قال السياسي المصري وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان سابقا، أسامة رشدي، إن مصر مهيأة لتغيرات كبرى خلال الفترة المقبلة، وذلك على خلفية تداعيات أزمة جائحة كورونا، التي أكد أنها بمنزلة اختبار شديد الوطأة على كل دول العالم، والتي ستنجح بعض الحكومات في احتوائها وتجاوز آثارها، بينما ستفشل أخرى استنادا لمعطيات مختلفة، لافتا إلى وجود تقديرات وتوقعات من مصادر وشخصيات مختلفة تشير إلى احتمالية سقوط رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي بعد انتهاء كورونا.

وأضاف، أن "النظام المصري، الذي لم يأخذ وباء كورونا على محمل الجد منذ البداية، اعتمد إجراءات متخبطة جدا في إدارة تلك الأزمة، في الوقت الذي لا يملك فيه بنية تحتية صحية مناسبة، ويفتقر للموازنات المالية التي هي أدنى من المعدلات العالمية من قبل كورونا، وهو ما أدى للمشاكل المختلفة وشكاوى الناس والأطباء من عجز الإمكانات ونقص المستلزمات الطبية في المستشفيات رغم تفشي الفيروس على نطاق واسع".

وأكد رشدي أن "الوضع الاقتصادي كارثي، ليس فقط بسبب تأثيرات كورونا، ولكن لأنه اقتصاد غير منتج، ويعتمد في معظمه على الخدمات كالسياحة أو عائد قناة السويس أو تحويلات المصريين في الخارج، وزاد على ذلك حالة الركود الكبيرة التي ستؤثر بالتبعية على الواردات المالية من ضرائب ورسوم، بينما خرج أكثر من 21 مليار دولار من الاستثمارات الساخنة خلال الأشهر الثلاثة الماضية".

"انهيار الاقتصاد"

وتابع: "كل هذا ينذر بانهيارات اقتصادية في ظل خدمة دين تلتهم معظم الموازنة العامة، وهذا الوضع بالتأكيد سيكون له انعكاساته المجتمعية، لاسيما وأن نظام السيسي استدان أموالا ضخمة وهائلة، ولايزال يستدين، لإنشاء مشاريع غير منتجة، وأنفق المليارات على بناء قصوره الرئاسية، وتفريعة قناة السويس، وغيرها، ليتفاخر بأن لديه أكبر مدينة للفنون في العالم، وأطول برج في أفريقيا، وأكبر سارية للعلم في العالم، وأهدر في ذلك قرابة الـ 50 مليار دولار على عاصمته الإدارية الجديدة التي كان مقررا أن يفتتحها نهاية هذا الشهر".

واستطرد رشدي قائلا: "السؤال الكبير هنا: كيف سيتمكن السيسي الذي جفّف منابع السياسة، ويحكم بالحديد والنار والسجون، والذي لن يجد من يقرضه للوفاء باحتياجات أكثر من 100 مليون مصري، في الاستمرار في حكم بلد بحجم مصر. ومن هنا فالوضع المصري مهيأ لتغيرات كبرى محتمل حدوثها بقوة خلال الفترة المقبلة".

وشدّد على أن "أزمة كورونا تختلف تماما عن باقي الأزمات الأخرى التي مر بها النظام المصري، لأنها أزمة عامة وتعاني منها كل الأنظمة الداعمة للسيسي، وإن كانت بدرجات متفاوتة وفقا لقدرات كل دولة ووضعها المالي؛ فلا أحد بمقدوره الآن ضخ المليارات للسيسي، كما كان الحال سابقا؛ فالكل مشغول بنفسه، ولذلك رأينا قروضا جديدة من صندوق النقد الدولي، ويصدرون الآن سندات دولية طويلة بعائد مرتفع جدا، لأن النظام لا يرهن الحاضر فقط، بل المستقبل أيضا".

"آلة القمع"

وأردف عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان سابقا: "السيسي لا يملك الآن إلا آلة القمع للأسف، لكن إلى أي مدى سيستعيض بالقمع عن الديمقراطية والحقوق والحريات، وضرورات الحياة، ومتطلبات الشعب الاقتصادية والاجتماعية، التي سيعجز بشكل واضح عن الوفاء بها خلال الشهور القليلة المقبلة".

