عندما أحرز قائد منتخب الجزائر، رياض محرز، هدف الفوز لفريقه أمام منتخب نيجيريا في مباراة الدور قبل النهائي لبطولة الأمم الأفريقية، انطلقت الصيحات في كثير من المنازل والمقاهي بمصر فرحا بفوز الجزائر!.

ونجحت البطولة، التي تستضيفها مصر حاليا، وتختتم مبارياتها يوم الجمعة المقبل، في إذابة الجليد بين الشعب المصري والجزائري، حيث شهدت تشجيعا مصريا غير مسبوق لمنتخب الجزائر، بعد أن كان التوتر حاضرا بقوة بسبب المنافسة في كرة القدم بين الجانبين، منتخبي وأندية البلدين.

وهذه هي المرة الأولى، منذ عقود بعيدة، التي يقوم فيها ملايين المصريين بتشجيع منتخب الجزائر بحماس في المنازل وعلى المقاهي، بل وداخل مدرجات الملاعب التي شهدت حضور مئات المصريين حاملين لافتات تشجيع للجزائر ولاعبيها.

تشجيع حماسي

وخلال مباريات الجزائر التي لعبتها أمام ساحل العاج في دور الثمانية، وأمام نيجيريا في دور الأربعة بكأس الأمم الأفريقية، كان المشجعون المصريون يتابعون المباراتين بتفاعل وحماس ملحوظين، حتى أن المار أمام المقهى قد يعتقد أن منتخب مصر هو الذي يلعب وليس الجزائر!.

وخلال مباراة الجزائر أمام ساحل العاج، ظل التشجيع مستمرا ممزوجا بالإعجاب بالأداء الراقي للاعبي الجزائر، كما تعاطف الكثيرون مع دموع اللاعب بغداد بونجاح الذي أضاع ركلة جزاء في المباراة، وتمنوا الفوز للجزائر؛ حتى لا يتحمل اللاعب مسؤولية خروج بلاده من البطولة، وتعالت صيحات الفرح عقب انتهاء المباراة بفوز المنتخب الجزائري بركلات الترجيح.

وفي المباراة التالية أمام نيجيريا، كان الحماس على المقهى أكبر، وقفز الكثيرون فرحا مع هدف رياض محرز في الوقت بدل الضائع، الذي أرسل منتخب الجزائر إلى نهائي البطولة.

ويتوقع كثيرون حصول الجزائر على كأس البطولة التي تعد أبرز المرشحين للحصول على لقبها، لتضيف النجمة الثانية لمحاربي الصحراء الذين فازوا ببطولة أفريقيا مرة واحدة فقط عام 1990.

وطوال مشواره في البطولة الحالية، قدم منتخب الجزائر أداء نال إشادة المشاهدين والنقاد على حد سواء، بعد أن تصدر مجموعته بثلاثة انتصارات متتالية، ثم فاز على غينيا في دور الستة عشر، وأطاح بساحل العاج في دور الثمانية، قبل أن يهزم نيجيريا في الدور قبل النهائي.

تاريخ من العداء

لكن الوضع لم يكن على هذه الصورة منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى أيام قليلة، حيث كان التنافس الشديد المصحوب بالعداوة والتناحر سيد الموقف.

ووصل التوتر بين الجانبين ذروته عام 2009، خلال التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا، التي شهدت تنافسا محتدما بين منتخبي مصر والجزائر على بطاقة التأهل، وتعرضت حافلة المنتخب الجزائري وقتها لاعتداء من الجماهير في القاهرة، صاحبه تصعيد إعلامي غير مسبوق من الإعلاميين المصريين.

كما شهدت المباراة الفاصلة التي أقيمت في ملعب أم درمان بالسودان، وفازت بها الجزائر لتتأهل إلى نهائيات كأس العالم، أعمال شغب واعتداء على المشجعين المصريين.

واستمر التوتر بين الجانبين، حينما التقى منتخبا البلدين في الدور قبل النهائي لبطولة أمم أفريقيا عام 2010 في أنجولا، وحينها فازت مصر بأربعة أهداف، ووصف الإعلام المصري هذا الفوز بأنه انتقام لما حدث قبل عام في أم درمان.

يستحق التشجيع

وأرجع عدد من المواطنين تشجيعهم لمنتخب الجزائر في هذه البطولة لعدة أسباب، قال محمد عادل (مهندس): إن أكثر ما أعجبه في فريق الجزائر هو الروح العالية التي يؤدي بها اللاعبون المباريات، بجانب مهاراتهم العالية، والتزامهم التكتيكي في الملعب".

أما خالد أبو الوفا (موظف حكومي) فقال إن منتخب الجزائر يستحق التشجيع والمؤازرة، بعد فرض احترامه على الجميع منذ مباراته الأولى في البطولة بأدائه الرائع ونتائجه المشرفة".

من جانبها، قالت خديجة أحمد (ربة منزل) إنها بعد مشاهدة المباراة الأولى لمنتخب الجزائر في البطولة، أصبحت تنتظر مشاهدتها؛ بسبب استمتاعها بأداء اللاعبين وروحهم العالية، مشيرة إلى أن لا تكترث بالتوتر الذي كان يسيطر على العلاقة بين البلدين في الماضي، لأنه كان من صنع الأنظمة السابقة في البلدين.

مقارنة بين منتخبين

وتعليقا على هذا الموضوع، قال الناقد الرياضي محمد مصطفى إن منتخب الجزائر يجبرك على احترامه؛ بسبب أدائه القوي والثابت منذ مباراته الأولى في البطولة، بفضل تألق لاعبيه والقيادة الفنية الممتازة لمدربهم الكفء جمال بلماضي.

وأضاف مصطفى، أن الجزار تلعب كرة جماعية، ولا يعتمد الفريق على نجمهم الأبرز رياض محرز لاعب نادي مانشستر سيتي الإنجليزي، مشيرا إلى أن القتال من أجل تحقيق الفوز من أبرز مميزات هذا الفريق.

وحول تفسيره لتشجيع المصريين الكبير لمنتخب الجزائر في هذه البطولة، قال محمد مصطفى إن الجماهير المصرية عقدت مقارنة بين فريقها وفريق الجزائر، وللأسف أظهرت هذه المقارنة أن اللاعبين المصريين لم يكونوا على قدر المسؤولية، ولم يؤدوا بروح عالية، ولم يظهروا التضحية الواجبة وإنكار الذات لصالح بلادهم، بل بحثوا عن مصالحهم الشخصية، كل هذه العناصر على النقيض تماما مما أظهره لاعبو الجزائر في البطولة.

وأضاف مصطفى، أن مصر بها جيل جديد من المشجعين صغيري السن الذين لم يعيشوا أجواء التوتر الشديد بين مصر والجزائر قبل عشرة أعوام، لافتا إلى أنهم تربوا على مشاهدة مباريات الكرة الأوروبية بعيدا عن مظاهر التعصب المحلي.