إن كان الحراك السلمي المقاوم للانقلاب في مصر لم يتوقف خلال السنوات الست الماضية، إلا أنه وبحق، قد ضعف بعض الشيء، بسبب عامل الوقت، والذي كان يعول عليه نظام الانقلاب، والضربات الأمنية المتتالية التي وجهها النظام للناشطين في هذا الحراك. كما أن عدم تنوع الحراك، وخلوه من الإبداع، جعل الكثير يتراجع عن المشاركة فيه، حيث لم يصبح الشارع مناسبا لإظهار الغضب الكامن في صدور الناس. ومع ذلك، فإن شرائح كبيرة من الشعب، سواء من المؤدلجين وأصحاب المواقف السياسية، أو حتى عامة الناس الذين أصابهم نار الانقلاب في أرزاقهم وحياتهم اليومية، قد انضموا بشكل صامت إلى معارضي النظام.

ولما كان المشهد بدأ يتغير، فكان لزاما تحريك هذه الكتلة الجيدة بفاعلية إبداعية تجنبه المواجهة مع النظام البوليسي البطشي، وتنفس عن غضبه، وفي نفس الوقت تظهر حالة التلاحم غير الظاهرة مرحليا بين هذه الكتلة الغاضبة. لذا، فلقد لاقت دعوة "اطمن أنت مش لوحدك" قبولا واسعا من تلك الفئات على مختلف مستوياتها الاجتماعية والأيديولوجية، فأظهرت هذه الشريحة الجديدة، الشريحة المقاومة منذ البداية ومعها من انضم أخيرا،.. أظهرت استجابة كبيرة، وأرسلت رسالة قوية للنظام وللعالم، مفادها أن الثورة ما زالت حية، وأن موجة جديدة بدأت، فتسلم النظام الرسالة بجدية وأطلق أبواقه الإعلامية للدفاع والهجوم في آن، وبقي دراسة رد فعل الناس على رسائل النظام تلك.

كان لزاما تحريك هذه الكتلة الجيدة بفاعلية إبداعية تجنبه المواجهة مع النظام البوليسي البطشي، وتنفس عن غضبه، وفي نفس الوقت تظهر حالة التلاحم غير الظاهرة مرحليا بين هذه الكتلة الغاضبة

هذه الدراسة تستوجب إطلاق فكرة إبداعية جديدة تجمع الناس يظهروا من خلالها رفضهم، ويعلنوا من جديد موقفهم الثابت لرفض الانقلاب ونظامه. فالموجة الأولى التي نجحت بشكل كبير لم تكن، كما يظن النظام، موجة "اطمن أنت مش لوحدك"، والتي اقترح فيها إطلاق الصافرات والطرق على الحلل، بل الحقيقة أن هذه الموجة نجحت بسبب تحول الناس إلى مشاهدة قنوات المقاومة السلمية في الخارج. فرغم التهديد والتخويف من مشاهدة تلك القنوات، فإن الشعب تمرد مبدئيا على النظام بمشاهدة قنوات المقاومة السلمية، والذي أوصل إلى استجابتهم العملية في إطلاق الصافرات والطرق على الحلل، والآن يجب الاستثمار هذا التجاوب الشعبي لخلق حراك متدرج بعد خرق جدار الخوف وصولا إلى هدمه.

لذا، فإن الواجب استكمال المسير من خلال جهة واحدة تقود هذه الدعوات وعدم تشتيت الجهود لقطع الطريق على أصحاب المصالح، حتى ولو كانت شخصية متمثلة في حظ النفس، من العبث بهذا الحراك النقي العفوي لهذا الشعب الواعي، والذي ينفض حين يرى الخلاف.
 
الواجب استكمال المسير من خلال جهة واحدة تقود هذه الدعوات وعدم تشتيت الجهود لقطع الطريق على أصحاب المصالح

ولاستثمار هذا الحراك، يجب أن تتسم الفاعليات بسمات محددة أهمها سهولة الأداء وقلة الكلفة، بمعنى أن تكون الفاعليات يمكن لأي شخص تنفيذها ولا تحتاج لقدرات ولا خبرات كبيرة، كما حدث في الطرق على الأواني وإطلاق الصافرات والكتابة على الأوراق المالية. والشق الثاني لسمات هذه الفاعليات أن تكون قليلة الكلفة، وهنا أعني بها المادية والأمنية، بمعنى ألا نشق على المواطنين ماليا وهم أحوج إلى القرش، وعدم تكلفتهم بمواجهة أمنية تثبط عزمهم أو عزم الشرائح التي ستقتنع بالحراك وتريد الانضمام إليه.

وتتعدد أشكال هذه الفاعليات الاحتجاجات البسيطة والتي تحمل تلك السمات، تبدأ من إطلاق البالونات في وقت محدد، وكتابة المنشورات، سواء ورقية أو من خلال الهواتف، أو صناعة مقاطع فيديو باحترافية ترسل من خلالها رسائل مختارة بعناية، أو حتى مقاطع عفوية تؤكد على استمرار الحراك وتطمين الآخر ودعوته للانضمام إلى الحراك. ومن تلك الأدوات أيضا كتابة الشعارات على الجدران في وقت واحد وبكثافة، ومن المنزل يمكن إبداء الاستياء بإطفاء النور لدقائق في وقت واحد لإظهار الحالة السوداء التي يعيشها هذا الشعب. إذ أن هذه الفاعليات الجماعية تشعر الرافضين بأنهم قوة وتدفعهم لمزيد من الحراك الإبداعي، وللوصول لهذا الشعور يمكن تدشين حملة لطرق الأبواب، يتزاور الناشطون والمنخرطون في الحراك لتطمين بعضهم البعض، للتطور الحالة إلى زيارة من يرون أنه غاضب ويريد الانضمام للحراك لكنه متردد، وإذا قوي الحراك أكثر، فتطور حملة طرق الأبواب إلى طرق أبواب ومحال العامة ودعوتهم إلى الانضمام للحراك، وصولا إلى طرق أبواب الظالمين والمجرمين الذين سرقوا هذا البلد ليجوعوه ويهينوه على المستوى الداخلي والخارجي، لكن هذه المرة لا لدعوتهم للانخراط في الحراك، بل لدك حصونهم التي يشيدونها من دم هذا الشعب الطيب الذي يصبر ثم إذا أخذ لا يفلت، وكلمات الحجاج بن يوسف الثقفي خير دليل على ذلك فيقول: "لايغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه".

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "نافذة مصر"