وأشار إلى أن "قيام النظام باستمرار شن حملات اعتقال رغم جائحة كورونا يأتي في سياق إرهاب الناس وتخويفهم لحملهم وإجبارهم على الصمت، ولمحاولة منع الاعتراضات أو الاحتجاج على ما يحدث للشعب وللأطباء والطواقم الطبية من تقصير كبير وخطير"، مؤكدا أن "القمع والظلم وتلفيق القضايا للأبرياء لا يعكس قوة النظام بقدر ما يظهر رعبه من اتساع رقعة هذه الاحتجاجات أو حتى مجرد الكتابات على مواقع التواصل".
 

اقرأ أيضا: حكم "كارثي" يقنن فصل عمال مصر ويصم احتجاجاتهم بـ"الخيانة"

وواصل رشدي حديثه قائلا: "مصر كالنقطة السوداء في كل مجالات حقوق الإنسان؛ فهناك أكثر من 950 معتقلا توفوا في السجون منذ تموز/ يوليو 2013 بسبب التعذيب أو الإهمال الطبي المتعمد وغير المتعمد، وعلى رأسهم الرئيس الراحل محمد مرسي، والذي تحل ذكرى وفاته الأولى بعد أيام".

واستطرد قائلا: "هناك عشرات الآلاف من المحبوسين احتياطيا ممن يرفض النظام الإفراج عنهم، رغم المطالب الدولية، والخطورة التي يتعرض لها هؤلاء وغيرهم من السجناء، ومنهم كبار السن والمرضى بسبب الوباء، لأن السيسي يستخدم السجناء الآن كرهائن للمساومة عليهم في محاولة بائسة لإسكات أصوات المعارضة في الخارج بعد أن جفّف منابعها في الداخل".

"تغييب المجتمع المدني"

ولفت المعارض المصري إلى أن "مواجهة أزمة كورونا في الأحوال الطبيعية كانت تحتاج لمجتمع مدني حر وفاعل لتوظيف كل الطاقات، وللقيام بالواجبات الاجتماعية، وتوعية المجتمع، نتيجة ما يصيب الناس من مشكلات اقتصادية وصحية ومجتمعية".

وأردف: "تخيل أن المجتمع المدني بشكل كامل مشلول الآن في مصر بعد حل المئات من الجمعيات والمراكز الصحية والخيرية والجمعيات التي كانت تنفق على الضعفاء وتتفقدهم؛ فبالتأكيد المجتمع المدني كله مغيب الآن، فقد حلوا الجمعيات وصادروا أموالها، وما تبقى منها من كيانات رسمية، كنقابة الأطباء مثلا، يتهمونهم أنهم إخوان لكونهم يطالبون بتطبيق البروتكولات المعتمدة لحماية الأطباء أو المستشفيات من تفشي الوباء".

وتعليقا على استمرار قيام مصر بإرسال شحنات مساعدات طبية لكثير من الدول الخارجية رغم الأزمة التي تواجهها، قال: "لا خلاف من الناحية المبدئية على التعاون الدولي ومساعدة الأصدقاء لمواجهة الوباء، بشرط أن تتحقق الكفاية للشعب أولا، وهو ما لم يتحقق وفقا لكل المؤشرات وشكاوى الأطباء والأطقم الطبية، خاصة أن أسعار هذه المنتجات في السوق المصري في ارتفاع؛ فهناك عجز كبير في الأدوية ووصلت علبة التاميفلو 2000 جنيه (نحو 140 دولارا)، وكذلك مختلف المستلزمات التي يحتاجها المرضى".

وأضاف العضو السابق للمجلس القومي لحقوق الإنسان: "بالطبع حينما يرى الشعب المصري مقدراته يتم توزيعها للمجاملة أو كصفقات علاقات عامة مع بعض الجدول الخارجية فهذه جريمة أخرى في حق الشعب".

