ست سنوات مرت من الثورة في ذهن الناشط "احمد الشاطر"، وكأن الأعمار شريط سينمائي طويل حافل بصور وذكريات ميدان التحرير، تغيرت مصر كثيرًا وحتى الثورة أخذت صورًا ذهنية عديدة، وارتبطت في ذاكرته بمفردات ومعان مختلفة وهو يطوف في عمرته حول الكعبة، قبل دقائق من مغادرة الحرم ومصافحة القدر الذي كان ينتظره في سيارة مسرعة اصطدمت به وأنهت مسيرة اغتراب بعيدًا عن حضن الوطن.
 
يقول أحد النشطاء تعليقاً على وفاة "الشاطر"، :"طاردوه بعد الانقلاب..وبعدين سافر وساب بلده وبعدين أتجوز في الغربة من غير أهله ولا أهلها وبعدين توفاه الله اليوم وهو رايح يعمل عمرة والله فاجعة و أيتها فاجعة الشباب بقوا بيموتوا فجأة...!".
 
يقول احد نشطاء الثورة المصرية بالخارج: "الثورة كانت الأمل الذي انتشل الناس جميعهم من الضياع وأعطاهم إيمانًا بأن تغييرًا حقيقيًا قد يحدث في بلادهم".
 
ويضيف:"تركت الوطن بعد 30 يونيو بثلاثة أشهر"، وتابع:"كانت مشاهد الدم في الشوارع أمرًا لا يمكن تجاوزه نفسيًا، رابعة والنهضة. كان الأمر نوعًا من الهروب أنا أعترف بذلك، لي أخ وابنه مسجونون منذ ثلاث سنوات، ولا أستطيع أن أفعل حيالهم أي شيء. تخيلي أن الولد في الخامسة عشرة فقط ؟".
 
وأضاف: "بعد فض رابعة وجدوا على موبايل الولد شعار رابعة فتم القبض عليه هو ووالده وصدر بحقهم حكم بثلاث سنوات"، مشدداً: "في ظل الانقلاب الحالي، لا أفكر بالعودة.. حتى حين كانت فرصة الخروج من مصر لم أتردد لحظة، أرى الوطن اليوم في منتهى القسوة على أبنائه".
 
الله يرحمك يا شاطر
 
وكتب ناشط آخر، على صفحته بالفيس بوك متأثراً:"وفاة الشاطر المقيم في قطر بعد تعرضه لحادث سيارة أثناء تأديته العمرة في السعودية يا رب ارحم عبدك أحمد الشاطر واغفر له ذنبه واربط على قلب أهله و وزوجته وارزقهم الصبر".
 
ويقول: "تركت مصر في عام 2014. والثورة بالنسبة لي أصبحت ذكرى جميلة كالذكريات التي نمر عليها ونحن صغار السن بحنين طيب ونحن نعرف أنها لن تعود مرة أخرى أو على الأقل لن تعود كما كانت أول مرة".
 
ويضيف:"خرجت لأسباب مادية ولسخطي على حال البلاد وقتها. تخرجت عند حدوث الثورة تقريبًا وبحثت عن عمل كثيرًا وكنت أعمل في أشياء لا علاقة لها بتخصصي، عملت في سوبر ماركت ثم في مركز اتصالات، ثم اشتغلت موظف استقبال في أحد الفنادق ولكني كنت أقترض من أبي لأكمل نفقاتي، ثم واتتني الفرصة للرحيل فلم أتردد، كيف أعيش في بلد أخاف فيها أن أقول رأيي بحرية؟.. لا أفكر في العودة للاستقرار ربما أعود لأزور أهلي لكنني لن أعود لأستقر مجددًا".
 
روحي معلقة بالوطن
 
هناك من ترك البلاد وقلبه معلق بها، ممن كانوا داخل المد الثوري نفسه، مثل أحد النشطاء الذي يقول: "أهرب من أي شيء يجمعني بالثورة، أهرب من مقاطع الفيديو والصور، حين أرى شيئًا له علاقة بها تدمع عيني وأدخل في نوبة حزن كبيرة".
 
ويضيف: "كنت مشاركًا في الثورة حتى في مراحل التحضير والتنسيق مع القوى السياسية، حتى مع بدايات نزول الناس مجموعات صغيرة، إلى أن رأينا الناس تخرج بالآلاف، مرورًا بلحظات مفصلية مثل انتخابات مجلس الشعب ومحمد محمود والمقاطعة والاستفتاء وانتخابات الرئاسة. والآن حين أقارن تلك الأيام بحالنا اليوم، تصيبني حالة من الحزن. بعض زملائي الآن في القبور والبعض الآخر في السجون وبعضهم هاجر غصبًا وقهرًا مثلي".
 
وتابع: "مستحيل أن أعود.. أنا وجه معروف وقد تُلفق لي قضايا كما حدث لكثيرين، روحي معلقة بالوطن لكن لا يمكنني العودة".
 
فيما تقول ناشطة تعيش بالخارج : "الثورة كانت حلم تغيير ولكن الجيش قاد الحلم في النهاية إلى هذا المصير، ولكن الشعب في 2011 كان أكثر وعيًا من شعب يوليو عام 1952 فاشتغل على الأرض ولكن في النهاية عدنا إلى نقطة الصفر".
 
وتابعت : "أخطأ الثوار بالخصام مع السياسة، والمزايدة على كل من يتبع المسارات السياسية الهادئة جنبًا إلى جنب مع الاحتجاج، فالاحتجاج حالة عابرة أما بناء القواعد السياسية الحقيقية فهو الذي يمكث في الأرض لأي تيار، وأخطأنا بأننا لم نعرف لقلة الوعي والخبرة متى نندفع ومتى نتمهل ومع من نتحالف ومتى؟ ".
 
وأضافت:"ورغم أن الكثير من الشباب الثوري كانت لديهم أفكار عصرية مناسبة فإنهم لم يعرفوا كيف يروجوا لها لابتعادهم عن الناس، وتعاليهم على الجمهور في بعض الأحيان، كما أن المبالغة في المثالية والبحث عن الحلول الجذرية والفورية والنهائية جعلت الثوار كالطفل الذي وضع يده في إناء الحلوى وهو يريد أن يأخذ أكثر مما تتسع يده في الواقع، فانحشرت يده في الإناء ولم يحصل على شيء".