عامر شماخ

في أقل من أسبوع؛ نقل إعلاميو الانقلاب الموجّهون بـ(الريموت كنترول) معركة المساواة بين المرأة والرجل فى الميراث والتى أثارها الرئيس التونسى –إلى الساحة المصرية، وكان أول من طرح القضية إعلامى علمانى ذو سلوك مشين، وقد اقترح لسفاهته واتباعًا لـ(عبط) الانقلابيين أن يتم تعطيل أحكام القرآن فيما يخص هذه القضية؛ للتطورات الحياتية المتسارعة ولأن آيات الوحى لم تعد تناسب الزمن –حسب رأيه.. وكان من بين اقتراحاته كذلك: عرض هذا الأمر على مجلس النواب لإصدار قانون يقرّ هذا التعطيل..

ويعد ميراث المرأة المسلمة من أكثر القضايا التى يثيرها أعداء الإسلام؛ حيث يزعمون أن الشريعة ميزت الرجل على المرأة فى الميراث فأعطتها نصف ما للرجل..

وهذا من التدليس؛ إذ هناك اعتبارات عدة فى هذه المسألة، لو نظر إليها هؤلاء نظرة حيادية لعلموا أن المرأة المسلمة تحظى بما لم يحظ به الرجل، وأنها فُضلت عليه فى الميراث إجمالا.. فالتفاوت فى الميراث سببه التفاوت فى الأعباء والتكاليف المالية المفروضة على كل من الرجل والمرأة، فالرجل يدفع مهرًا ليتزوج، فى حين تأخذ المرأة مهرًا.. والزوج مكلف بالإنفاق على زوجته، أما هى فلا.. والأب ينفق فيما بعد على أولاده والأم غير مكلفة، والابن ينفق على أبويه إن كانا محتاجين، والبنت ليست مكلفة بالإنفاق عليهما.. والأخ ينفق على أخته غير المعالة حتى ولو كانت لها ذمة مالية.

والإسلام عندما يحث على الزواج، يضيف بهذا إلى المرأة رجلا يعطيها به حقًا جديدًا فى ماله، وفى الوقت ذاته ليس للرجل مثل هذا الحق فى مالها، بل يربأ الإسلام بالرجل أن يطمع فى مال زوجته أو أن يكون عالة عليها.

ولن نبالغ إذا قلنا إن المرأة المسلمة مميزة على الرجل فى الميراث، ونصيبها أكبر من نصيبه، فهى إن تركت النصف لأخيها فإنما أعطته لامرأة أخرى التى هى زوجة هذا الأخ.. وهى فى بعض الأحيان ترث مثل الرجل، وفى أحيان أخرى ترث أكثر من الرجل، أو ربما ورثت ولم يرث الرجل.. وهذه حالات معروفة بالتفصيل فى علم المواريث؛ فمثلا فى حال ميراث الأبوين من أولادهما ممن له ولد، تحصل الأنثى (الأم) على نصيب كنصيب الذكر.. (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ) [النساء:11]، وذلك لأن حاجة الأبوين فى الغالب واحدة.

بل هناك حالات يكون نصيب الأنثى فيها أعلى من نصيب الذكر، كما إذا ماتت امرأة وتركت زوجها وأمها وأخوين شقيقين وأختًا لأم؛ فإن للأخت للأم السدس كاملا، وللأخوين الذكرين الشقيقين السدس بينهما، لكل واحد منهما نصف السدس.

إن العدل الإلهى أوجب عدة اعتبارات عند قسم الميراث، وهذه الاعتبارات ليس فيها نظر إلى النوع، وإنما تقوم بالأساس على: درجة القرابة بين الوارث، ذكرًا كان أو أنثي، وبين المورّث المتوفى، كما تقوم على موقع الوارث من الحياة، وأخيرًا تقوم على التكليف المالى الذى يوجبه المشرع على الوارث حيال الآخرين، وهذا هو الاعتبار الوحيد الذى يفرق بين الذكر والأنثى، هنا ينظر الشرع إلى الأعباء المالية الملقاة على عاتقهم، فالأخت المتزوجة التى حصلت على النصف فقط هى فى إعالة زوجها، والأخت غير المتزوجة تحصل على النصف كذلك، لكن أخاها الذى حصل على ضعف ما حصلت عليه مكلف شرعًا بإعالتها بعيدًا عن ذمتها المالية الخاصة.

ويراعى الإسلام كما قلنا درجة القرابة بين الوارث، ذكرًا كان أو أنثى، وبين المورث المتوفى، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب فى الميراث، وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب، فابنة المتوفى تأخذ أكثر من والده وأكثر من أمه.

كما يراعى الإسلام كذلك، موقع الوارث من الحياة، فيعطى للشباب أكثر مما يعطى للكهول الذين قاربوا على توديع الحياة وصاروا فى كنف ورعاية آخرين، كل هذا دونما اعتبار لجنس من يرث، فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه -وكلتاهما أنثى، وترث البنت أكثر من الأب، كذلك يرث الابن أكثر من الأب -وكلاهما من الذكور.

وما يروجه خصوم الإسلام ومروجو الفتن من أفكار حول هذه القضية، أمر يدعو إلى الضحك والاشمئزاز فى الوقت ذاته.. فهم أولا يريدون تحريف الكلم عن مواضعه، فالله يقول: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) [النساء:11]، وهم يعارضون قول الله وينقضون حكمه -تعالى عما يقولون علوًا كبيرًا.

ثم هم ثانيا يقترحون أن تتساوى المرأة بالرجل فى الميراث مع قيامها بالإنفاق مثلما ينفق وأن تتحمل تكاليف الزواج مثلما يتحمل.. وهذه فرية انطلت حينًا من الدهر على المرأة الغربية فأوسعتها ابتذالا وإهانة، فهذا حق يراد به الباطل، فهم يغرون المرأة بأن فى ذلك مساواتها بالرجل، وكسر قوامته، ومنعه من الاستئثار بإدارة شئون الحياة المشتركة بينهما -إلا أن الواقع ينسف كل هذه الأفكار (النظرية) التى لن ينجحوا يومًا فى تطبيقها كما يريدون.. فالمرأة الأوروبية هى التى تصرخ الآن ولا تسمع مجيبًا؛ كى تعود إلى بيتها وتمارس أمومتها، وتستجدى كل من يمر عليها أن تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي: الرجل يسعى وينفق، والمرأة من خلفه تسانده وترعى شئونه وتربى أطفاله تربية سليمة.

ولو أنفقت المرأة مثلما ينفق الرجل، ولو تكلفت فى الزواج مثلما يكلف، ما تزوجت الفقيرات، وهن السواد الأعظم من النساء، ولطالبت -فى مقابل ما تنفقه- بحقها فى الطلاق، وفى القوامة، ولوقع التنازع والشقاق، وصار البيت أرجوحة فى يد شريكين متشاكسين وليسا زوجين لكل منهما حقوق وعليه واجبات.

ويزداد إسفاف القوم عندما يقولون -كما كتب سلامة موسى قديمًا: «إنه لو ورثت البنت كما يرث الولد لأغرت الشباب بالزواج منها».. وهذا إسفاف وقصر نظر، فهم يصورون المرأة كأنها سلعة بوار، تروج سوقها بما تملك من مال وليس بما هى عليه من دين وأخلاق، فتكون حينها مطمعًا لكل نصاب يجيد نصب شباكه على الضحية ليقتنص ما معها من نقود، ثم يتحول إلى غيرها لاستكمال مشواره الإجرامى مع النساء؟!

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر