يوم الـ 17 من الشهر الماضي انطلقت مظاهرات حاشدة في العاصمة الفرنسية باريس وفي عدة مدن أخرى للتنديد بارتفاع أسعار الوقود وارتفاع تكاليف المعيشة.

ومنذ اللحظات الأولى لاندلاع تلك المظاهرات ظهر القلق والرعب في أوساط النظام المصري الانقلابي، خوفا من انتقال عدوى التظاهر إلى المصريين -الذين يعيشون أوضاعا اقتصادية متردية بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور- مع اقتراب الذكرى الثامنة لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

وبينما كان الفرنسيون يتظاهرون في باريس مرتدين السترات الصفراء للاحتجاج على سياسات رئيسهم الاقتصادية، كانت وسائل الإعلام المصرية -التي تتحرك بتعليمات من رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي- تخصص مساحات واسعة لتغطية احتجاجات "السترات الصفراء" ساعية لبث الذعر في نفوس المصريين.

(الفوضى والدمار والسلب والتخريب والمواجهات والخسائر) بهذه الكلمات وصف الإعلاميون المصريون احتجاجات "السترات الصفراء" كما قارن الإعلام بين المظاهرات الفرنسية وما أسموه "أيام الفوضى والخراب" في إشارة إلى ثورة يناير.

وفي الوقت الذي كان يعلن فيه الرئيس إيمانويل ماكرون للفرنسيين عن إلغاء الزيادات على ضرائب الوقود ورفع الحد الأدنى للأجور، كان الإعلام في مصر ينقل مشاهد اعتداء الشرطة الفرنسية على المتظاهرين، ويقول لمواطنيه إن تعامل الشرطة لن يكون أقل قسوة من تعامل نظيرتها في فرنسا.

وبعيدا عن الساحة الإعلامية، بدا ذعر السلطة واضحا عندما قررت السلطات وضع قيود على بيع السترات الصفراء للأفراد، حسبما نقلت وكالات أنباء عدة على لسان العديد من التجار الذين يبيعونها في قلب العاصمة القاهرة.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد سارعت الشرطة لاعتقال المحامي محمد رمضان بمدينة الإسكندرية الساحلية (شمال) ثم أمرت النيابة العامة بحبسه 15 يوما على ذمة التحقيق بعد أن نشر صورة له يرتدي سترة صفراء مماثلة لتلك التي يرتديها المحتجون في فرنسا.

 السيسي والسترات
ويبدو أن هذه الإجراءات لم تكن كافية بالنسبة لرئيس الانقلاب الذي قرر أن يتدخل شخصيا في هذه الأزمة، عندما أشاد بالشعب لتحمله "الإصلاح الاقتصادي الجريء".

وفي بيان نشره المتحدث باسم رئاسة الانقلاب بسام راضي عبر صفحته على موقع فيسبوك، قال فيه إن السيسي "أشاد -خلال لقائه وفد رؤساء وممثلي عدد من كبرى صناديق الاستثمار العالمية والإقليمية- بإرادة الشعب المصري ووعيه وتفهمه لضرورة تحمل أعباء خطوات الإصلاح الاقتصادي الجريئة".

ووفقا للبيان، فقد أشار السيسي إلى أن حكومته عازمة على المضي قدماً في مسار بناء الدولة، والذي لن يتحقق إلا عن طريق العمل والتحمل وبذل الجهد استمراراً لقوة الدفع في مسيرة التنمية في البلاد.

وبعد الإشادة، اختار سيسي الظهور في مداخلة تلفزيونية مساء الجمعة في برنامج "يحدث في مصر" على قناة "أم بي سي مصر" ليتحدث للمصريين عن احتجاجات "السترات الصفراء".

وفي المداخلة، اختار السيسي أن يخاطب المصريين من خلال الحديث للإعلاميين، عندما طالب وسائل الإعلام المحلية بمقارنة الأوضاع في مصر بنظيرتها بالدول الأوروبية التي تشهد مظاهرات، في إشارة غير مباشرة لفرنسا، وذلك لإظهار الفارق الإيجابي لصالح مصر.

ومضى رئيس الانقلاب في شرح رؤيته للإعلاميين المصريين قائلا "يا جماعة، عندما تطرحون هذه الصور (مظاهرات السترات الصفراء في فرنسا) إلى الناس في مصر ينبغي أن تقولوا لهم الواقع الموجود في هذه الدول".

وأشار السيسي إلى أن لتر الوقود والسولار في فرنسا يتجاوز عشرين جنيها (0.986 يورو) أو 25 جنيها (1.232 يورو) والضرائب على اللتر تبلغ 20% أي خمسة جنيهات (0.246 يورو) في حين يبلغ أعلى سعر لوقود السيارات في مصر (البنزين 95 أوكتان) 7.75 جنيهات أي (0.382 يورو).

لكن رئيس الانقلاب -الذي حرص على أن يقارن بين أسعار الوقود في فرنسا ومصر- تعمد أن يتجاهل الفرق الشاسع في الأجور بين البلدين، ففي حين يبلغ الحد الأدنى للأجور في مصر 1200 جنيه (59،171 يورو) فإن الحد الأدنى للأجور في فرنسا يبلغ (1525،47 يورو) أي 30.9 ألف جنيه.

وبعد الحديث المباشر للمصريين قرر السيسي أن يتخذ خطوة أخرى، فخلال جولته اليوم السبت لتفقد أعمال البناء في العاصمة الإدارية الجديدة، حرص رئيس الانقلاب على التقاط عدة صور مع عمال يرتدون السترات الصفراء.

وعلى الفور انطلقت اللجان الإلكترونية للإشادة بأصحاب السترات الصفراء المصريين الذين يعملون بجد لتنمية الوطن ويلتحمون برئيس الانقلاب بدلا من الاحتجاج عليه.

ويثير هوس السيسي وقلقه من مظاهرات في فرنسا الكثير من علامات الاستفهام، فهل يخشى الجنرال -الذي وصل للسلطة على ظهر الدبابة ويحكم المصريين منذ خمس سنوات بالحديد والنار- من ثورة شعبية؟

وإذا كانت المسافة كبيرة بين فرنسا ومصر على المستوى السياسي والاقتصادي، ورغم خروج الفرنسيين للاحتجاج على زيادة الضرائب، هل يكون الفقر والغلاء وانهيار حقوق الإنسان السبب في عودة المصريين إلى ميدان التحرير؟