه فمن المنتظر أن تعاني بحيرة ناصر من انخفاض قدره 7 مليار متر مكعب لهذا العام.
وبين حافظ، أن حجز إثيوبيا لقرابة 4.9 مليار متر مكعب فقط خلال فترة الفيضان الحالية، هو بهدف إجراء تحميل تجريبي على العناصر الإنشائية للسد الخرساني والتأكد من متانة أجزائه، وفي حالة نجاح نموذج المحاكاة التي تجريه إثيوبيا اليوم على السد الخرساني، فمن المنتظر أن تبدأ إثيوبيا في استكمال الملء بداية من شهر نوفمبر 2020 حتى نهاية مارس 2021، وذلك بغرض تخزين التدفقات الشهرية القادمة، وملء الخزان حتى منسوب 572 فوق سطح البحر، وهو منسوب كاف لتشغيل التروبينات المنخفضة بشرط وصول سعة البحيرة لقرابة 11 مليار متر مكعب.
وأوضح أنه للأسف صار سد النهضة أمرا واقعا، والسير على هدي اتفاقية مبادئ 2015 لن يأتي لمصر والسودان بأي نتيجة، ولذلك فهناك فرصة أفضل للدولتين بالخروج من اتفاقية مبادئ سد النهضة وسحب القضية كلها إلى البند السابع لميثاق الأمم المتحدة لفض النزاعات بين الدول، ويكون الطلب الأساسي لدولتي المصب هو إصدار قرار أممي يلزم إثيوبيا بملء السد الخرساني، فقط بما يعادل قرابة 14.0 مليار متر مكعب عند منسوب 595 فوق سطح البحر، ومنع ملء السد الركامي الذي يخزن قرابة 60.0 مليار متر مكعب، إضافة لما يخزنه السد الخرساني.
وأشار إلى أن سد النهضة يتكون من سد خرساني بطول 1800 متر وارتفاع 155 مترا وبجانبه سد ركامي بطول 5000 متر وارتفاع 55 مترا، والهدف من السد الركامي هو إغلاق فجوة بين جبلين، بهدف زيادة سعة حجم بحيرة التخزين من 14 مليار متر مكعب لـ 74 مليار متر مكعب، وقد تم تركيب 16 توربينا بالسد الخرساني لتوليد كمية من الطاقة الكهربائية تعادل 6450 ميغاوات، إلا أنه بعد أن تولت إحدى الشركات الصينية أمر السد بعد طرد شركة (ميتك) العسكرية الإثيوبية من الموقع، تم إغلاق فتحات 5 توربينات منه، وتخفيض عدد التوربينات لـ11 بطاقة إنتاجية تعادل قرابة 4125 ميغاوات فقط، وذلك نتيجة أخطاء تصميمية بالسد، كان المهندس التنفيذي للسد يخفيها وتسببت في اغتياله شهر يوليو 2018.
وأكد أن سد النهضة يوجد به مشاكل فنية عديدة، وأهمها مشاكل خاصة بطحن خرسانة الأساسات تحت إجهادات الأحمال الأفقية والعزوم الناتج عنها، وظهر هذا الأمر بشكل واضح جدا خلال فيضان 2019، حيث ظهر الممر الأوسط وخرسانة الـ Toe متآكله، إلا أن إثيوبيا قامت بترميم هذا الجزء من الأساسات بعد نهاية فيضان 2019، كما تبين في أثناء أعمال المسح الجيوفيزيائي لطبقة أساسات سد النهضة، وجود كهوف عدة وفوالق خطيرة كافية لانهيار السد في حالة كامل التحميل، وذلك على الرغم من قيام شركة ساليني بعمل طبقة من (الحقن المنضغط) لملء تلك الكهوف والتشققات، إلا أن جودة العمل غير معلومة لدى مصر والسودان، اللذين طلبا من إثيوبيا الاطلاع على ما تم من عمليات (حقن) بهدف رفع عوامل الأمان للسد، ولكن إثيوبيا رفضت تقديم أي مستندات تفيد قيامها بتحسين معاملات الأمان للسد.
وأضاف أن حجم العيوب الفنية بسد النهضة كان سببا في مقتل المهندس التنفيذي للسد شهر يوليو 2018، واغتيال مدير مصنع الخرسانة التي تورد الخرسانة للسد شهر مايو 2018 وانتحار أحد مهندسي شركة ساليني في سبتمبر 2018. وقد صرح المدير التنفيذي الجديد للمشروع بأن السبب الحقيقي لتأخر بناء سد النهضة، هي أسباب جيولوجية ثم يليها أسباب ميكانيكية وكهربائية، كما أكد خلال جلسة البرلمان عام 2019 وجود وديان عميقة بقاع البحيرة، تسبب بعض المشاكل الهيدرولوجية لبحيرة التخزين.
