الكاتب الصحفي: وائل قنديل

سوف ينفض المولد، وسيدعونك بعدها إلى البناء على ما تحقق.. سوف تشتعل حماسًا، وتشمر عن ساعديك وتهتف بحماس: ناولوني ما تحقق كي أبني فوقه. عندها فقط ستكتشف أن الكل باطل وقبض الريح.

النتيجة الأهم فيما يسمى الاستفتاء: انتزع عبد الفتاح السيسي اعترافًا وإقرارًا بدستوره الذي وضعه فور انقلابه، من الكتلة الأساسية الرافضة له من حيث المبدأ.

لا أتحدث هنا عن الجمهور الذي صدق “30 يونيو” في 2013 وما تلاها في مسارٍ كانوا مؤيدين له، ومتفائلين به بكل حماس، بل أقصد ذلك الفصيل من المعارضة الذي كان يسمّي ما جرى انقلابًا، ثم انتهى به الحال ضمن مكونات “30 يونيو” بأثر رجعي، متماهيًا، متماشيًا، مع جدول أعمال الذين كانوا مع السيسي، ثم اختلفوا معه فصاروا ضده.

حسنًا، سيخرج عليك أحدهم الآن بنكتةٍ سمجة، يقول لك فيها إنك تحمل جواز سفر مصريًا، وتدفع فواتير الكهرباء والغاز، وتعبئ خزان سيارتك من محطة وقود الجيش.. إذن أنت معترف بنظام السيسي.

هذا البؤس العميق يكفي للرد عليه أن تقول إنك لست سائحًا، ولا زائرًا في وطنك، ذلك أن علاقتك بالوطن، بما فيه الدولة، سابقة على ظهور شخصٍ اسمُه عبد الفتاح السيسي، وإن تعاملاتك اليومية هذه، مع دولتك هذه، ولدت معك، حيث ورثتها عن أجدادِك وآبائك، أصحاب الحق الأصيل في هذا البلد، وليس معنى أن تمارس وجودك ومواطنتك في وطنٍ يسيطر عليه قراصنة وسفاحون أنك تعترف بنظام القرصنة، وتقرّ بشرعيته، وإنما الصحيح أنك تعترف بالوطن، وتتشبث بحقك الأصيل فيه.

نعم، نجح عبد الفتاح السيسي في اصطياد مجموعاتٍ جديدة من المعارضة القديمة، وأدخلها حديقته، بعضها يلهو مثل قرودٍ فوق أشجار تعديلاته الدستورية، وبعضها فقد اتزانه، بعد استدراجه إلى حلبة السيرك، وهو يحسب أنه يُحسن صنعًا.

بعض هؤلاء أتذكّر حماسهم الثوري المتشنج، مثل مريض بالصرع، وهم يحرّضون الناس على مقاطعة جولة الإعادة (مرسي – شفيق) في أنزه انتخاباتٍ وأنظفها في تاريخ مصر، صيف 2012.

هو الحماس المتشنج نفسه الذي يبدون عليه الآن، وهم يشتغلون مندوبي تسويق لعار تاريخي اسمه استفتاءً على تعديلات دستور الذين قتلوا الثورة، ليرفع الستار عن مهزلةٍ حضاريةٍ جديدة، أو متجدّدة، تضاف إلى سياق عام من الرداءة والانحطاط المتواصل بمنطلقاته وتجلياته، بتفاصيله الداخلية ومشاهده الخارجية، بأصواته وصوره منذ يوليو/ حزيران 2013.

يبتزّونك بكلام كثير عن ضرورة الفعل الإيجابي، وعدم الاستسلام لسلبية المقاطعة التي جرّبناها كثيرًا ولم نحصل على شيء.. غير أن تاريخهم مع هذه السلطة ليس فيه الكثير عن استخدام المقاطعة سلاحًا، إذ لم يثبت أنهم ردّوا للسيسي دعوًة أو طلبًا، فكانوا حاضرين في التفويض، وحاضرين في انتخابات رئاسة 2014 وبرلمانها، وفي انتخابات 2018 كانوا نصف مقاطعين، نصف مشاركين، بدأوا بحماسٍ طاغٍ لخوض السباق بأحد الجنرالين، أحمد شفيق وسامي عنان، أو حتى خالد علي، ثم انتهوا متفرّجين على استعراض (السيسي/ موسى مصطفى موسى) بعد أن أدّوا دورهم في إسباغ جدّية على مسخرة.

كان كل شيء قبل الاستفتاء الحالي يؤكد أننا لسنا بصدد معركة حقيقية، وإنما مهزلة أخرى تضاف إلى سلسلة المهازل، لا مردود لها سوى إضافة قيمة قانونية وشرعية على جريمةٍ سياسيةٍ وأخلاقية، لكنهم حاضرون دومًا ببخاخات الابتزاز السفيه، واعتبار كل من يرفض المشاركة في المهزلة من المحبطين المعطلين، أعداء الحراك (والقضية).

منذ البداية، بحت الأصوات، تقول إن من العبث أن تنافس سلطة لا تعترف بقوانين المنافسة، ولا تحترم قوانين، أو دساتير، وأن إقدامك على هذه الخطوة، إن لم يكن انتحارًا، فإنه يقدّم خدمة هائلة لهذه السلطة. والنتيجة أمامك الآن، نجح السيسي في تمرير ما يشاء، ومع الفوز هدية مجانية، ضم مجموعات إضافية من المعارضة القديمة إلى السيرك.

أي بؤسٍ أكثر من معارضٍ بدأ رافضًا بالكلية انقلاب السيسي، مترفعًا عن الاعتراف به سلطة شرعية، ثم انتهى به الحال مناضلًا للحفاظ على دستور السيسي في وضعه الحالي، ومحاربًا من أجل منع زيادة فترات السيسي الرئاسية، معتبرًا أن تشريع بقاء السيسي في السلطة حتى 2030 بدلًا من 2034 انتصارًا؟!

يقول أستاذ الفلسفة المعروف، الدكتور حسن حنفي، في مقال متداول له “والأوضاع هكذا، في هذه الحالة الامتناع عن التصويت أفضل. وهو انتخاب سلبي، انتخاب للبديل الغائب الذي ما زال أملا فى الوعي، ولم يتكوّن بعد بهذه العملية الانتخابية”.