المؤشرات كلها تؤكد أن إجراءات الإصلاح المزعومة التى يتبناها النظام العسكرى, هدفها إغراق مصر, ونشر الفوضى في ربوعها. وإخراجها من تصنيف الدول إلى تصنيف شبه الدول. انظروا إلى وتيرة هذه القرارات وحدتها ونتائجها؛ لتعلموا أن الحديث عن الإصلاح حديث خرافة, وأن اقتصاد الدولة يزداد سوءَا كل ساعة, وصدق قائلهم: (اللي جاى سواد السواد وطين الطين)..

فى أحرص الدول اتباعًا لتعليمات (صندوق النقد الدولى) لم نسمع أن إحداها رفعت أسعار الوقود بمثل الطريقة التى اتبعها النظام الفاشى, والأمر نفسه ينطبق على باقى إجراءات التقشف التى يأمر بها الصندوق مثل رفع الدعم عن الكهرباء والمياه، وزيادة شرائح الضرائب. الأمر الوحيد الذى خالف فيه النظام أوامر الصندوق هو ترشيد نفقات الحكومة والرئاسة؛ فمعلوم أن من بين أوامر الصندوق تقليل ميزانيات أنظمة الحكم. لكن عندنا حدث العكس؛ ففى وقت تنفيذ تعليمات الصندوق تم رفع أجور الوزراء, وزادت ميزانية البرلمان أضعافًا, وأنتم ترون (الفشخرة الكذابة) فى مواكب الرئاسة الداخلية, ورحلاتها الخارجية, ومصاريفها الباهظة على المظاهر الفارغة.

مع العلم أن قصة صندوق النقد الدولى من أولها إلى آخرها مؤامرة دولية لخنق المحروسة وتكبيلها, وإغراقها وتحويلها من دولة حرة ذات سيادة إلى كيان عاجز تعمة الفوضى, ويضربه الفقر والبؤس. وهذا الكلام يؤكده واقعنا المؤلم, ويؤكده حال من سبقونا وتعاملوا مع هذا الصندوق, مثل البرازيل والفلبين وإندونيسيا؛ حيث ازدادت هذه الدول فقرًا على فقر, وعوزًا على عوز, رغم وطنية حكامها وقت تعاملها مع هذا الصندوق الأممى المشبوه. فما بالك إذا كانت الشبهات تحوم حول من يحكموننا الآن, وأن تلك الإجراءات والقرارات الاقتصادية التى يتخذونها -بما فيها فتح الباب لصندوق النقد للعبث بمقدارات مصر والمصريين- إن هى إلا خطة وضعها اليهود وينفذها هؤلاء الحكام؟

لماذا لم يرفضوا إملاءات هذا الصندوق كما رفضت من قبل تركيا وماليزيا, وهما الآن فى مصاف الدول العظمى؟ لما لم يلجئوا إلى تحريك عجلة الإنتاج؟ لماذا لم يسعوا إلى تهدئة الأجواء السياسية؟ لماذا لم يخففوا (الضغطة الأمنية؟) لماذا ولماذا؟ وهل 12 مليار دولار على أقساط تستحق كل هذه الإجراءات التخريبية، فى حين أنهم حصلوا على عشرات المليارات من (رز الخليج) وليس لها أثر، ولا يعرف أحد أين ذهبت، ولا يُعلم لها بند فى الميزانية؟
إنك إن حاورت مواطناَ مصرياَ الآن وجدت مرجلا من الغضب يشتعل داخله؛ من كثرة الضغوط التى تتناوشه بعد الارتفاعات الهائلة فى الأسعار والتى عجز أمامها عن العيش بكرامة؛ فهو إما أن يسرق وإما أن يتسول ولا خيار بينهما, وإنك تجد أيضًا الأثرة و(القرف) على وجوه الناس من جراء ما أصابهم من نكد العيش؛ ولما يتوقعون من تفسخ اجتماعى سوف يطال الجميع، ولا حل يبدو فى الأفق. ويسأل الناس: أين الوعود التى قطعوها على أنفسهم بأن مصر ستصير (قد الدنيا)، لقد طالب قائد الانقلاب –بعد ضجر المواطنين- بإمهاله لسنتين فلم يتحسن شىء, بل ازدادت الأمور سوءًا, وطالب بإمهاله فى مرة أخرى ستة أشهر وقد مرت، ومر معها على الناس الغلاء والبلاء والعجز والقهر. فماذا يفعل الناس إذاَ؟

لا بد أن يتحرك المصريون, لا بد أن يثوروا, لا بد أن ينتزعوا حقوقهم بأيديهم ممن خدعوهم وأضلوهم وخانوهم. لا يصح أن ينتظر المصريون حتى يأتيهم ثوار يثورون لهم, كما لا يصح أن ينتظروا خروج الإخوان من السجون ليزيحوا العصابة الحاكمة عن السلطة. الحل بأيدى المواطنين المطحونين, الذين يرون الشقاء كل ساعة فى حين يستمتع الانقلابيون وأبناؤهم ومن ينافقونهم بخيرات البلاد, بل يبذرونها تبذيرًا..

ولقد تذكرت حادثة بطلها أحد علماء السنوسية في ليبيا؛ لعلها تقرّب إلينا الصورة, وتبعث الأمل لدى أبناء شعبنا فى تغيير هذا الحال المزرى والواقع الأليم الذى ألفوه… كان حجاج ليبيا يمرون فى طريقهم إلى الحجاز كل عام بواد فيه أسد، وكان هذا الأسد لا يسمح لهم بالمرور إلا إذا ألقوا إليه ببعير, ولما كان العام الذى حج فيه هذا العالم العامل سألهم: ما هذا الذى تفعلون؟ قالوا: لا نمر إلا إذا ألقينا إليه البعير. قال: والله ما هذا خُلق الرجال, ولا أقبل أن يفرض علىّ حيوان إتاوة. ثم قام الرجل بمواجهة الأسد بسيفه فقتله. ومن بعد ذلك صار الناس يمرون بهذا الوادى دون أن يعترضهم ذلك الأسد (البلطجى)..
 

باختصار: سوف يتعرض هذا الشعب للطحن على أيدى هذه الثلة المجرمة, التى لن ترحم صراخه وعويله, ولن يشغلها موت الشعب عن آخره بقدر ما يشغلها الكرسى الذى اغتصبته والنعيم الذى ترفل فيه.. ولن يكف هذه الأيدى الآثمة عن إجرامها إلا الشجاعة والإقدام, والتضحية والفداء؛ فإن صبر ساعة خير من معاناة الدهر.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.