"الجيش بعيدا عن كورونا"

وبسؤاله عن الأسباب التي حالت دون تدخل المؤسسة العسكرية حتى الآن في أزمة كورونا، أجاب: "القوات المسلحة استعرضت في مؤتمر بحضور السيسي امتلاكها لمنظومة صحية ضخمة، وأكثر من ألف سيارة إسعاف، ومستشفيات متنقلة، وأخرى جرى تجهيزها، وهي على المفتاح، كما قال السيسي، وهناك 15 ألف غرفة فندقية أعدت لاستقبال الحالات، ولكن حتى الآن لم ير أحد شيئا من ذلك، لأن هناك دولة للعسكر لا تزال تضن على شعب مصر بالمساعدة".

واستطرد قائلا: "رغم أن الناس لا تجد مكانا في أي مستشفى، والعلاج الخاص يكلف من 300-500 ألف جنيه (20 – 35 ألف دولار) خلال أسبوعين. وهذا ما يثير الغضب الآن، ليبقى السؤال: ماذا ينتظرون حتى يقدموا المساعدة للناس؟".

وفي تفسيره لعدم تدخل الجيش في تلك الأزمة، قال: "الجيش تدخل فقط في البيزنس لتوظيف الأزمة والاستفادة منها؛ فاحتكروا إنتاج المطهرات والكمامات، وحصلوا على مقاولات بعمل تطهير للجامعات والمؤسسات الحكومية في مقابل مبالغ ضخمة هم من حددوها، رغم أن كل هذه الأعمال كان يمكن للمجتمع المدني والصناعي القيام بها ربما أفضل وأرخص".

وأضاف رشدي: "أما ما فعلته الجيوش الأخرى في بلاد أخرى كثيرة من بناء المستشفيات الطارئة، ووضع إمكاناتها الصحية تحت تصرف وزارات الصحة المحلية، والمساعدة في توزيع المستلزمات على المستشفيات، ونقل المرضى؛ فهذا ما لم نره في مصر على الإطلاق حتى الآن".

واستبعد أن يكون عدم تدخل الجيش المصري في أزمة كورونا ناتجا عن خوف السيسي من حدوث انقلاب عليه، كما يقول البعض، "بل لأنهم رأوا بعض أصدقائهم من الجنرالات يموتون من كورونا في آذار/ مارس الماضي، وأدركوا أن الوباء لا ترهبه الرتب والنياشيين، فأخذوا خطوات للخلف ليهربوا من المواجهة، وياليتهم يتركون المستشفيات المدنية تعمل، بل قاموا مؤخرا باستدعاء 162 طبيبا كبيرا من الخدمة المدنية، للخدمة العسكرية بموجب قانون استدعاء إجباري يستخدم في حالة الأعمال الحربية".

ورأى رشدي أن "الضبطية القضائية التي تم منحها للجيش في التعديلات التي تم إقرارها مؤخرا على قانون الطوارئ، هي جزء من المغانم والسلطات التي لم تقابلها مسؤولية".

"ثمار ثورة يناير"

وأكمل: "مصر مُختطفة الآن من عصابة انقلابية مدعومة من دوائر إقليمية ودولية لحرمانها من ثمار ثورة يناير، وحلم شعبها في حكومة مدنية ديمقراطية، وكلهم يعلمون ما تملكه مصر من إمكانات مادية وعقول بشرية وتاريخ يؤهلها للنجاح غير المرغوب فيه".

وأضاف: "الانقلابات العسكرية على الأنظمة المدنية المنتخبة التي لها قاعدة شعبية دائما ما تكون دموية وتُرتكب فيها المجازر بغرض إرهاب الناس وحملهم على الاستسلام والخضوع للحكم الفاشي العسكري، وهذا ما يجري الآن، وطالما أن هناك من لا يزال يقاوم الاستبداد والديكتاتورية ويتمسك بحقوقه وحرياته ويرفض التسليم بشرعيته فالقضية لم تنته بعد 7 سنوات، ولن تنتهي، إلا باستعادة المسار السياسي والديمقراطي مرة أخرى.

واختتم رشدي بقوله: "سيواصل المستبد المنقلب بطشه وإجرامه حتى الدقائق الأخيرة من حكمه الذي حتما سينتهي في نهاية المطاف، لأن هذه هي السنن الكونية. ونحن نستشرف قرب تلك النهاية المأمولة والمتوقعة في المستقبل المنظور".