وأشار إلى أن الأنباء التي تحدثت بأن بعض التوربينات توقفت مؤخرا جراء عاصفه رعدية، ليس أكثر من تخيلات وجهل، لأن التوربينات لم تعمل بعد كي تتوقف، ولا يمكن للرعد الوصول للتوربينات المختبئة في أعماق محطة توليد الكهرباء.
وقال حافظ إن إثيوبيا ليست بحاجة لهذا السد الضخم (القرني)، وكان يكفيها بناء سد موسمي مثل (سد مروي السوداني)، الذي تم بناؤه وملؤه بـ 12 مليار متر مكعب عام 2009 دون أي ذكر له في الإعلام المصري أو تحوله لمشكلة بين مصر والسودان، لكن إثيوبيا أصرت على بناء سد النهضة بتلك المواصفات، بهدف تخزين مياه النيل الأزرق وتحويل النهر الدولي إلي بحيرة إثيوبية، ويمكنها في المستقبل القريب أن تحول تلك البحيرة لبنك لتصدير المياه للدولة المصرية بسعر أرخص من سعر تحلية مياه البحر، ويبدو أنهم قد نجحوا في هدفهم.
وذكر أن أبرز الدول المشاركة في تمويل السد بشكل مباشر أو غير مباشر، هي السعودية والإمارات والصين، هذا بالإضافة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وقد نجحت مصر قبل انقلاب السيسي في التواصل مع المجتمع الدولي، وحصلت على (قرار أممي) يمنع تمويل سد النهضة ما حوله لسد غير شرعي يحق للدولة المصرية (تدميره) عسكريا لو مثل خطرا عليها، إلا أن السيسي ذهب ووقع اتفاقية مبادئ سد النهضة ليشرعن السد ويفتح بنوك العالم لتمويل السد بشكل مباشر أو غير مباشر.
وعن اتفاق واشنطن الذي تهربت منه أثيوبيا، قال حافظ أنه لم يكن إلا فصلا من فصول المسرحية العالمية للضحك على الشعب المصري، وإظهار أمريكا على أنها تساند حق دولة ذات أغلبية مسلمة ضد إثيوبيا ذات الأغلبية المسيحية، شاهدنا جميعا كيف أن مصر قد رضيت بما أقره ترامب الذي خفض حصة مصر من النيل الأزرق من 48.5 مليار متر مكعب سنويا لــ 37 مليار فقط، إلا أن إثيوبيا رفضت هذا الاقتراح وأصرت على 31 مليار متر مكعب فقط، وفي نهاية الأمر رفضت التوقيع على أي اتفاق ملزم ورفضت حتى الذهاب لمقابلة ترامب.
وأوضح أن ترامب في البداية كان يريد أن يساند السيسي ديكتاتوره المفضل، ولكن أمريكا ليست هي ترامب، أمريكا دولة مؤسسات راسخة لا تتأثر بمن هو يحكم في البيت الأبيض، وتلك المؤسسات لديها هدف واضح تماما منذ تصميم مكتب إصلاح الأراضي الأمريكي لسد الحدود الإثيوبي في نفس موقع سد النهضة حاليا، وهو تخفيض التدفقات الطبيعية للنيل الأزرق الذاهبة لبحيرة ناصر، وذلك عام 1964 بعدما نجح جمال عبد الناصر في تشييد السد العالي، فمخطط حرمان مصر من تدفقات النيل الأزرق هو مخطط قديم جدا تقوده المؤسسات الدولية بقيادة أمريكا، وذلك بهدف نقل المركز الثقافي والحضاري من مصر إلى إثيوبيا.
كما أشار إلى أن معظم الدول الأفريقية الأعضاء في الاتحاد الأفريقي يساندون إثيوبيا ضد مصر، ويتمنون انتصارها في قضية سد النهضة، لأن كل دولة من دول حوض النيل لديها سد نهضة خاص بها، تريد بناءه بعد انتصار إثيوبيا على مصر، فلو تحقق هذا الأمر لإثيوبيا اليوم، فمن المنتظر بناء أكثر من 8 سدود بدول حوض النيل قبل حلول عام 2030.
أما الدول العربية فتحديدا السعودية والإمارات قادرون على تبطئة معدل البناء لسد النهضة، وذلك من خلال ما لديهم من استثمارات مع الدولة الإثيوبية، إلا أن كلا البلدين يستخدمان ورقة سد النهضة لإجبار السيسي على دخول ليبيا ومساعدة حفتر، ولكنه لا زال متخوفا من هذا الأمر، ولذلك فهم اليوم يساندون إثيوبيا ويوجهون إعلامهم لنقد تعامل السيسي مع قضية سد النهضة؛ كنوع من الضغط لإجباره على غزو ليبيا.