أكد حقوقيون وقانونيون مصريون أن البيان الذي أصدرته نيابة أمن الدولة العليا بمصر حول قضية اقتحام موقع "مدى مصر"، وأنه كان بناء على تحريات جهاز الأمن الوطني التي أفادت عن تبعية الموقع لجماعة الإخوان المسلمين، يشير إلى "كارثة محاضر التحريات المفبركة، التي تعتمد عليها سلطات التحقيق القضائية في حبس معارضي النظام المصري".

وكانت النيابة المصرية علقت على الانتقادات الدولية والمحلية الخاصة باقتحام موقع "مدى مصر"، بأنها أصدرت أمر التفتيش والضبط والإحضار بناء على محضر تحريات الأمن الوطني، الذي كشف أن الموقع تابع لجماعة الإخوان المسلمين، ويقوم على نشر الشائعات التي تهدد أمن واستقرار المجتمع المصري.

وأكد الخبراء أن النيابة المصرية أصبحت أداة لينة في يد نظام الانقلاب العسكري برئاسة عبد الفتاح السيسي، وأنها تدار من داخل مقرّات الأجهزة الأمنية، ولم تعد سلطة مستقلة.

يأتي ذلك في وقت اتهمت فيه منظمة العفو الدولية، في تقرير رسمي، نيابة أمن الدولة بأنها تحولت لوسيلة قمع لا تقل بشاعة عن الأجهزة الأمنية التي تدير المشهد السياسي والأمني بمصر، ودعت المنظمة لإجراء تحقيق دولي مستقل، عن تحول هذه النيابة لأداة قمع في يد السلطة المصرية.

وحسب تقرير المنظمة، فإن القضايا التي نظرتها نيابة أمن الدولة العليا ضد معارضي النظام المصري ارتفعت من 529 قضية خلال عام 2013 إلى 1739 بنهاية 2018، مؤكدة أن النظام المصري يستخدم نيابة أمن الدولة لاحتجاز وتخويف معارضيه، باسم مكافحة الإرهاب.

"سيطرة النظام"

من جانبه، يؤكد وكيل اللجنة التشريعية بمجلس الشورى المصري السابق، طاهر عبد المحسن، أن مصر "تحولت لدولة بوليسية، بما يسمح لرئيس نظام الانقلاب العسكري وحاشيته بالتدخل والتوغل والسيطرة على باقي سلطات الدولة التي حددها الدستور والقانون، وأصبحت السلطة التنفيذية وسيلة قمع لباقي السلطات القضائية والتشريعية".

ويوضح عبد المحسن أن بيان نيابة أمن الدولة حول قضية موقع "مدى مصر"، وتبريرها قرار التفتيش والضبط والإحضار الذي أصدرته، بأنه كان بناء على محضر تحريات الأمن الوطني، وأن الموقع ينتمي لجماعة الإخوان، هو شكل من أشكال سيطرة السلطة التنفيذية على باقي السلطات الموجودة بمصر، كما أنه يشير إلى أن هذه القضية على وجه التحديد فضحت طريقة إدارة شؤون الدولة والحكم بمصر".

وحسب عبد المحسن، فإن القانون والدستور منحا الاستقلالية الكاملة للنيابة العامة؛ لاتخاذ ما تراه مناسبا في أي محضر تحريات يقدمه ضباط الداخلية، باعتبار أن المحضر يعتمد على رواية الضابط المسؤول، ومن حق النيابة أن تأخذ بهذه الرواية أو ترفضها، لأن كلام الضابط في النهاية ليس مُسلما به، ولكن على أرض الواقع فإن ما جرى يؤكد أن الجهة التي اتخذت قرار التفتيش والضبط والإحضار، لم تكن النيابة ولا الأمن الوطني، وإنما الجهاز الذي يعمل به نجل السيسي، وهو المخابرات العامة".

ويشير الوكيل السابق للجنة التشريعية بمجلس الشورى المصري، إلى أنه على عكس كل القضايا السابقة، "فإن نيابة أمن الدولة هذه المرة هي التي ورطت الجميع في الموضوع، وأرادت أن تنقل الانتقادات من مربعها لمربع الأمن الوطني بالبيان الذي أصدرته، وكأنها تعترف بتخليها عن واجبها القانوني والدستوري المستقل، وتحولها لهيئة تابعة للسلطة التنفيذية".

"سلسلة الفضائح"

ويكشف رئيس اللجنة القانونية لحزب الحرية والعدالة، المحامي مختار العشري، أن معظم أعضاء نيابة أمن الدولة هم في الأساس ضباط سابقون في وزارة الداخلية، وأن الهدف من اختيارهم في هذه النيابة على وجه التحديد سياسي وليس قانوني، باعتبارهم الأكثر طواعية لقرارات الأجهزة الأمنية".

ويؤكد العشري أن القرار الخاص بإخلاء السبيل، أو التجديد، أو التدابير الاحترازية، التي يصدرها وكلاء نيابة أمن الدولة، تأتي بتعليمات من جهاز الأمن الوطني، وهو أمر يعرفه كل المحامين الذين يتلقون إجابة واحدة من كل وكلاء النيابة بعد انتهاء التحقيقات، بأنهم في انتظار التعليمات لإصدار القرار في القضية محل التحقيق".

ووفق العشري، فإن "تحول النيابة المصرية، خاصة نيابة أمن الدولة، لوسيلة قمع قانونية في يد الأجهزة الأمنية، هو نتيجة طبيعية للحالة القمعية التي تعيشها مصر، منذ الانقلاب العسكري الذي سيطر على السلطة القضائية بشكل لم يعرفه التاريخ القضائي المصري قبل ذلك".

ويضيف المحامي والحقوقي المصري قائلا: "ما حدث في قضية موقع "مدى مصر"، فضح محاضر تحريات الأمن الوطني، وفضح ضعف سلطات التحقيق القضائية، وفضح فبركة كل القضايا التي يتم اتهام معارضي السيسي فيها، سواء كانوا ينتمون لجماعة الإخوان أو أي توجه سياسي آخر".

ويرى العشري أن النيابة المصرية، بكل فروعها، أصبحت شريكا أساسيا في القمع والظلم الذي يتعرض له الشعب المصري، خاصة أن بإمكان النيابة أن تتعامل باستقلالية، وتتخذ قراراتها بناء على صحيح القانون، وعلى الأدلة والبراهين الموجودة في أي قضية، لكنها بدلا من ذلك، تقوم بتنفيذ تعليمات ضابط الأمن الوطني المسؤول عن القضية".