لم يحدث في تاريخ العسكرية المصرية أن وصل قائد الحرس الجمهوري إلى منصب وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة، إلا مرتين: الأولى، مع حسين طنطاوي، رجل حسني مبارك وحارسه الوفي، في حكمه وبعد خلعه، والذي عينه مبارك قائداً للحرس عام 1988 ثم قفز به إلى رتبة الفريق، ووضعه وزيراً للدفاع عام 1991، بعد منحه رتبة الفريق، ثم الفريق أول، وأخيراً المشير عام 1993 .

الحالة الثانية هي حالة وزير الدفاع الجديد الذي جاء به عبد الفتاح السيسي من قيادة الحرس الجمهوري، وعينه وزير دفاع، مطيحاً شريكه القوي في مشروع الانقلاب، صدقي صبحي.

منذ عام مضى، أصدر السيسي قراراً بترقية قائد الحرس، اللواء محمد زكي، إلى رتبة الفريق، وبالأمس صار وزيراً للدفاع، ولن تمر أيام، أو أسابيع، حتى يصل إلى رتبة فريق أول، ليصبح المشهد كالتالي: السيسي محاطاً بحراسه الشخصيين في المناصب الكبرى، والأكثر حساسيةً في منظومة الحكم، فالبطريقة ذاتها التي صعد بها مدير مكتبه الخاص، عباس كامل، إلى درجة مدير المخابرات العامة، ها هو قائد حراسته يصعد إلى مرتبة وزير الدفاع.

تحدث هذه النقلة عادةً في فترات تتسم باسترخاء عسكري، بالمفهوم الفني، وتصاعد الهاجس الأمني، إذ كان وضع طنطاوي على رأس المؤسسة العسكرية متزامناً مع تدشين مرحلة انخراط هذه المؤسسة في أعمال البيزنس والهيمنة الاقتصادية على المجتمع، كما تحدث عادة حين تتفاقم الهواجس الأمنية لدى رأس السلطة، بحيث تتآكل مساحات الثقة في الدوائر المحيطة، ومن ثم الاستعانة بالأكثر ولاءً شخصياً، كما في حالتي عباس كامل، ثم قائد الحرس.

على أن اختيار قائد الحرس الجمهوري الذي نفذ عملية احتجاز الرئيس المنتخب، محمد مرسي، ليكون وزيراً للدفاع، تؤشر أيضاً إلى أن المسألة تتعدّى تقريب الأكثر ولاءً، وسداد مكافآت متأخرة، لمن أوصلوا السيسي إلى الحكم، إلى ما هو أخطر، إذ أن توقيت اختيار الشخص الذي افتتح مرحلة المجازر الجماعية ضد المتظاهرين في 2013 عند دار الحرس الجمهوري، يبدو لافتاً، إذ يتزامن مع البدء في تنفيذ مذبحة رفع الأسعار ورفع الدعم عن المواطن المصري المطحون، وكأنها رسالةٌ لمن يفكر في الاحتجاج.

غير أن خدمات وزير الدفاع الجديد للانقلاب لم تتوقف عند ارتكاب مجزرةٍ أزهقت أرواح 53 مصرياً من المعتصمين، رفضاً للانقلاب والإقصاء المادي لرئيسٍ منتخب، بل استمرت حتى صارت اغتيالاً أدبياً ومعنوياً، بشهادات كذوب، أدلى بها قائد الحرس، وجرى استخدامها في تخليق مجمل الاتهامات الباطلة للرئيس المدني، وبشكل خاص في قضية أحداث الاتحادية 2012 والتي ادّعى فيها، زوراً، أن الرئيس طلب منه استعمال الرصاص الحي ضد المتظاهرين، لكنه رفض.

هذه الشهادة تدحضها شهادات عديدة، بعضها سمعته، من أطراف كانوا حاضرين المشهد، وأخرى منشورة، أهمها على الإطلاق شهادة وزير العدل، إبان أحداث الاتحادية، المستشار أحمد مكي، وهي الشهادة المنشورة في صحيفة التحرير في يوليو/ تموز 2016.

قال وزير العدل فيها “كنت واحدًا من شهود الاجتماع الذى دعا إليه محمد مرسى عقب مقتل الحسينى أبو ضيف، وحضرته مع قائد الحرس الجمهوري واللواء أحمد جمال الدين، وزير الداخلية حينها. كان الاجتماع يناقش طرق حماية القصر من المتظاهرين، فقال قائد الحرس: نضرب بالرصاص، وهذه هى الوسيلة الوحيدة المتاحة لنا، فصرخ مرسي وقال: إلا الدم.. وذكر حديثا للرسول يقول: لا يزال المؤمن فى فسحة من دينه ما لم يُصب دمًا حرامًا..، وقال أيضا شوفوا طريقة تانية، ممكن نجيب خراطيم مياه أو نعلى الأسوار..، فكان حريصا على سلامة كل شخص. تساءلت عن سبب وجودى فى هذا الاجتماع، فأجابنى وزير الداخلية بأنه يريد حضور وكلاء نيابة إلى محيط القصر، ليكونوا شاهدين على التصدى للمتظاهرين أو فض اعتصام، بأنه يتم وفقًا للقواعد والمعايير، وبالفعل هو ما حدث بعد أن أبلغت النائب العام”.

ليس شهادة وزير العدل فقط، بل إن منطوق حكم المحكمة في قضية الاتحادية برّأ الرئيس مرسي من تهمة قتل المتظاهرين، إذ قضت محكمة جنايات القاهرة في أبريل/ نيسان 2015 ببراءة الرئيس مرسي وجميع المتهمين من تهم القتل العمد، ودانتهم بالسجن المشدد عشرين عاماً، في تهمتين مضحكتين، هما استعراض القوة والعنف والقبض والاحتجاز، وهو ما أيدته محكمة النقض فيما بعد.

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر